ماذا بعد السلطة والوعود يا سيادة الجنرال..؟/ كريم الدين ولد محمد

كريم الدين ولد محمدكان فيلسوف الهند وحكيمها الكبير غاندي يقول: «إن غايتنا أن نحرر الهند من الاستعمار البريطاني... ونجنبها حكم القوات المسلحة لأن الأمة التي يحكمها الجيش لا تكون أمة حرة...!!». كلمات تناهت في الصدق والعظمة ولعلنا اليوم في موريتانيا نفهمها أكثر من أي شعب آخر بسبب ما جلبت لنا الأنظمة العسكرية المتعاقبة من فاقة وويل.

فبعد أكثر من 30 سنة على أول انقلاب عسكري تشهده البلاد والذي أطاح بحكومة مدنية تعتبر هي التي وضعت اللبنة الأولى لبناء الدولة الموريتانية المدنية الحديثة، بعد هذا الانقلاب وما تلاه من انقلابات ودساتير وانتخابات يحق لنا نحن الموريتانيين أن نقف وقفة تساءل عن ما ذا حققت لنا أنظمتنا العسكرية المتعاقبة؟

لكن وحتى لا ندخل في سرد تاريخي قد يطول وانطلاقا من مبدئنا العسكري الشهير "عفا الله عما سلف" دعونا نتجاوز السؤال السابق لنتساءل من جديد عن ما ذا حققت موريتانيا بعد آخر انقلاب عسكري شهدته البلاد؟ أو بصيغة أخرى ما ذا أنجز النظام العسكر-مدني لرئيس المجلس الأعلى للدولة ورئيس الجمهورية الجنرال محمد ولد عبد العزيز؟

وفي محاولتنا للإجابة على هذا التساؤل يجب أن ننوه أولا بأن الدارس للشأن الموريتاني سيلاحظ أن هناك أقلية قليلة استولت على السلطة وعلى خيرات هذا البلد وثرواته من أول انقلاب عسكري شهدته البلاد ولا تزال هذه الأقلية تتحكم في موارد هذا الشعب وتتلاعب بمصالحه، والجدير بالذكر أنها لم تتغير مع تغير الأنظمة والانقلابات المتتالية التي شهدتها البلاد بل كانت دائما ما تغير واجهتها وشكلها الخارجي مع كل نظام على طريقة الثعبان السام الذي دائما ما يغير طبقته الجلدية الخارجية من فترة لأخرى، ولعل من مفارقات الإصلاح والحكم الرشيد أن يتحدث رئيس الجمهورية محمد ولد عبد العزيز عن الفساد والمفسدين ويتعهد بالإصلاح والتغيير بحكومة وكوادر وإداريين من كبار المفسدين ومن الخريجين الأوائل لمدرسة الفساد التي بناها أستاذه ولد الطايع.

والآن دعونا نقترب من عهد الرئيس عزيز ولنبدأ معه من اللحظة التي يحب أن نبدأ منها إنها لحظة أدائه للقسم الدستوري بوصفه رئيسا للجمهورية الإسلامية الموريتانية، كان ذلك في مكان يسمى الملعب الأولمبي وهو الملعب الوحيد لكرة القدم في موريتانيا وتبلغ سعته 12 ألف متفرج! وكان الزمان الموافق الأربعاء 05 أغسطس 2009 أي بعد سنة إلا يوم واحد من تنصيب الجنرال محمد ولد عبد العزيز نفسه رئيسا للدولة الموريتانية بعد انقلاب أبيض أطاح برئيس منتخب بطريقة فيها كلام كثير لكنها أيضا كانت فريدة من نوعها، وأقل ما يقال عن هذا الانقلاب إنه يمثل ردة فعل شخصية قضت على تجربة وليدة كانت تمثل صفحة بيضاء في سجل المشهد السياسي الموريتاني الأسود والمليء بالانقلابات وعدم الاستقرار السياسي. هكذا وأخيرا وبعد معارضة قوية ومسيرات مناوئة وبعد اتفاق داكار الشهير الذي تم بموجبه تنظيم انتخابات يعتبر السكوت عنها أفضل من الكلام بكثير، أصبح الجنرال محمد ولد عبد العزيز رئيسا للجمهورية الإسلامية الموريتانية بعد ثلاث حملات انتخابية. وكسابقيه من الرؤساء تهجم الجنرال عزيز في خطاب تنصيبه على الأنظمة السابقة التي اتهمها بأنها وراء كل ما حصل للشعب الموريتاني من الفقر والتجويع ناسيا أو متناسيا أنه هو وزمرته السياسية كانوا شركاء في جل هذه الأنظمة.

كان الخامس من أغسطس 2009م يوما ليس كغيره من الأيام مع أنه جاء بعد أيام انتخابية ليست كغيرها من الأيام أيضا، وعود كثيرة أطلقت في هذا اليوم والأيام التي سبقته وكلمات براقة تفوه بها من قد لا يكون بالضرورة يحسن معناها والأكيد أنه لا يحسن ترجمتها على أرض الواقع، كلمات خذلت الكثيرين ممن جرفهم سيل المصطلحات الخالية من معانيها فظنوا أن موريتانيا ستتحول بين عشية وضحاها إلى جنة من جنات الأرض، ليجدوا أنفسهم بعد عشرين شهرا من خطاب التنصيب مكبلين بواقع اقتصادي صعب ومشاكل ظلت تتفاقم حدتها يوما بعد يوم.

خطط اقتصادية متوسطة المدى وأخرى استعجاليه وأخرى ارتجالية -وهي الأكثر- وتمويلات ومشاريع واستثمارات ومع هذا فالمواطن العادي لم يلحظ أي تغير في حياته اليومية فالأسعار ما زالت ترتفع حسب مزاج التجار أحيانا لسد العجز الحاصل في السيولة وأحيانا أخرى لتغطية نفقات الحملات الانتخابية -التي لا تنتهي إلا لتبدأ من جديد- والملاحظ أن هذا الارتفاع الجنوني للأسعار لا يخضع حتى لمعايير ونسب التضخم العالمية، أما حماية المستهلك فقد كانت ولا تزال عنوانا فارغا من محتواه ويكفيك كمواطن عادي من الحماية أن تقضي ساعات طويلة أمام أحد دكاكين ما يسمى هزلا بدكاكين التضامن لاقتناء جزء من قوتك اليومي على طريقة المتسولين مع احترام المسئولين لحقك وكرامتك وتضامن الحكومة معك، أما الحديث عن البطالة فيطول آلاف يتخرجون سنويا بشهادات عالية وتخصصات مختلفة والبلد بحاجة إليها لكن سوق العمل محكومة بقوانين أخرى... والإشكال الأكبر أن القطاع الاقتصادي في موريتانيا غير مهيكل ولا مؤهل من حيث الأصل لاستقبال الكم الهائل من الخريجين سنويا. مفارقات عجيبة حملات وإعلانات منادية بالإصلاح يصاحبها فساد منتشر على كافة الأصعدة والمستويات ففي قطاع الصحة كثر الفساد وانتشرت البيروقراطية مستشفيات واقعها يزيد المرضى سوءا على حالهم عيادات بعدد المحال التجارية وأدوية مزورة وأسعار غالية والرقابة من الدولة غائبة تماما.

وفي قطاع التعليم فساد من نوع خاص و فوضاء لا تنتهي ومناهج تعليمية متخلفة وارتجال في القرارات وأيام تشاورية لا يحدد موعدها اليوم إلا لتلغى في الغد وبنى تحتية هشة من أيام الخمسينات ولا صيانة مع وجود تمويلات لا تنتهي أغلبها يذهب إلى أغراض خاصة...! وحتى البنية الاجتماعية لم تسلم هي الأخرى فقد أصبحت مؤهلة أكثر من أي وقت مضى لأن تعصف بها عواصف المشاكل الاجتماعية المختلفة من مشكلة الرق إلى غيرها من المشاكل المتعلقة بغياب العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للدخل، ففي موريتانيا لا تتعجب إن صادفت أسرة يملك كل فرد منها سيارة فاخرة وتسكن في قصر فخم وفي المقابل أسرة أخرى تسكن في كوخ صغير في أحد الأحياء الشعبية ولا تملك قوتها اليومي مع أنه لا فرق بين الأسرتين من جانب المؤهلات والتكوين العلمي بل قد ترجح كفة المؤهلات لصالح أصحاب الكوخ إلا أن لدى الأخرى كفة لا يرجحها شيء في موريتانيا...!

سنتان إلا قليل من حكم الجنرال عزيز ولا شيء في حياة المواطن قد تغير ولا أحد يمكن أن يقنعنا أن هناك بوادر للتغيير نحو الأفضل وعلى مختلف الأصعدة في البلاد، تُرى أين ذهبت التمويلات والقروض التي جلبت من كل مكان أين راحت كل تلك الأموال يا سيادة الجنرال؟ أين نحن من خطط الإصلاح والحكم الرشيد وبناء دولة المؤسسات أم أنها وعود السياسيين وكما قال الجنرال الروسي الشهير استالين "إن السياسيين يعدوننا ببناء جسور على أنهار لم توجد من حيث الأصل".

سيادة الجنرال إن غياب العدالة الاجتماعية هو أساس المشاكل التي تعصف بالعالم اليوم ولا مكان للاستقرار مادام هناك فساد اقتصادي وما دام هناك محرومون في هذا البلد القليل السكان الكثير الخيرات الفقير على كل المستويات، وعلى الحكومة أن توفر المأكل والمشرب والحرية والعدالة والتعليم لكل فرد من أفراد هذا المجتمع وإذا لم تكن قادرة على ذلك فالتذهب ولتترك مكانها لمن هو قادر على أن يوفر لهذا الشعب المحروم مقومات الحياة الكريمة.

سيادة الجنرال ليكن في علمكم أن كل شاب في هذا الوطن تعلم وضحى بالغالي والنفيس وحصل على مؤهلات تسمح له بالمساهمة في بناء بلده يجب على الحكومة أن تُوفر له الجو والمكان المناسبين لكي يساهم في عملية الإنتاج والبناء لأنه وبكل بساطة إذا تُرك تحت وطأة البطالة قد يجد نفسه يوما ما مُصوبا فوهة بندقيته صوب كل من يقف في طريقه حينها من غير العدالة أن نحاسبه بمنطق الخطأ والصواب وقديما قال زعيم حرب التحرير الكبرى لتوحيد إيطاليا كافور "لن ندع العالم يستريح فإما ظفرنا بحريتنا وإما خسر العالم حريته معنا".

أخيرا تذكروا يا سيادة الجنرال أن عواصف التغيير الشعبي قد عصفت بأنظمة وحكومات أكثر قدرة وتحصينا، صحيح أن تلك الشعوب قد قطعت أشواطا مازلنا بعيدين منها لكن الضغط يولد الانفجار وفي مثل ظروفنا الصعبة قد يتم اختزال المسافات والفوارق الزمنية وحين نتحدث عن الحقوق والحرية وبذل الثمن يغيب منطق الحساب العادي، ولتتذكروا أيضا يا سيادة الجنرال أن مخازننا من الأدوية المزورة تعجز في الغالب عن التخفيف من أعراض فيروس الأنفلونزا أحرى أن تكون قادرة على صد عدوى الثورات الشعبية المطالبة بالحرية والكرامة.

17. أبريل 2011 - 11:28

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا