على هامش الكرنفال / سيدي محمود ولد الصغير

سيدي محمود ولد الصغيركانَ آخر عهد لي بتلك البلاد الثاَّوية بين جنبي حيث ما ثويتُ حين ودَّعتها في ليلة مظلمة بعد أن حال انقطاع الكهرباء بيني وبين وجوه الأهل وأنا أستعد للخروج متجها إلى المطار لأواصل رحلة الاغتراب. قد يكون في ذالك شيء

 من الستر لدفق العواطف التي تُترجَم أحيانا بغير لغة الكلام، ولكنَّه يترك في الحلق غصة بطعم النقمة على القائمين على شأن الوطن. ثم يتكرَّر الموقف في المطار أكثر من مرة خلال ساعة فتتوقف الأجهزة وإن لم يشمله الظلام!

وفي المتاح من النور "لا ترى شيئا يشبه الحكومة" إذا استخدمنا لغة أحد الأصدقاء الظرفاء، لا شرطة المطار تشبه شرطة مطارات العالم ولا الإجراءات والنظام ولا المطار الدولي نفسه تمكن تسميته مطارا دوليا إلا من باب الإيغال في المجاز.

وبقدر ما تفتح لك بوابة المطار من طريق للهرب من هذا الواقع-وإن مكرها- تفتح لك أبوابا أخرى لرؤية مأساة البلد الذي تغادرُه (جسدا لا روحا)؛ فإذا كان ذالك حال المطار شبه الوحيد في الدولة، فما ذا عن بقية المرافق الأخرى التي يحج إليها المواطنون في حاجاتهم وضروراتهم اليومية؛ من المستشفيات والمدارس والوزارات ومؤسسات "الخدمات" المختلفة، بل ما ذا عن الطرق التي تنزف على جنباتها أرواح المواطنين على امتدادخط "الأمل" المهترئ أو حيث لا أمل أصلا؟!.

المؤسف حقا أن أولئك المواطنين الذين يطحنهم البؤس في بيوت الصفيح حيث يتكدسون تكدُّس عُلب السَّردين في الحاويات؛ إذ لا مرافق ولا طرق ولا مستقبل هم الليلة-وإخوانهم في الوطن والمأساة- على موعد مع حفلة زور يقيمها ناهبو ثروة الشعب وينعشها الجنرال بالكذب عليه منًّا وتمدُّحا بما لم يفعل، في واحدة من الزيارات الكرنفالية الموروثة من زمن ولد الطائع قدوة الجنرال وملهمه الأول!.

وقد يكون من المناسب: سؤال الجنرال وأنصاره عن جدوى هذا اللقاء الذي يكلف الدولة أموالا باهظة-رأيت رقما لا يصدَّق سأتثبت سأتثبت منه-ويفتح الباب لنهب أضعافها بذرائع مختلفة؟ وسيأتي الجواب سريعا بأن هذا اللقاء سبق حضاري تفتقت عنه قريحة الرئيس ليكون "جسرا" واصلا بينه وبين عموم المواطنينليسمع اهتماماتهم بشكل مباشر وليسمعوا منه رؤيته لواقع البلد وأين تتجه مسيرة التنمية، لكن الوقائع لا تسند هذا الجواب، فلا الرئيس سيسمع أو يرى حياة المواطنين في جو احتفالي مزوَّر كهذا تستنفر له الدولة بأكملها ويحضَّر زمنا طويلا، وتصبغ فيه حياة الناس بألوان الزيف ويقرَّب المتملقون والمنتفعون، ويبعد البسطاء والناصحون.

ألم يكن المواطنون بحاجة إلى أن ينفق هذا المال أو جزء منه في مشاريع تنموية حقيقية تنفعهم في غذائهم أو دوائهم أو تعليمهم، بدل إنفاقها في إقامة "جسرمُعلَّق"كهذا في دولة تنعدم فيها أدنى البنى التحتية وتسبَح عاصمتها اليوم في برك المستنقعات؛ لافتقارها لشبكة صرف صحي!

دعك من مناطقها النائية المهملة كولاية الحوض الشرقي وأخواتها هي فرصة لاستعراض احتفالي(كرنفالي) وخطاب انتخابي يقول فيه الرئيس كثيرا مما لم يكن ويعدُ بكثير مما لن يكون، ثم ينفَضُّ سامر الجمع: الرئيس مزهو بالاستقبال الفخم، و"الوجهاء"يتحسسون الربح في انتظار أثْمان الحشودالتي استقبلوا بها الرئيس.وعامة المواطنين إلى حياتهم البائسة حيث لا أثر للدولة ولا تعويل على خدماتها في واقع الأمر.

ولله الأمر من قبل ومن بعد

16. أغسطس 2013 - 11:07

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا