المنسقية.. لن تشارك / محفوظ ولد الجيلاني

altتعيش منسقية المعارضة هذه الأيام أوقاتا عصيبة. فهي محتارة بين المبدأ والغنيمة... ناضلت المنسقية بشجاعة، عدة شهور من أجل هدف واحد جمع بين مكوناتها المختلفة أيديولوجيا، وحشدت له جماهيرها العريضة... الرحيل.

استمرت المسيرات، والمظاهرات، والوقفات، والمؤتمرات الصحفية، والندوات الفكرية  من أجل هدف واحد: رحيل النظام. بدا الهدف قريب المنال، فازداد الحماس، وكثر السعي بين الجامعين... ثم خف الزخم وقلت الأعداد، وانفرط العقد، وأصبح كل حزب يحشد مناضليه وحده في ساحة ابن عباس، أو دار الشباب، أو يحشرهم في زقاق، أو يستقبلهم في مقره...

انفض الناس من الشارع، وأصبح ثلاثي ر ح ل ممنوع التداول في بيانات المنسقية... ثم أعلن عن موعد الانتخابات البلدية والتشريعية. واتخذت المنسقية موقفها الشجاع الحكيم بمقاطعة الانتخابات ما لم تتحقق شروطها التي تضمن شفافيتها ونزاهتها وتوافقها. لقد كان ذلك الموقف مشرفا لجميع مكونات المنسقية حين أبان عن إدراكها العميق للمناورات السياسية التي تريد توريطها في انتخابات لا تتوفر فيها الشروط التي وضعتها المنسقية.

هذا الموقف الحصيف لقي تجاوبا واسعا من أحزاب المعارضة المحاورة فأعلنت بدورها مقاطعة الانتخابات، مطالبة بتأجيلها. وعادت عجلة المناورات السياسية تتحرك من جديد لتعيد إنتاج خدعة 6/6 التي عانت منها المعارضة الديمقراطية حين وقعت في فخها، ولم يكن اتفاق داكار قادرا على جبر أضرارها. لكن المعارضة تعلمت الدرس، ولن تقع في الفخ مرة أخرى، لذلك لن تتراجع، رغم ما يشاع، عن قرار مقاطعة الانتخابات، رغم تأجيلها، كما أجلت انتخابات 6/6. فقرار المقاطعة اتخذ بناء على شروط لم يتحقق منها شيء. فلم تتحقق ضمانات الشفافية، وحياد الإدارة، وحكومة الوحدة الوطنية، وإعادة تشكيل اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات... كل الذي حدث هو تأجيل الانتخابات لأسابيع لأن الموعد المعلن أصلا لإجرائها لم يكن واقعيا بحكم تأخر الإحصاء الانتخابي، وغياب هيئات اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات التي يفترض أن تنتشر على كافة التراب الوطني.

لم تكن هناك إمكانية موضوعية لإجراء الانتخابات في الآجال المعلنة، ومن ثم فإن تأجيل الانتخابات أسابيع، يعود إلى إكراهات لوجستية، ولا يمثل بحال من الأحوال استجابة لشروط منسقية المعارضة. وما لم تتحقق تلك الشروط فإن المشاركة في الانتخابات تمثل انتحارا سياسيا، واستخفافا بتضحيات المناضلين الذين ظلوا يلبون دعوات المنسقية للتظاهر من أجل رحيل النظام، وباركوا قرار المنسقية مقاطعة الانتخابات في آجالها الأولى، ووقفوا خلفها داعمين لشروطها العادلة. فإذا اتجهت المنسقية اليوم إلى المشاركة في الانتخابات، لمجرد أنها أجلت لأسابيع لضرورات لوجستية فإن ذلك سيمثل بلا شك خيانة للمناضلين الذين يدفعون في اتجاه المقاطعة، وسيكون خطأ سياسيا فادحا...

إن الإصرار على المقاطعة سيفرض على النظام تقديم المزيد من التنازلات لأنه لا يستطيع الذهاب إلى انتخابات غير توافقية تفقده شرعيته أمام الرأي العام الدولي، وتجعل نهج الإقصاء عنوانا عليه. ولن يكون برلمان من لون واحد قادرا على ادعاء تمثيل كل الموريتانيين بحساسياتهم السياسية. أضف إلى ذلك أن المقاطعة ذاتها خير وسيلة لإفشال الانتخابات حين تنشط المنسقية عبر مناضليها وكوادرها في الدعوة إلى مقاطعة شعبية واسعة لمراكز التصويت مما ينتج عنه معدل مشاركة متدن يفقد الانتخابات مصداقيتها، ويعطي حجة للمجتمع الدولي للضغط على النظام لإلغاء نتائجها وتنظيم أخرى توافقية تملي فيها المعارضة شروطها، ولا يستطيع النظام سوى الخضوع لتلك الشروط.

ضمن هذا التصور سيخسر النظام بشكل مدو نتائج الانتخابات البلدية والتشريعية ليتم الإجهاز عليه في الانتخابات الرآسية، وتستعيد الديمقراطية بذلك مسارها في بلدنا الحبيب...

من حق الهيئات الحزبية العليا اتخاذ القرارات السياسية. لكن حين يتعلق الأمر بقرارات ذات بعد استراتيجي عميق لا شك أن القواعد الشعبية ينبغي أن يسمع صوتها. وهذه القواعد تدفع بشكل واضح وضوح الشمس إلى مقاطعة الانتخابات. ولا ينبغي في هذه الحال التذرع بالحفاظ على تماسك قيادة الحزب لأن بعض العاملين لحسابهم الخاص يدفعون في اتجاه المشاركة آملين الحصول على مكاسب شخصية.

أمثال هؤلاء ليسوا أوفياء لنضال المنسقية ولا حريصين على مصالح الشعب الموريتاني، ولا يبعد أن يكون النظام قد دسهم في صفوف أحزاب المنسقية ليلعبوا هذا الدور التخريبي. فلنتركهم يرحلون إليه، و ليترشحوا على لوائحه، فالثبات على المبادئ يصهر الرجال لتعلم معادنها أذهب خالص، أم نحاس رديء..

1. سبتمبر 2013 - 11:23

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا