التبعية للشيوخ والأولياء بين الحاجة والإستغناء / سيد محمد ولد احمد

 سيد محمد ولد احمدلا أحد يختلف معي في أن الشيخ بشر مثلنا يأكل الطعام ويمشي في الأسواق، فما الفرق بيننا وبينه؟ الفرق بيننا وبينه يكمن في قوة الإيمان والتقوى، فقد جاهد نفسه وشيطانه وتغلب عليهما فعلت مرتبته بذلك – وحده - ووضع له القبول في الأرض، وأحبه العقلاء وتقربوا منه طمعا

 في النصيحة والبركة الحقيقية والنجاة من الضلال بإتباع هدي الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يتبعه، ومهما بلغ لن يخرج عن بشريته القاصرة، ولن يسلم من الإبتلاء ككل الناس فالقلم لم يرفع إلا عن الثلاثة المعروفين (النائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى يعقل)، وأفضل الناس منذ بداية الخلق وحتى اليوم هم الرسل وقد عاشوا بين الناس ببساطة وكرم أخلاق وحاجة إلى الخالق ككل مخلوق، وابتلوا وزلزلوا..

والشيخ الذي يعيش في الغنى والعز مثل الملك، لا ينكر ذلك عليه إن كان صالحا فليس من شروط الولاية لله التجرد من الدنيا، لكن الشيخ الفقير الزاهد أفضل منه بدليل أن عمر بن الخطاب لما قالت له عائشة رضي الله عنها إن زمنه ليس كزمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه، تريده أن يوسع على نفسه لأن رسل الملوك بدؤوا يفدون على المدينة، قال لها إنه ترك صاحبيه على طريق ولا يريد أن يشذ عنه خوفا من فقد آثارهما، وذلك الطريق هو طريق الزهد في هذه الدنيا دون إهمال الحظ منها، والحظ يسير وليس كل شيء..

فكلما كان الشيخ مترفا غنيا كلما كان أقرب إلى التأثر بالدنيا وشياطينها خصوصا في أزمنة البدعة التي رأينا فيها شيوخا يقتنون أفخر السيارات، ويلبسون أفخر الثياب ويمارسون السياسة الدنيوية التي لا علاقة لها بالدين من قريب أو بعيد..

إن بشرية الشيخ تفرض عليه وعلى كل متمسح به من الضعفاء الالتزام بقواعدها، فالشيخ لا يمسك السماوات والأرض أن تقعا، ولا يتحكم في أرزاق الناس، ولا يعلم الغيب، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو أكمل من جميع الشيوخ لم يتمتع بتلك الخصائص فكيف يتمتع بها من هو دونه؟ وكيف يكون الشيخ المسكين العابد لربه خوفا من النار وطمعا في الجنة شريكا في إدارة الكون مع خالق السماوات والأرض والعياذ بالله؟

وليس التمتع بتلك الخصائص ولا حتى بما هو دونها مطلبا للمؤمنين يطيعون الله من اجل الحصول عليه ك (Bonus) ولا من خصائص البشر ومهامهم ولا في مقدورهم، فليفتخر الكذابون الذين يزعمون ذلك بما يمكن تصديقه، بل تتعارض تلك المزاعم مع أسس الدين فالرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من الرسل مجرد عبيد اختارهم الله من بين البشر الضعفاء لكي يرشدوا الناس إليه، وهذا هو الدور الوحيد والفريد لكل شيخ صادق، أن يدعو إلى الله من منطلق الضعف والحاجة لا من منطلق القوة والثقة في أنه من أصحاب اليمين هو وكل من أحبه وتمسح به، فالشيوخ بشر مثلنا لا يزيدون علينا إلا بإيمانهم وتقواهم إن زادوا (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون)، هذا هو تعريف الأولياء الأول المأخوذ من القرآن الكريم وكفى به دليلا، ويشترك في الولاية جميع المسلمين حتى المريدين كل بحسب درجته في هاتين المسألتين (الإيمان والتقوى)..

فكيف تفرض علينا الفلسفة شيوخا ضمنوا مقاعدهم في الجنة!! وأقطابا وأوتادا وديوانا لإدارة الكون؟ هل خول الله أولئك الأولياء (للشيطان) ذلك؟ أين الدليل من القرآن والسنة؟ نريد دليلا صريحا لا تأويلات سمجة مللناها، ولقاءات وأحلام مفزعة كفرنا بها.

وأين جنود الله الذين لا يعلم عددهم إلا هو حتى يوكل التحكم في الكون للأقطاب؟ ومن هم الأقطاب ألم يكونوا أطفالا في أحضان أمهاتهم يبكون ويضحكون ويتزوجون ويموتون؟

وعلى العكس تماما أدى ذلك الفكر الذي يرفع بعض الناس بحجة الصلاح والتقوى إلى مرتبة لم يبلغها عمر ولا أبو بكر ولا أفاضل الصحابة وهم أعظم أولياء الله بعد الأنبياء، أدى ذلك الفكر المشبوه إلى الفساد في الأرض، بدليل أن كل من هب ودب أصبح يدعي ما يشاء، وطبعا لن يخلو مدع دجال من تابعين ناعقين بحديثه فتلك سنة الحياة..

وإذا كان الحق واحدا فلماذا يختلف المسلمون إلى هذه الطرق والمسالك؟، ولماذا يتباغضون ويتحاسدون؟ وقصص الأحقاد المشتعلة بينهم تطغى على قصص التحاور والتناصح الواجب والضروري بينهم (لأن "الدين النصيحة" كما يعلم كل من عنده دين)..

لماذا أصبح من الممكن أن يخرج علينا احدهم في هذا العصر – على سنة من قبله - بعد خلوة ورياضة مع الشياطين ليضع لنا دينا ما أنزل الله به من سلطان، لم يثبت في القرآن ولا في السنة ولا قام به دليل معتبر، فيضل الغافلين العابدين للبشر عن سبيل الله مؤسسا طريقا معبدا بين طرق البدعة المظلمة الكثيرة..

ألم يكتمل الدين بموت النبي صلى الله عليه وسلم؟ أليس الدليل واضحا من القرآن الكريم لا يحتاج إلى تأويل؟ ألم يقل الله تعالى: "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"، لماذا إذن يخرج علينا البعض بأدعية لم يسمع بها مجتمع النبوة يزعم أنها أفضل من الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد يترك أتباعه المساكين الثابت النافع لهم في الدنيا والآخرة ليتعلقوا بالسراب. وقل مثل ذلك عن تحديد أوقات وطرق بعض العبادات (أدعية وغيرها) لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، يستحسنها أهل البدع ويتبعون الهوى وأقوال رجالهم في إثبات صحتها، ومن الذي نصدق؟ أنصدق من يقول" "لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الخضر عليه السلام في اليقظة والمنام وعلمني كيت وكيت، والدليل: حبكم لي وعلمكم بأني لا اكذب!!" - وقد يكون صادقا لكنه لقي شيطانا تصور له في صورة ذلك الشخص أو النبي الذي لا يعرف شكله، وعلمه ما يفسد به الدين على المسلمين -.

أو نصدق من ينظر في ذلك القول بمنظار الكتاب والسنة ويدحضه بالدليل والعقل؟

والأهم من ذلك ألم يترك لنا عليه الصلاة والسلام بدائل عن تلك المحدثات، فمثلا أليست الصلاة الإبراهيمية أصح وأفضل الصلوات على النبي صلى الله عليه وسلم؟ لماذا نميل عنها إلى صلوات لم تثبت عند جل علماء الدين، ويطلبون منا التمسك بها وتقديمها على الثابت الصحيح من العبادات؟!

ثم إن هذه التبعية العمياء للشيوخ والإيمان بقدراتهم وعجائبهم التي لا تعنيهم إلا وحدهم، يجعل البعض يعتقد أن الشيخ هو الذي سيدخله الجنة يوم القيامة، فيعمل ما شاء في الدنيا على أساس أن الشيخ المقتدر لن يخذله إن تمسك بنظرياته المزعومة وأحبه وأكرمه بما يملك وما لا يملك، فالشيخ الخارق سينقذه من العذاب يوم القيامة إن نجا..

ومعروف أن هذا لم يرد في القرآن ولا عن الرسول صلى الله عليه وسلم مهما أدعى البعض من دعاوى لأنه ببساطة يتناقض مع فكرة الإسلام الأساسية التي تقوم على أنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وأن من عمل صالحا فله أجره ومن عمل سيئا فعليه وزره، كل شيء محسوب بدقة وسيوزن يوم القيامة بميزان العدل الذي لا ينظر إلا إلى الأعمال الشخصية المجردة من روائح الآخرين..

كما أن العبادة أمر لا بد فيه من الدليل لأن الله تعالى لا يقبل منا إلا أن نعبده بما علمنا من خلال نبيه عليه الصلاة والسلام، فمثلا عندما أتواجد وأتمايل وأصاب بصعقة الحضرة وغشية الخضوع لن يمكنني مهما أحببت أن أصلي الظهر عشرا أو عشرين مع ما قد يلقي الشيطان في بالي من أفضلية لذلك على الأربع لأن الله تعالى يريدني أن أصليها أربعا وفقط، فلا نقاش ولا إتباع للهوى، علي طاعته والأخذ عن رسوله وحده، فلا يعقل أن يأتينا شيخ بعد عدة قرون من موت النبي صلى الله عليه وسلم ليقول لنا اعبدوا الله بهذه الطريقة التي أريكم، ويكون قوله هو أهم دليل على تلك المزاعم! طريقته التي لم يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم لأمته في حياته، ولا ذكرها القرآن ولا أحد الصحابة والتابعين لهم بإحسان..

ولاحظ يا أخي أن هذه العبادات المبتكرة لا تقوم على أساس قوي كما هو حال الأركان الخمسة مثلا، بل هي مبنية على الأذكار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والإستغفار، ومعروف أنها ليست أركان وإذا تركها المسلم وترك المعاصي وأقام الأركان فلا خوف عليه..

وأعجب كثيرا عندما أسمع أو أقرأ أن الطريقة كذا تتوعد تاركها بسوء الخاتمة، وأتساءل بتعجب واستنكار: على ماذا؟ هل ترك الأذكار والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يسبب سوء الخاتمة إن كان ما يزعمون حقا!؟

ثم إن الإسلام ممثلا بمذاهبه الأربعة (في الفقه الأصغر وهو فقه العبادات والمعاملات لا الفقه الأكبر وهو العقيدة، فالعقيدة واحدة وهي التي اختلف حولها أهل البدع، والزلل فيها خطير على الدين لأنه قد يخرج من الملة بعكس الخلاف المحمود في الفقه الأصغر) فالإسلام بمذاهبه الأربعة ترك حرية الاختيار لأتباعها، فلم يُحرّم ترك المسلم لمذهبه بل حرم التقليد على من يعلم لأن الحق واضح والمذاهب الأربعة تنبع منه وإن اختلفت في الوسائل فالغاية واحدة، والناس مدعوون إلى استخدام عقولهم والتدبر ومقارنة الأدلة بعضها ببعض لأن الإيمان يقوى بالقناعة وليس بالتقليد والإتباع كالإتباع الأعمى للشيوخ مثلا..

ونسأل أصحاب الطريقة: لماذا لا تسمحون لأتباعكم بإتباع غير طريقتكم، فإذا أجابوا بأن الطرق الأخرى باطلة، قلنا لهم: هم أيضا يرون أنكم على باطل فأين الحق؟ ألا يدعيه الجميع فكيف تكون الطرق كلها باطلة ما عدا واحدة وجميعها تشترك في نفس الأسس والسمات وتتشابه حتى يكاد المرء يجزم بأنها خارجة من مشكاة واحدة؟

أما إذا قالوا بأن الطرق الأخرى صحيحة، فنقول لهم: إذن لماذا تحرمون أتباعكم من بركتها؟ لماذا تحرمون عليهم الدخول فيها وتتوعدونهم بسوء الخاتمة إن تركوا طريقتكم الفريدة من نوعها؟ طريقتكم التي لم يعرفها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أحدا من صحابته رضوان الله عليهم..

إن مشكل المسلمين اليوم يكمن في انتشار البدع بينهم، فعليهم أولا أن يتوحدوا تحت راية الدين الواحد الصحيح الخالي من البدع، وليجعلوا من القرآن والسنة حكما بينهم يوصلهم إلى الحق، والأهم في رأيي معرفة أن الخلاف بين السلفي المعتدل والصوفي المعتدل ليس خلافا بين الأشخاص، فكل منهما يرى أن الآخر على شيء ويرجو له النجاة، فهم إخوة في الدين، لا يكره أحدهما صاحبه إن زل أو أخطأت بل يشفق عليه وينصح له، ويتمنى أن يفعل نفس الشيء معه، فلا هدف لهما إلا التوصل إلى الحق والدعوة إلى الله تعالى، تلك هي المهمة العظيمة التي أورثنا الأنبياء عليهم الصلوات والسلام، أما الأحقاد والبغضاء وصم الآذان عن الآخر فتلك وسائل الشيطان يركل بها المغفلين بعيدا عن الحق..

فالمشكل الموجود يوجد بين أفكارنا وتوجهاتنا لا بين أشخاصنا، والمفروض ألا تؤثر الأفكار الغير مرئية على ألسنتنا وتصرفاتنا بحيث تجعلها شيطانية بذيئة منفرة منا ومن معتقداتنا. فأمر الأفكار هين فهي إما أن تقنع وإما أن تنمحي ببساطة إن قبل الحق وعُدم الجهل والهوى وتسلط الشياطين وطاعة الآباء المخطئين..

فلا تعادي أخاك المسلم مهما فعل ومهما قال ومهما اعتقد فلست خازنا لجنته ولا ناره، ولا تسكت عن ضلاله – في نفس الوقت - لأن من حقه عليك أن تهديه كما أن من حقك عليه أن يهديك بالتي هي أحسن، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر فكيف بما هو دونهما.. لكل منا مطلق الحرية في اختيار وإتباع ما يشاء وذلك من ابتلاءات الحياة، لكننا نظلم أنفسنا كثيرا إن لم نتثبت ونعبد الله على بصيرة..

13. أكتوبر 2013 - 21:02

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا