جميل منصور فتى أضاعه الأتباع وفرط فيه الأعداء ! / المهدي ولد أحمد طالب

لئن لم تكن اللغة إلا لتنصف اللسان الناطق بها ، ولا القلب ليمدح إلا ما يخفق له ،لَكل ذلك كان له أن يعمل ويستعمل في مدح الأستاذ: جميل منصور وحنكته ورجاحة عقله ، وأنا أكتب هذه الأحرف والأسطر لا طمعا في عطية من أحد ولا خوفا من فأسه المشرعة ، فإني أقول صارخا أنّ أعشى قيس بكر بن وائل لو كان 

حيا لمدحه كما مدح غيره وهم كُثر وفي مطلع قصيدته المشهورة ما يُذكر بذلك:

 

أرقت وما هذا السهاد المؤرق *** وما بي من سقم وما بي من تعشق

ولو كان ابن عساكر موريتانيا ـــ المختار بن حامد ـــ حيا لبوب له في موسوعته وكذا السيوطي وابن حبان ، ولو عاش شمس الدين الذهبي في زماننا لفتح صفحة خاصة من سير أعلامه وكتبها فيها بأحرف تدور بين الحقيقة والمجاز، شهامة السيد جميل ولد منصور ومدى عمقه الفكري الدائر بين التمسك بالماضي وقراءة الواقع واستشراف المستقبل دون إجحاف ولا تفريط .

لست تواصليا بالمفهوم العامي العاطفي حتى أطلق على الأستاذ جميل كل آليات العصمة وآيات التبجيل ، لكني تواصلي بالمعنى النابع والقانع بأن الأستاذ جميل رجل سياسي مخضرم له صولات وجولات نجح في بعضها وأخفق في بعضها تصديقا للمقولة الشائعة " لكل جواد كبوة وهفوة "

تابعت بشغف حلقة النقاش التلفزيوني الشيق الذي لم يخيب ظني في الأستاذ جميل وحينها قلت لأحد الزملاء : جميل ولد منصور جُذيل فن السياسة والصحافة وسيلعب على عقول الجميع ويخرج بتصفيقة حارة من حلبة تقي الله الأدهم وجمهوره المتابع والمستمع . نعم تابعت النقاش كمتابع لقضايا السياسة في هذا البلد ، وكتلميذ في أحد المدرجات الأكاديمية حتى أستمع بعقلي قبل عاطفتي لرجل يستحق الإشادة والتقدير .

جميل ولد منصور ليس من طبقة سياسيينا ، بل من طبقة بن رشد ـــ الحفيد ـــ و الغزالي وبن خلدون ، لما حباه الله من القدرة على تشقيق الكلام وترسيله ، وقدرته على الإقناع بحجج عقلية ومنطقية يتقبلها السائل على الأقل ويفهمها المستمع ولو من مكان بعيد . كتبت ليلتها مقالا بعنوان " جميل ولد منصور رجل بروبوكاندي " كملاحظات عابرة وتعليقات بسيطة على تلك الندوة التي أظهرت الفروق بين الرجال وأشباه الذكور .

لكني حين كتبت المقال تفاجئت بسيل عارم من الهمز واللمز والغمز ممن يظهرون حين تختفي القناديل والشموع كالخفافيش سبا ووخزا .

بعضهم استعار أسماء وأوجه حتى يستطيع المواجهة بتلك الأقنعة ، وبعضهم وللأسف ممن كنت أعدهم أصدقاء للرخاء والشدة فإذا بهم أصدقاء المصالح ولأزمات .

نعم حين شن بعض شباب اليساريين هجوما لاذعا على الشيخ محمد الحسن ولد الددو ووصفوه بألقاب لا تليق ، دخل "المتمصلحون" في جحورهم ولم تُسمع لهم همسة ، فكتبت حينها مقالا بعنوان " الددو وألسنة اللامزين حدادا " لا لكوني تواصليا بالمفهوم العامي وإنما من زاوية أن الشيخ الددو يسعه كمجتهد ما لا يسع منتقديه ومنتقصيه .

جاءت التبريكات من كل حدب وصوب ، بل طلب مني غير واحد مواصلة الهجوم كترس ، لكني قلت لهم هؤلاء يفقهون من الإسلام وتعاليمه ما لا تفقهون ؟ ولن أواجه شخصا مهما كان لذاته وإنما لفكرته وحين تصحح الأخطاء سواء في تصوري أو تصور صاحبها فأنا له معين وزميل .

يشرفني الانتماء لحزب يتزعمه الشيخ محمد الحسن ولد الددو والأستاذ جميل منصور، وأتحسر حين أنتمي لحزب غالبية أتباعه ـــ عاطفيين ـــ يقدمون العاطفة على العقل وينظرون إلى كل من يخالفهم بأنه عميل وخائن وما إلى ذلك مما هو معلوم لدى الجميع وهنا أتساءل مع الأتباع المصفقين بأقدامهم قبل أيديهم أليس القائد والزعيم محط أنظار الجميع وهو من يتحمل تبعات ذلك ؟ثم أليس في شريعتنا قدوة لذالك؟

أما أمسك رجل بتلابيب المصطفي صلى الله عليه وسلم يريد قضاء دين وغلظ عليه عمر فانتهره الرسول آمرا إياه باللطف ؟ أما قال له آخر إعدل ؟ أما نهى عن شتم المعيبين له ؟ وحتى المتوعدين له بالطرد والقتل كابن أبي ؟ أم أن سياسيينا نحن لا يمسهم سوء ولا هم يحزنون ؟ أم نحن لا يتكشف لنا الولاء إلا بقدر بذاءتنا ؟ وما المسلم بالفاحش البذيء ولا اللعان .....

لا أحمل بطاقة أي حزب والحمد لله ، وإنما أحمل بطاقة شخصية في قلبي بها أحيا وأموت وأبعث ، وأخري بيدي تحمل شعار الجمهورية الإسلامية الموريتانية ، وأرى ببصري وبصيرتي أن لها حقوقا وواجبات تستدعي مني حماية شأنها والسهر على مصالحها الحسية والمعنوية ، الخاصة منها والعامة .

بيد أن غالبية المنتميين إلى الشأن السياسي ( الإسلامي ) ينظرون إلي بأني إيديولوجيا منضوٍ تحت راية لا تعرف إلا مصطلح " إمّا معنا وإمّا ضدنا " لكني أقول لهم ـــ رغم أني أجبتهم حينها ـــ بأن الإسلام لا يمكن أن يحصر في زاوية يعتريها المرض والخور ، وتعتريها العاطفة والفرح والسرور ، الإسلام كالشمس في النهار وكالبدر في الظلماء .

إن لغة السب والشتم وعدم الإنصاف من النفس والناس لا يمكن لأصحابها أن يملكوا جماعة فضلا عن دولة انصهرت فيها ثقافات وأعراق قبل قرون من الزمن .

ثم إن الرموز سواء كانت سياسية أو دينية ليست لها حصانة من النقد البناء ، أما النقد الشخصي فهو مرفوض ومحذوف من قاموس النبلاء .

لا أحب الاعتذار إلا للمنصفين والعقلاء ولا أهتم لكلام العامة والدهماء ، الأستاذ جميل منصور شامة في جبين أمتنا الإسلامية عامة والموريتانية خاصة ، ويحتاج إلى من يسمع كلامه بالعقل لا بالعاطفة ، فكلامه يشبه كلام الأصوليين منه [المجمل والعام والخاص والظاهر والمفسر والمؤول... ومنه مادون ذلك طرائق قددا ] ومن لم يتسلح بمنطق الأخضري وشيء من " الديمين " أو "استكو" قد يحمل دلالات ألفاظه على غير مراده منها ويقع في شيء من الهلوسة المنطقية والفكرية والصُّحفية على مخالفيه في الفهم على الأقل ، أما مُعارضيه سياسيا فبطاقات التخوين موزعة عليهم مُسبقا وما الموالين له عن ذلك ببعيد ،إنهم لم يعلنوا مدحه ـــ ومدح الذين يتقاضوا راتبا من الحزب معه ــ جهارا نهارا ظهارا في الفيس وفي المواقع التي يتداولها معصومي زماننا هذا ولله الأمر من قبل ومن بعدُ

2. أكتوبر 2012 - 0:00

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا