شركة اسنيم من الاستثمار الاقتصادي، إلى الاستثمار السياسي/ سعدبوه ولد الشيخ محمد

الشركة الوطنية للصناعة والمناجم (اسنيم) مفخرة الشعب الموريتاني، وشريانه الاقتصادي، وبقرته الحلوب، ورمز سيادته، ولدت هذه المؤسسة (اسنيم) مع الدولة الموريتانية، أو حتى قبلها، وعلى مدى عمر الدولة الموريتانية ظلت (اسنيم) شريانا يغذي جسم الدولة،

 ليس فقط عن طريق ما تحققه من عائدات للميزانية، بل كذلك عن طريق المشاريع الخيرية الكثيرة التي يستفيد منها الشعب الموريتاني، وخاصة سكان المدن الشمالية،(ازويرات، وانواذيبو) كما ظل قطار اسنيم على مدى عقود بمثابة البقرة الحلوب لسكان القرى الواقعة على طول السكة الحديدية، يزودهم بمياه الشرب، ويوفر لهم النقل.

فهذه الشركة "الرمز" تمتلك مجمعات سكنية، وتمول مستشفيات، وتوزع المواد الغذائية على المحتاجين، عبر "خيرية اسنيم" التي وزعت السنة قبل الماضية عديد أطنان القمح، والأعلاف على المنمين، ما ساعدهم على مواجهة آثار الجفاف، ونقص الأمطار، وساهمت بذلك (اسنيم) في خطة "أمل" التي أنقذت البلاد من جفاف محدق.

هذا فضلا عن كون (اسنيم) تؤمن آلاف فرص العمل للموريتانيين، وبرواتب محترمة، وإلى جانب كل هذه العوائد الاقتصادية شكلت (اسنيم) على مدى تاريخها مدرسة تكون في حضنها، وتخرج أبرز المهندسين، والخبراء في مجالات، التنقيب، والتجهيز، بل والتسيير عموما. هذا جزء يسير مما يمكن أن نقوله عن هذه المؤسسة المحترمة، التي ظلت تعمل بصمت، فرغم ضخامة إنجازاتها، لا تنظم المؤتمرات، أو المهرجانات للحديث عن هذه الإنجازات، أو الافتخار بها، وبذلك ظلت (اسنيم) بمنأى عن التجاذبات السياسية.

اليوم تلجأ منسقية المعارضة لتوظيف ورقة (اسنيم) كسلاح في حربها ضد النظام، لتكيل الاتهامات للنظام، ولشركة اسنيم في نفس الوقت، وتدعي المنسقية أن (اسنيم) انحرفت عن مجال تخصصها، وأصبحت تعمل في قطاعات أخرى، ونشاطات لا علاقة لها بالحديد، واستخراجه.

أنا لست خبيرا اقتصاديا، لكنني كنت حاضرا أثناء حديث زعيم المعارضة أحمد ولد داداه عن (اسنيم) وتداعت إلى ذهني أمثلة كثيرة تبين تناقض كلامه، وعدم وجاهته.

فالقول إن شركة اسنيم ينبغي أن تبقى محصورة في استخراج الحديد وتطويره، ولا تستثمر في مجالات أخرى، قول مردود عليه اقتصاديا، بدليل أننا نشاهد شركات عالمية متخصصة في مجال معين، ومع ذلك تستثمر في مجالات لا علاقة لها بمجال تخصصها الأصلي، والأمثلة كثيرة على ذلك، نذكر منها شركة "جوجل" فمجال تخصصها هو تكنولوجيا الاتصالات، وتطوير محركات البحث عبر الانترنت، ومع ذلك بدأت الشركة مؤخرا تستثمر في الصناعة، وغيرها.

وأكثر من ذلك فإن مؤسسات مثل الجيوش العسكرية، معروف أن مجال عملها هو الدفاع عن الأوطان، وتطوير الأسلحة، أصبحت بعض الجيوش تستثمر في قطاعات التجارة، والصناعة، والفندقة... ومثال ذلك الجيش المصري الذي يمتلك مؤسسات اقتصادية في هذه القطاعات تسيطر على نسبة كبيرة من الاقتصاد المصري.

فعندما تكون المؤسسة ضخمة، وحيوية للدولة، والشعب، وتكتسي طابعا وطنيا سياديا، مثل (اسنيم) فما الذي يمنعها من تنوع الاستثمار، وطرق مجالات أخرى، مثل قطاع التشييد، والفندقة ؟؟!!

تحدثت المنسقية عن أن شركة (اسنيم) دفعت 15 مليار دولار أوقية (50) مليون دولار للشركة التي تتولى بناء مطار انواكشوط الجديد، بعد عجز الأخيرة عن الوفاء بالتزاماتها، في الواقع هذه معلومات، وأرقام نفيها، أو تأكيدها يتطلب الاطلاع على تفاصيل لا أدعي معرفتها، ولكن بغض النظر عن صدق، أو كذب هذا الادعاء فإنه يحمل مؤشرا إيجابيا يرد على المنسقية من حيث لا تشعر، فأن تكون شركة اسنيم تمتلك من الموارد المالية، والرصيد ما يجعلها قادرة على دفع هذا المبلغ الضخم، لإنقاذ شركة أخرى، فهذا يعني أن (اسنيم) أبعد ما تكون عن الإفلاس، وأنها تسير بطريقة ممتازة – عكس ما تقول المنسقية- .

وعموما فلدي معلومات مؤكدة- وليست ادعاءات- أن مشروع مطار انواكشوط الجديد يسير وفق ما هو مخطط، ولا يواجه مشاكل كبيرة، وستنظم الجهات المعنية بإنجازه احتفالا خلال هذا الشهر لتوضيح المراحل التي وصل إليها، وما بقي منه، والآجال... إلى غير ذلك. وإذا عدنا إلى اتهام المنسقية للنظام باستغلال موارد اسنيم في مجالات أخرى خارج عن تخصصها، وسلمنا – جدلا- أن اسنيم لا يجوز استثمارها في قطاعات خارج عن الحديد، فهل يجوز استثمارها كورقة في المناكفات السياسية، والزج بها في سجال المنسقية، والنظام الذي لا ينتهي؟؟؟ أم أن المنسقية تمنع على النظام استثمار أموال اسنيم في قطاعات اقتصادية، وتجيز هي لنفسها استثمارها في السياسة؟؟

ينبغي للمنسقية، والأغلبية معا أن يدركا أن هناك رموزا أكبر من أن تكون وقودا للصراع السياسي، وأهم من أن تشغل باتهامات، وادعاءات ذات أبعاد سياسية.

ويحضرني سؤال في هذا المقام وهو: إذا كانت المنسقية بهذه الوطنية، وعلى هذا القدر من الحرص على مستقبل شركة اسنيم، أين كان زعماء المنسقية عندما كانت اسنيم على وشك أن تباع بثمن بخس دراهم معدودة، في صفقة كانت ستمس سيادة البلد، قبل أن تدمر اقتصاده؟؟ هل انتفض زعماء المنسقية، حينها ودعوا إلى مظاهرات عارمة لرفض بيع اسنيم؟؟ أم أنهم لم يكتشفوا أهميتها إلا اليوم؟؟

لقد نجت اسنيم من البيع، ونجت موريتانيا من نكسة تاريخية بفعل جهود، وإصرار كوادر اسنيم، وعلى رأسهم وزير التجهيز والنقل الحالي، الذي أمضى مشواره المهني في مؤسسات هذه الشركة، فناضل هو، وزملاءه ضد بيعها، ونقل عن الرئيس الموريتاني الحالي محمد ولد عبد العزيز حينها قوله: "إن اسنيم لن تباع إلا على جثثنا".

وأعتقد أنه لو لم يكن لرئيس الجمهورية، ووزيره للتجهيز والنقل من الإنجازات إلا هذا الموقف لكفاهما فخرا.  

5. نوفمبر 2013 - 15:27

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا