وقفة مع الشامي / الحاج ولد المصطفي

كثر الحديث حول المقاطعة المستحدثة (قريبا من منتصف الطريق) بين العاصمتين الإقتصادية والسياسية للدولة الموريتانية  وبالأمس قادتني الرحلة إلي انواذيبو - مع رؤساء أحزاب منسقية المعارضة الديمقراطية - للتوقف ب "مدينة" الشامي.

 واليوم صباحا مررت بها عائدا إلي انواكشوط ، وخرجت من الزيارتبن الخاطفتين بجملة من المعطيات والملاحظات: أردت أن أحيط علما بها كل المهتمين بالشأن الوطني ، والغيورين علي مصلحة البلاد ، والباحثين عن الحقيقة وراء الجدل الدائر حول هذه المقاطعة المشاركة في انتخابات 23 نوفمبر والتي لم ينجل الغبار عنها بعد ولم تتضح أهداف إنشائها للخاصة قبل العامة؟

أطلقت لفظة الشامي علي حيز من الأرض يقع ضمن المجال الجغرافي الممتد من إنشيري إلي تيرس والمحاذي للمحيط الأطلسي والذي يتسم بأرض منبسطة ،قاحلة ومستوية وقد أعلن عنها ضمن سياسة قال نظام محمد ولد عبد العزيز إنها من أجل محاربة التقري العشوائي وتنمية مدن الداخل والرفع من مستوي معيشة السكان وقال معارضوه إنها إهدار للثرة وتبذير للمال العام وجريمة اقتصادية .

أردت أن أقف علي حقيقة مايشاع حول هذه المقاطعة وأثير جملة من الملاحظات والمعطيات حول هذا "الإنجاز" أو هذه  "الجريمة"؟

بالأمس القريب 19/11/2013م وعلي تمام الساعة الحادية عشرة إلا قليلا وصل موكب رؤساء أحزاب منسقية المعارضة الديمقراطية إلي الشامي وترجل الجميع من السيارات ودخلنا المدينة (المثيرة للجدل). قابلتنا أرض واسعة شقت لها طريق محكمة التعبيد ونصبت علي جنبات طريقها أعمدة للطاقة الشمسية.

يجري العمل بها علي قدم ساق لبناء أرصفة عريضة وشاهقة مبنية بناء حديثا يراعي الصرف الصحي وإمدادات المياه ويؤمن مرور الناس بين الشوارع .

رأينا أيضا حيا سكنيا مكتملا ومشيدا بعناية كبيرة وإمكانيات معتبرة - تشبه إلي حد كبير- مساكن الأغنياء في انواكشوط ، منازل هذا الحي الوحيد مرتبة ترتيبا دقيقا ووفق خطة معمارية متقنة ، اللافت فيها جدتها وتناسقها وتنظيمها ونوعية أبنيتها . بعد أن تحصنا فيها بذكر الله والصلاة علي النبي المصطفي ، حمدناه الله  كثيرا علي هذه النعمة الوافرة التي حظي بها المواطن الموريتاني في إحدي مقاطعاته الحديثة و دخلنا المدينة مسالمين نحمل لأهلها السلام ونؤدي حق زيارتهم. فمالذي حدث ؟

لاشك أنكم سمعتم عن الشامي وعن الإجراءات والقرارات التي أتخذها "فخامة رئيس الجمهورية" وأقرتها تباعا حكومة "معالي الوزير الأول" وصادق عليها "برلمان الجمهورية الإسلامية الموريتانية" وبموجبها أنشئت مقاطعة جديدة علي طريق انواذيبو ورصدت لها ميزانيات ضخمة لبنائها وعين لتسيرها: ( مسؤولون وموظفون وعساكر وشرطة وعناصر من كتيبة مسقارو ومعلمون وأساتذة ومهندسون وأطباء وعمال) وتم التعاقد مع شركات ومؤسسات إعمار.

ثم تبع ذلك تقسيم الأراضي علي السكان المندمجين والذين ستقضي المقاطعة علي فوضوية تقريهم وتوفر لهم مجتمعين شتي الخدمات والوسائل الضرورية للعيش الكريم.

سمعتم كذلك أن كل ذلك قد تحقق بالفعل وتباري أركان الدعاية في النظام (التلفزة والإذاعة والقنوات المساعدة ورموز المتحدثين الرسميين وغير الرسمين ) يباهون ويضاهون ويتفاخرون بأن حدثا كبيرا قد حصل وأن برنامج رئيس موريتانيا الجديدة قد تحقق بنسبة نجاح كبيرة في مجال حيوي وهام .

ولكي يكتمل المشهد في "مسرحية الشامي " استدعي البرلمان علي عجل واجتمع الوزراء في غير موعدهم فقط من أجل سن القوانين واتخاذ الإجراءات لتمكين الشامي من المشاركة في انتخابات 23 نوفمبر وحصولها علي عمدة منتخب ونائب في البرلمان . تتذكرون ذلك ؟

  هل كان ذلك عملا جبارا يستحق الإشادة؟

وهل فعلا تجمع أهل القري وتوفرت احتياجاتهم وبدؤوا مسيرة حياتهم الجديدة؟

للإجابة علي هذه التساؤلات أعود بكم إلي شهادة حية من الشامي نفسها  لما رأيناه بأعيننا وسمعناه بآذاننا . تقدمنا إلي المنزل الأول في الحي السكني الوحيد فإذا به مغلق بأقفال صدئة ..

إذا لا أحد يسكنه ..! لا بأس يحدث ذلك ربما سافر أهله لقضاء بعض أمورهم ..! تقدمنا إلي المنزل الثاني في ذات الحي ..السلام عليكم: أجابت الأقفال : لا أحد هنا أيضا ..! لا حول ولا قوة إلا بالله :هل سافر جميع أهل الشامي؟ سأل أحدهم ؟ ...لا ندري رد عليه  آخر ... إلي المنزل الثالث ثم الرابع ...حتي أكملنا المسير إلي آخر المنازل في هذا الحي الجميل ... المشهد يتكرر ..والعيون أصبحت شاخصة باستمرار إلي الأبواب المغلقة جميعها ..! مالذي حصل ..!

هل هذه الشامي ؟ نعم ...نعم  .كل شيء يدل علي ذلك ..لكن لا بشر سيجب ..!

ربما أصوات قليلة لخرخشات وطقطقات لحيوانات سائبة ونادرة وحدها هي ما يسمع هنا .

بدأ رؤساء المنسقية في الحديث وقد استشاطوا غضبا من هول ما رأوه : الرئيس صالح ولد حننا:

هذه هي الشامي التي ستجري فيها إنتخابات 23 نوفمبر. انظروا إلي المنازل المهجورة ..؟والأموال المهدورة ..؟      أين السكان....؟  فعلا لقد وقفنا علي الحقيقة . هذه المدينة لن يصوت فيها إلا ما قيل إنهم "العفاريت"... ! الأمين الدائم للمنسقية محمد ولد أخليل:

لقد جئنا إلي هنا لنطلع الرأي العام علي حقيقة ما يدعيه النظام وما يرتكبه في حق هذا الشعب .

هاهي الشامي خاوية علي عروشها وهاهي أموال الشعب المهدورة وتلك معاناة سكان انواكشوط في السبخة والميناء وممتلكات الشعب الموريتاني يعبث بها النظام في الشامي لمجرد إشباع نزوة عند الحاكم ..! قبيل خروجنا من المدينة جاءت سيارة مسرعة .. صاحبها كان وحيدا يرفع صورته مكبرة وشعارات تدعو للتصويت له في انتخابات 23 نوفمبر ..

لقد أعتقد المسكين أنه ظفر بناخبة من الإنس سينفرد بها ويوزع عليها صوره ..

لكن هيهات فمن يتقدم النفر من قادة المنسقية هو زعيم المعارضة السيد أحمد ولد داداه .... فهل تراه مكسبا ؟

اندهش الرجل  لرؤيتنا وأشاح بوجهه وطلب إفساح الطريق لكي يعود من حيث أتي.....!

ولسان حاله يقول:  ضاع مني الأمل ...    لم يبق لي سوي مطاردة العفاريت.!

[email protected]

20. نوفمبر 2013 - 20:15

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا