هذا الحرطاني مناضل جيد / الربيع ولد ادوم

altأسجل احترامي مجددا لرئيس منظمة “إيرا” بيرام ولد اعبيدي، انه صديق جيد ومناضل اثبت جدارته، إنني أشعر في الوقت ذاته بحقد المجتمع التقليدي عليه، وعجز الدولة عن ترويضه.. وأنه مصر أن يرفع قيمة النضال في بلاد مات فيها النضال ونضالهبات مفروضا على مجتمعه برغم التخلف الكبير الذي تعيشه بلاده.

 ان تمكن هذا المناضل -القادم من أدغال الاقصاء وجبروت العنصرية- لأن يكون من بين الخمس شخصيات الفائزة هذه السنة بجائزة حقوق الإنسان التي تمنحها الأمم المتحدة لمكافأة الشخصيات التي قامت بعمل جبار لحماية وتعزيز حقوق الإنسان هو أمر عظيم يدخل الفرحة الى قلوب الحقوقيين والتقدميين الموريتانيين ويعطيهم أملا بالخير والسلام ويدفعهم أكثر للتمسك بخط النضال الذي يخوضونه ضد الراديكالية الدينية وسيطرة العمائم وثقافة الإستعباد.

اليوم لا يوجد في موريتانيا من هو أكبر عائلة من بيرام.. لأن هذا الحرطاني الذي ينتظر منه المجتمع التقليدي ان يشعر بالدونية لأنهم استعبدوه واستعبدوا أجداده وشريحته وسخروهم لخدمتهم وحملوا أطفالهم الأعمال الشاقة واغتصبوا نساءهم باسم الدين وجهلوا رجالهم وأذلوهم، رفض ان يكون الضحية التي تشعر بالخجل.. وألزم صناع الكبت والاستعباد ان يشعروا بالخجل من ماضيهم الغارق في الكراهية والتخلف وان يتخلوا عنه بقوة القانون والاعتصامات والمظاهرات والتحدي.

لقد أسس هذا المناضل عائلة كبيرة من المؤمنين بضرورة وضع حد لمعاناة العبيد في موريتانيا بدون تأجيل، فقد وصل الرجل بنضاله للعالم وكشف المآسي التي يعانيها العبيد والعبيد السابقين،وواجه أكثر قوة تمسكا بالاستعباد في العالم اليوم حيث ينفرد مرضى بثقافة الاستعباد ببعض البشر المكبلين في صحراء بعيدة عن الضوء في حماية من دولة يبني نظامها السياسي قوته ومجده من خلال تحالفه مع النظام الاجتماعي القمعي، ويبني رجال دينها اوهاما للسيطرة على العقول والقلوب في أسوإ استعمال للقانون والدين ضد الحرية والسلام والتعايش.

تأتي هذه الجائزة بعد نضال خاضه هذا المناضل في وضع صعب حيث فصل من وظيفته وسجن اكثر من مرة في معتقلات سيئة السمعة بدون محاكمة مع أعضاء من حركته، ووجهت له حملات التشويه والعنصرية والكراهية اللعينة،وعذب زملاؤه في النضال، ودعمت الدولة المظاهرات ضده، وخرج آلاف الأغبياء يطالبون بإعدامه، ولاتزال الدولة تمنع مبادرته "إيرا" من الترخيص، وتمنع الحزب التابع لنفس المجموعة النضالية "الرك" من الترخيص..!!

لقد تم حصاره بقوة وعنف لم يسبق لهما مثيل، وتمت محاولة خنقه وتغييب رأيه،وتمت محاصرته إعلاميا في موريتانيا حيث حاولت مؤسسات اعلامية عريقة وذات خط يميني متطرف ان تمنع ظهوره نهائيا ومصادرة أي مقال او خبر يتحدث عنه، لكنه ظل يسير رغما عن أنوف الجميع وواصل رحلته الى الإنتصار.. يحق له اليوم ان يقول كلمته للعالم.. ويحق للحقوقيين الموريتانيين والافارقة ان يفخروا بنضاله.

نتذكر معه جائزة فيمار 2011 وجائزةالخط الأمامي للمدافعين (2012) والتأهل لجائزة ساخاروف 2013 ونتذكر اعتصاماته ونتذكر التنكيل به.

بيرام هو حرطاني متمرد على ثقافة البيظان التي خلقت مفاهيم "العائلة الكبيرة" وثقافة "العبيد" والميز العنصري الشنيع ضد الانسان الأسود وبناء مجتمعات صغيرة لخدمة الاثرياء المتغلبين بقوة السلاح، وتهميش الأفارقة الموريتانيين واستغلال الدين للسيطرة على البشر ولاحقا استعمال الدولة القمعية لطحن الشركاء الاجتماعيين المسالمين.

انه يخوض حربه مسلحا بمفاهيم جديدة، لذلك تعزز تقليد ابناء جلدته لمناصب سامية في الدولة ويسرت لهم المصالح والأموال كنوع من قمع نضاله حيث يصرخون مرارا ضد خطابه، فسماهم "خدام القصر" في اشارة الى انهم يبيعون حقيقة شريحتهم مقابل منصب.

سيطرة ابناء ملاك العبيد والأمراء الاستعباديين على الدولة لم يمنعه يوما من النجاح، وهنا يمكننا التساؤل: لماذا يحصد ولد اعبيدي هذا التكريم الدولي الذي لم يحصده مدافعون عن حقوق الانسان أقدم منه في الساحة واكبر منه امكانيات؟

ان قوته الحقيقية هي انه يمتلك أكبر رصيد من الكراهية في صفوف المجتمع التقليدي والعنصريين الخائفين من هذا الصعود العنيف ضد ارادتهم وهذه القدرة على تحطيم التابوهات..وهذا شرف في مسيرته.

انه ناشط مبدع.. لقد ناضل وأبدع وقاوم.. وهذه صفات نادرة جدا حيث يكتفي غالبية المناضلين في حالات كثيرة بالنضال دون إبداع.. اوالنضال والإبداع دون مقاومة.. انه من الصعب جمع مثلث النضال هذا.

انه ايضا معزز بمجموعة من الرجال والنساء والشباب الجيدين الطامحين الى غد افضل لموريتانيا تسود فيه قيم الانسان والتعايش والسلام لا قيم الغابة حيث يعيش المتغلب سليل "الأسرة المعلومة" على حساب الأقلية الإفريقية وابناء العبيد السابقين والحاليين الذين يحملون الدولة على اكتافهم كما يحمل حمالوا ميناء نواكشوط أثقال الغذاء ليشحنوها في محلات الأثرياء من ابناء الامراء والاثرياء السابقين.

انه ايضا محاط بزوجة واصلت نضالها من اجل القضية حتى عندما كان في السجن وسحلتها الشرطة وظلت صامدة تتقدم كلمسيرة وتحضر كل اعتصام وترفع صوتها ضد الظلم الموجه لشريحتها دون خوف..

ان إيرا عائلة تتوسع،وليست مجرد حركة عادية، حيث يتحول بيت رئيسها الى مكتب لمقابلة الضحايا، وتتحول اسفار رئيسها الى مؤتمرات للحرية، ويتحول خطابها في كل شيئ الى نقاش لوضع العبيد السيئ وسبل التخلص منه.

ان بيرام يتحدث كل يومه عن العبيد والمأساة التي يتعرضون لها.. وعن الموعد القادم لاعتصام او مناصرة ضحية قادمة من دهاليز تقييد الحرية.

لقد راقبت دائما هذا الرجل بكثير من الاهتمام، قبل وبعد تأسيس حركته وكل النضالات التي خاضها ضد "الاقطاعيين" كما يحلوا له ان يصفهم، يتابع محاولة الدولة حماية مالك عبيد هنا.. او تهريب متهم بالاستعباد هناك، او الالتفاف على حق ضحية استرقاق هنا.. إنه رجل جيد يقوم بمجهود طيب.

لقد نصح الكثيرون بيرام بأن يكون اكثر لياقة في كلامه وخطابه الراديكالي العنيف جدا وانتقاده لمجتمع البيظان، ولعله حاول هو نفسه مرارا ان يمتلك دبلوماسية السياسيين وحنكة المدافعين عن حقوق الانسان، لكنهلم يستطيع.. ولا اظنه يستطيع، انه أمام فاجعة حقيقية اسمها "الرق"خلفت واقعا مرا وقاسيا جدا، حيث يعيش مئات الآلاف من المواطنين الموريتانيين الأكثر طيبة ووطنية تحت نير الإستعباد والإقصاء والحرمان والتهميش وسط حقد اجتماعي ارتشفوا منه ما يكفي.. هل عليه رغم كل هذا ان يتكلم بهدوء وسكينة..؟!.

تحية لبيرام.. على نضاله ضد العبودية..

لا زلنا نحلم بيوم يستوي فيه الجميع.. وتنجح فيه جهود مكافحة الاستعباد، حينها سيتذكر الجميع ان بيرام كان أحد الذين أسسوا لحياة كريمة في هذا البلد.. احد الذين يستحقون التقديرعلى نضالهم وصمودهم من اجل المساواة بين أبناء البلد الواحد.

2. ديسمبر 2013 - 1:49

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا