الهروب من الفشل يحتاج إلى تخطيط / سيد محمد ولد أحمد

 سيد محمد ولد احمديستخلص هذا المقال بعض الملاحظات من فيلم سلفستر ستالون وأرنولد شوارزنيجر Escape plan 2013 (خطة الهرب).. قصة الفيلم تدور حول متخصص في كشف ثغرات السجون والهرب منها، يقع في سجن محكم البناء، فيحاول النجاة منه معتمدا في ذلك على ذكائه وتجربته وإرادته..

1- "إنه أمر مثير للأنتباه".. قال الممثل أرنولد لرفيقه ستالون وهما يتفرجان على صلاة بعض المساجين المسلمين.. والأمر المثير للإنتباه في رأي أرنولد هو "صلاة المسلمين قبل شروق الشمس وبعد غروبها من كل يوم".. ذلك الإرتباط اليومي بالله عز وجل، المتمثل في خمس صلوات متفاوتات، ندخل فيهن نحن المسلمون في اتصال مباشر بخالقنا يلهينا عن نكد الدنيا، ويذكرنا بالمآل الجميل الذي ينتظرنا بعد رحلة العمر القصيرة..

إنها المرة الأولى التي ألاحظ فيها عدل السينما الأمريكية مع المسلمين، فبدل الصورة القبيحة المكررة عن الإسلام التي تعودت إظهارها لنا، والتي هي من صناعة الحاقدين، وهي صورة الإرهابي القاسي الذي لا يعقل ولا يرحم، نرى اليوم على مستوى البوكس أوفيس إقرارا بحسن أخلاق الإسلام، وإدخالا للمسلمين في زمرة الأبطال لا الأشرار..

ولعل السبب كما قال أحدهم هو أن أمريكا اليوم يحكمها أوباما المتسامح المقرب للمسلمين الوسطيين بدلا من بوش المتعصب الحاقد على الجميع..

إن المتأمل لهذا الفيلم الجديد يلاحظ أن الإسلام يفرض نفسه على الآخرين بقوة منطقه وسلامة مبادئه، وطيبة معتنقيه، وإبهار معانيه.. لا يكفي للإيمان به سوى التجرد من الخلفيات المضللة المتوارثة من شياطين الإنس والجن والأنفس..

وأستطيع الجزم بأن كاتب الفيلم أو مخرجه أو أرنولد – أو غيرهما من فريق الفيلم - على صلة وثيقة بالإسلام إما اعتناقا أو بحثا، وهذا يجعلنا نحن المسلمين نفخر بما لديننا من قوة، وما للغتنا من تواجد في المحافل الدولية..

2- "الدراسة، التخطيط، التنفيذ".. هذه هي مقومات النجاح.. وهي أيضا النقطة الثانية المستخلصة من هذا الفيلم الرائع.. لابد من دراسة بيئة التنفيذ، والشخصيات المتواجدة فيها، والإمكانيات المتوفرة، والأمور المساعدة والمثبطة..

لابد من دراسة عقلانية لكل ما ننوي القيام به، دراسة متأنية متجردة من العاطفة المضعفة، وكما يقال "التشخيص قبل العلاج".. وهنا تتفاوت الدراسات فبعضها أقوى من بعض.. ثم بعد دراسة الوضع ننتقل إلى المرحلة الثانية وهي "التخطيط"، وذلك وفق الدراسة السابقة، ويتطلب الآمران ذكاء وتجربة، ويمكن اكتسابهما بالتمرن..

ثم بعد التخطيط نأتي إلى "التنفيذ"، وبدونه لا يمكن النجاح في أي شيء، والناس متفاوتون فيه كما هم متفاوتون في الخطوتين السابقتين، وإذا كان الغباء وقلة الخبرة يعيقان الدراسة والتخطيط، فإن التردد والتواني، والعجز والخجل، وعدم أخذ الأمور بجدية، وعدم إرغام النفس على الإستمرار فيما بدأنا فيه، كلها أمور تعيق التنفيذ..

وأفضل الناجحين من اقترب من الكمال في هذه الأمور الثلاثة، وأشدهم فشلا أفشلهم فيها، وبين هذا وهذا يتأرجح الناس.. وفي رأيي أن الطموح هو قوة دافعة تحث على التنفيذ.. وقد يوجد من الناس من لا يدرس ولا يخطط لكنه ينفذ، وقد يوجد منهم من يدرس ويخطط لكنه يعجز عن التنفيذ، وهكذا.. فإذا رأيت ناجحا عاد إلى الفشل بعد النجاح فاعلم انه لا يخطط، أو لا يدرس، فبعض الناس يسير مع التيار – تيار الحياة-، فالحياة هي التي تخطط له، فمرة تعطيه ومرة تسلبه، وهو يتفرج بحيرة أو لهو أو عجز..

وأفضل الناس من توكل على ربه وعلم انه لن يحصل على أكثر من رزقه، وأن خير طريقة للحصول على ما يريد هي العمل من أجله بجدية وتفاني، فيدرس ويخطط وينفذ (أي يأخذ بالأسباب ويتحرى الصواب والحلال)..

3- "تدقيق النظر" أو "لخزير" إن جاز التعبير.. تلك هي النقطة المستخلصة الثالثة من هذا الفيلم.. تلك النظرات المحملقة التي كنت لا أحتملها ولا أرسلها في نفس الوقت، حتى أنني قلت يوما لشخص تجمد من النظر إلي في أحد المطاعم المغربية: "حول أضواء عينيك بعيدا عني!"، وكدنا نتشاجر رغم أنني في بلاد الغربة.. فكنت لا احتمل النظرات الفضولية المركزة التي يخيل إليك أن صاحبها سمكة ميتة تنظر إليك! لكن مع الوقت تعلمت ان الإنسان إن لم ينظر أضاع نعمة عظيمة، لكن من الناس من يسيء استخدام تلك النعمة بسبب أمراضه النفسية للأسف..

والنظر على درجات، فمثلا كنت وأخ لي عائدين في إحدى الليالي إلى المنزل، فإذا بسيارة مشبوهة تقف غير بعيد منه، لاحظت أن الأخ التفت عندما حاذاها لينظر بإمعان إلى من بداخلها، فقلت له مفسدا عليه تلك النظرة المتفحصة: احذر من التدقيق فيما لا يعنيك خصوصا إذا كانت تسوق، فقال لي: إنها في مجال المنزل، الأمر يعنينا، وعلينا التحقق من أن من فيها ليس عدوا.. وبالفعل تبين بعد قليل أنها سيارة أحد الأصدقاء العائدين من الغربة كان ينتظر عودتنا، فقال لي الأخ: لو نظرت إلى داخل السيارة من الأول لعرفت ذلك مبكرا..

إذن لابد من النظر، ولابد من التدقيق أحيانا، فإذا كانت النية سليمة والهدف صحيح فكل شيء مباح.. والحياة صراع تستخدم من أجل إحقاق فيه معظم الوسائل..

المهم أن بطل الفيلم ستالون وجد نفسه في سجن يستحيل الهرب منه، فكان "لخزير" أحد أهم وسائله من اجل الدراسة والتخطيط والتنفيذ.. فكان يحملق بإمعان في كل شيء، من تصرفات الحراس إلى مسامير الأرضيات.. والمضحك أن زميله أرنولد سخر منه قائلا: "ما أطول نظراتك وأكثرها"..

فلابد من التدقيق في الأشياء بدأ من الوجوه وحتى الكائنات الزاحفة على الأرض، فالنظر بتأمل يكسبنا معارف وأفكار جديدة، أما الفضول البغيض وإزعاج الآخرين بعينين كأضواء الشاحنات فلا يفيد في شيء..

ولولا نظرات البطل المتفحصة الطويلة، ووضعه الخطط على أساسها، والحزم في التنفيذ، لما قدر هو وصاحبه على الهرب من ذلك السجن الزجاجي الرهيب..

4- "هسفوختن كض.. هسفوختن كض".. هكذا ردد الممثل أرنولد، والمعني: "أبحث عن الرب.. أبحث عن الرب".. واعتقد أنها اللغة الألمانية.. تلك هي النقطة الرابعة المستخلصة من هذا الفيلم، وهي ضرورة تقوية الجانب الإيماني بمعرفة الخالق حق معرفته، فالخالق يحب محاسن الآخلاق وأصحابها، فلا يمكن لمن يريد لربه أن يحبه أن يكون لصا آكلا للمال الحرام أو غشاشا أو كذابا أو خوانا، ولا يمكنه أن يعبده بما لم يأمره به من بدع مكذوبة على الدين، ولا يحبه أن يعصيه بمواقعة المحرمات..

وأصحاب العقول يبحثون عن خالقهم ويفعلون كل ما في وسعهم من اجل الفوز بجنته.. وللأسف توجد أخوات على الفيس بوك تبحثن عن الشيطان (هسفوختن ساتان) من خلال إلحادهن المريع، إحداهن ذات خلق وأدب، تهتم بمشاعر الآخرين (الفيسبوكيين والمغردين)، وتتأرجح بين الحنق عليهم وعلى دينهم، وبين مجاملتهم، حتى أنها غيرت اسمها من أجلهم – إن لم أكن مخطئا-، فأقول لها إن أولى أحد بتلك المجاملة هو خالقها، والأدلة قائمة وصريحة على وجوده، وعدم توصلها إليها لا يعني أنها محقة.. فلتبحث عنه – ذلك حقها - فهو أقرب إليها من حبل الوريد.. ولا يكف عن البحث عن الخالق إلا غير المحظوظين..

ولا داعي لولادة هذه المنظمات العياطة التي قد يكون دورها سلبيا لا إيجابيا، وذلك بالإشهار للمبيقات بدل ردمها بالتغاضي، وآخرها منظمة "إلا عقيدتي"، فإذا كانت عندهم الشجاعة حقا لمواجهة الخلل العقدي فليبدؤوا بأهل البدع المنتشرين بينهم والموجودين حتى في منازلهم، أما الإلحاد فقليل إلى درجة الإهمال، ولا يهتم به ويترك غيره – الأهم والأكثر تأثيرا - إلا من يريد الحصول على طرنيشة مشبوهة (والله أعلم بنواياهم)..

وهذه الفكرة غير قابلة للإستمرار فالإلحاد قليل وهو إلى إندثار، أما الفواحش فكثيرة لذا يمكن لمنظمة "لا للإباحية" أن تعمر مدة أطول.. لكن كل منظمة او جماعة لا تدعو إلى إصلاح جذري يبدأ بمحاربة البدع التي تفتك يوميا بالموريتانيين لن يقدر لها النجاح.. والمفارقة المضحكة أن القائمين على مثل هذه المنظمات قد يكونون هم أنفسهم من أهل البدع المحتاجين إلى من يتصدى لهم.. فمن يؤمن بخرافات المشايخ، وحكايات ألف نهار ونهار عليه أن يصحح دينه أولا..

4. ديسمبر 2013 - 22:19

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا