التغيير بين طريقين / الحاج ولد المصطفي

الرحيل طريق وشعار رفعته بعض الشعوب في وجه أنظمتها ومعناه في الديمقراطية التناوب السلمي علي السلطة  لكن أنظمة الحكم في العالم الثالث أغلقت الأبواب أمام إمكانية حصوله سلميا ، مما دفع القوي السياسية في البلدان العربية إلي إنتاج مفهوم جديد يستخدم طريق

العنق والقوة الشعبية وفي أحيان أخري العسكرية  ويحقق بواسطتها التغيير في نظام الحكم ، لكن الرحيل في موريتانيا استخدم بالمعنيين (الثوري ) و(الديمقراطي) ولم ينجح لحد الآن أي منهما في تغيير طبيعة النظام. فهل أجهض الرحيل الديمقراطي المفهوم الثوري ولم يحقق الأهداف؟ أم أن فشل الرحيل الثوري هو الذي أجهز علي إمكانية إحداث التغيير الديمقراطي؟

سلكت منسقية المعارضة الديمقراطية ومعها حزب تواصل الطريق الأول إبان اندلاع ثورات الربيع العربي وألهبت المشاعر وأطلقت الحناجر وملأت الشوارع وحاكت أساليب الشعوب المنتفضة علي حكام الفساد والإستبداد في تونس ومصر وليبيا والمغرب واليمن وسوريا وغيرها ,,,

واتجه الزعيم مسعود ولد بولخير - ومن سار علي نهجه-  في اتجاه مغاير معلنا تمسكه بأسلوب الديمقراطية في التغيير والبحث في الحوار مع النظام عن كلما من شأنه أن يحقق التناوب السلمي علي السلطة .

الطرفان ينتميان للمعارضة الديمقراطية والطريقان يؤديان إلي نفس النتائج وإن اختلفا في الأسلوب .

وانطلقت دعاية رهيبة تؤيد التغيير وتمجد وسيلته الثورية وتقدم البراهين الحية والنتائج العظيمة في تونس (إبن أعلي أهرب..) في مصر (مبارك تنحي.. ) في ليبيا (القذافي قتل...) وفي اليمن (صالح رحل.. ) وفي المغرب (الملك تنازل..) وفي سوريا (الأسد محاصر...) .

وفي مقابل ذلك صدحت أبواق النظام معانقة طريقة الحل الثاني ومهللة للحوار  والديمقراطية  والتناوب السلمي وبرز قادة التناوب  يلوحون بالإنجازات التي بدأت تتحقق في قصر المؤتمرات فأعلن عن مشاريع القوانين والمراسيم والإجراءات التي ستكفل للمعارضة المشاركة في السلطة من خلال برلمان تسند إليه لأول مرة مهمة اعتماد برامج الحكومات وانتخابات تشرف عليها لجنة مستقلة، يختار أعضاءها المشاركون في الحوار وفق معايير النزاهة والمسؤولية .

في كلتا الحالتين وفي الإتجاهين كانت إمكانية الوصول إلي الأهداف وتغيير طبيعة النظام ممكنة ومتاحة في أقرب الأوقات .. فمالذي أوقف مسيرة التغيير الثوري و الديمقراطي ؟

الرحيل الثوري ما لبث أن تكالبت عليه قوي الشر من الداخل والخارج وأحالته إلي حرب لاهواة فيها أتت علي الأخضر واليابس وحولت جهود الثوريين في مصر وليبيا واليمن وسوريا إلي نزاعات مستشرية وفتن طاحنة وتصفيات حساب وانتقام واستبداد عنيف وأنظمة مشوهة ومتخلفة (السيسي ، بشار )  . لم يعد أمر تلك الدول يسعد أحدا وتناثرت الأوراق من جديد واستفاق النظام الموريتاني علي أخبار الدمار تأتي بها الثورات فراح ينسج علي منوالها دعايته ضد من ركبوا الموجة في بلاده (الثوار العجائز) ونفس الشيء فعله المعارضون المحاورن الذين بشروا الشعب الموريتاني بنجاحهم في تجنيب البلاد ويلات الثورات وأنهم سوف ينتزعون لها ما عجز ثوار (المنسقية) عن تحقيقه !

دب الإحباط في صوف المطالبين بالرحيل ولاحت في الأفق انتخابات الخيار الثاني الذي كان قادته قد اجتازوا مراحل كبيرة في اتجاه تجسيده علي أرض الواقع ليقطعوا به الطريق علي حلول المنسقية المفزعة والخطيرة علي أمن البلاد ومستقبلها .

كنت علي ثقة وقتها بأنه لافرق بين الطريقين فإذا كنا قد تعثرنا في الطريق الثوري بمبررات خارجة عن إرادتنا وسعينا فإن بإمكاننا تغيير وسيلتنا دون أن نغير في أهدافنا ، فالرحيل بالأسلوب الديمقراطي طريق مشروع ويدعي رفقاؤنا أنه أصبح سالكا فلماذا لا نجربه؟ استجاب حزب تواصل لقواعده الشعبية وانضم إلي الركب مؤكدا أن لآ تغير في أهدافه وأنه سوف يسلك الطريق الآخر في نفس الإتجاه .

أجبرت يقية أحزاب المنسقية علي التخندق خلف الوسيلة التي اختارتها الشعوب العربية ذات يوم من ربيع سنة 2010م وحكمت علي نفسها بالجلوس علي مقاعد الإنتظار.

أجريت الإنتخابات في شوطها الأول في 23نوفمبر 2013م ثم في شوطها الثاني 21 دوجمبر 2013م  وفي ظروف شهد المشاركون فيها بأنها غير عادية وغير منطقية واستثنائية من حيث مستوي التنظيم والوعي والخروقات  والتعقيدات والمصداقية ، وجاءت النتائج علي مستوي الأحزاب المعارضة التي اختارت نهج التغيير السلمي الديمقرطي وحصلت علي ضمانات تقول إنها كافية  وتعهدت للشعب الموريتاني بمكاسب حقيقة ووقفت وقفة رجل واحد في وجه التغيير الثوري ، هذه المعارضة المحاورة وقبيل إجراء الإنتخابات أصيبت بنكسات هي الأخري جاءت علي النحو التالي:

تبين أن اللجنة التي اختارتها ليست سوي وسيلة ضعيفة بيد النظام  بقلبها حيث يشاء

اكتشفت أن وسائل الدولة تستخدم يشكل كثيف من طرف حزب الحاكم

اتضح لها أن الجيش وقادته سوف يكون لهم دور كبير في تعديل كفة  الميزان الإنتخابي .

انقسم "المحاورون" بين من لم يشارك (لكنه لم يقاطع ) كحزب عادل وحميدو بابا  وبين من شارك في الشوط الأول وأقصي من الشوط الثاني (الصواب ، التجديد ) وأخيرا من شارك في الشوطين وجاءت نتائجه كالتالي:

التحالف الشعبي التقدمي الذي تزعم المعارضة المحاورة  : جاء في  المرتبة الرابعة (خلف الوئام) في النيابيات والمرتبة الثامنة خلف (الحراك والكرامة والوئام وغيرها ) في البلديات .

حصد حزب الحاكم  74 نائبا حتي الآن مما يؤهله لقيادة البلاد في ظل خيار ديمقراطية الحوار ومعارضة الإنتكاسة  فقد فقدت المعارضة نصف قوتها وفي مقدمتها بلديات مدن الوعي (انواكشوط ، انواذيبو ، ازويرات ، كيهيدي  ) ومقاعد برلمانية نسبية .

لقد أوصلنا الخيار الثاني (الرحيل الديمقراطي ) إلي خيبة أمل كبيرة وتراجع مخل في المصداقية وتشرذم كبير في النسيج الداخلي لقوي المعارضة وكسب منها النظام وقوفها معه في وقت الشدة ومشاركتها له في توطيد أركان حكمه .

فأي الخيارات أصبح متاحا أكثر من غيره لتحقيق التناوب الديمقراطي او الرحيل القسري لنظام الإستبداد والفساد ؟

بخشي البعض من أن يجد النظام بعد هذه الإنتخابات طرفا أقوي من التحالف الشعبي -الذي سقط- تكون مهمته هي استكمال ما بدأه التحالف من مقارعة المعارضين والدفاع عن المكتسبات وإن كانت مجرد مقعد هنا أو هناك ...لا أشيرا تلميحا إلي تواصل ولكنني لمست ذلك من كثيرين يعتقدونه ولا أشاطرهم الرأي ولكنني أعتقد أن تواصل في موقف صعب فهو من جهة حصد أهم النتائج المتحصل عيها من أحزاب المعارضة واستحق موقع زعيم المعارضة وأكبر كتلة برلمانية وربما مكاسب أخري قادمة ،لكن تواصل فوق ذلك كله هو مشروع سياسي وليس حزبا لشخص بعينه من هنا لا أقبل أن يلعب دور التحالف في إسناد النظام في وجه معارضته لكنني أخشي أن يدفع بعض المعارضين (المقاطعين ) هذا الحزب لسلوك غير محسوب نتيجة مضايقته والحملة الإعلامية التي بدأت تشن عليه .

ما أجزم به هو أن الطريق الوحيد الذي أصحنا أكثر إدراكا له واقتناعا به هو أن هذا النظام لن تغيره الإنتخابات ولن يقبل بالتناوب السلمي علي السلطة إلا إذا وقفت جميع القوي الحية في وجهه قبل أي تفكير في الإنتخابات الرآسية  القادمة وأجبرته علي الخضوع لإرادة الموريتانيين والإنصياع لمنطق العصر وقبول مبادرة الزعيم مسعود كمدخل لحوار جاد وبناء وحقيقي تغير فيه طبيعة نظام الحكم من رآسي إلي هجين (نصف رآسي ونصف برلماني) ثم تجري انتخابات رآسية ثم بلدية وبرلمانية  تشرف عليها لجنة مستقلة يختارها الجميع .

إن قوي المعارضة مطالبة اليوم بالوقوف مع موريتانيا كدولة وكشعب يعيش صراعات سياسية عقيمة بين طبقة سياسية لاتهمها إلا مصالحها الفردية ولا تقبل التنازل للوطن قيد أنملة  من أجل توحيد الجهود ونبذ الخلافات والسير في طريق واحد يؤدي لرحيل نظام حكم الفساد والإستبداد ويمهد لقيام دولة العدل والمساواة والديمقراطية  ...

لقد جربنا الطرق كلها ووقفنا علي حقيقة مايراد لنا كقوي معارضة لذلك أصبح من الضروري أن نتجه جميعا نحو إزاحة هذا النظام بخطوات قوية تبدأ برص الصفوف وتعمل علي فرض التوجه إلي الحوار من خلال  إجبار النظام علي التحدث مع معارضة موحدة وقوية وليس من خلال معارضتين متنافرتين يلعب النظام علي أوراقها مختلفة ويستفيد من ليونة مواقف بعضها علي حساب البعض الآخر .

 

الحاج ولد المصطفي : [email protected]

 

25. ديسمبر 2013 - 18:06

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا