تأملاتي حول 2013 / عبد الفتاح ولد اعبيدن

altالحمد لله على عبور نهر هذه السنة، لقد كانت سنة صعبة بامتياز، وعندما يوفق المرء إلى تجاوز محطة صعبة، ولو حسب إحساسه الخاص، ليس له إلا أن يحاول إستعادة بعض أنفاسه ويسارع إلى حمد الله وشكره، ولله الحمد على كل حال، كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ولله الحمد على انتهاء هذه السنة بسلام، ولنا الأمل إن شاء الله في سنة جديدة، أقل ضغطا على الأعصاب والمشاعر.

المتابع لمسرح حياة الناس، في هذا البلد المسكين، خصوصا في عاصمته، يلاحظ تكاثر الأمراض وتزايد الفقر، حيث أصبح التسول شائعا رائجا في كافة ربوع الوطن، وهو من أهم أدلة وعلامات الفقر، مهما قيل عن سوى ذلك من أوجه التأويل المتعسف أحيانا، مع تصاعد وتيرة سرقة المنازل ليلا ونهارا، وسرقة السيارات والمتاجر، والإختطاف والإغتصاب والقتل.

أجل لقد كثر الفشل الكلوي، وكثرت الأمراض الناجمة عن التفسخ الأخلاقي وعدم الوعي الصحي بخطورة تبادل كؤوس الشاي في الأماكن شبه العمومية والاحتكاك الزائد دون حذر على سبيل المثال لا الحصر، وفي هذا السياق وصلت أمراض الكبد إلى أرقام قياسية مخيفة، وكذلك مرض السيدا الفتاك. وحصدت الحوادث داخل العاصمة وخارجها أرواح آلاف الناس، دون أن تعترف الوزارة المعنية بالفشل وتعلن حالة الطوارئ وابتغاء أقل شروط الأمان، ضمن شبكتنا الطرقية الحضرية وما بين المدن.

وأما قصة التلاعب بالمال العام رغم تهديدات عزيز، رغم أن التلاعب بالمال العام، قل بالمقارنة مع عهود سابقة، نفعت قاع المجتمع، لكنها ضربت المثل الأعلى في العجز عن حماية ثروة الأمة.

أجل سنة مخيفة على مستقبل موريتانيا وعنصرها البشري، عنصر تهدده العنصرية، حتى داخل مجتمع "البيظان" نفسه، من خلال تصاعد دعوة بيرام المدمرة، المفعمة بالكراهية والانتفاخ التافه، الرافض لكل ما يبت للبيظان بأي صلة، فهو يقول "إعلام البيظان"، كذا للبيظان، وكذا وكذا، ضمن دعوة لا تخفي المزيد من استغلال موضوع العبودية الآفل، المرفوض شرعيا وأدبيا.

والمبالغة في بحث موضوعه دون حكمة، مجرد ابتزاز واسترزاق مكشوف.

وشهدت هذه السنة انحسار عنصرية الزنوج نسبيا، فقد أخذوا الدروس، مما تعرضوا له من ظلم أيام معاوية، تسبب بعضهم لا جلهم في بعضه، وبدا خطابهم أكثر وطنية واستعدادا للتعايش والتفاهم، فكلما طالت المعاناة، رغم مرارة الظلم، إنقدح العقل البشري عن المزيد من التعقل والوعي، الأقرب للرسوخ والواقعية ولو كانت نسبية.

وقد يدفع بعض الحراطين بتحريض من بيرام ، بعض الثمن الخفي أو العلني غير المفيد لشريحتهم، ومطالبهم الحقوقية، ولا أعني مطالب "إيرا" لأنها مخلوطة بمقاييس زائدة من كراهية الآخر والتوظيف المحلي والدولي المغرض للموضوع، محل التجاذب الخطير الحساس المتصاعد.

ولا يخلو الأمر إطلاقا، من لعب جهات عدائية لكل ما يمت للإسلام والهوية العربية، سعيا إلى جر بعض الأرقاء السابقين، لمنبع آخر، لا يمت بصلة لعمقهم العربي والإسلامي الأصيل، بالنسبة لأغلبهم على الأقل، والآخرون دينهم ولغتهم وعاداتهم فرضت عليهم هذا الإنتماء العربي والإسلامي، دون غيره البتة.

مجتمع موريتاني متحرك بالمعاناة المتنوعة واستغلال النفوذ، فهل من مخلص من هذا النظام المستبد الفاسد والمفسد، بعد أن تخطينا 2013 ودخلنا السنة الجديدة 2014 دون الخلاص النهائي من هذا الجنرال العنيد،.

كل شيء ينذر بالإنهيار الكامل، لأمن المجتمع الموريتاني وصحته، وسياسة تسيير حكمه وماله العمومي، لكن النخبة ولو جلا، اختارت النفاق، والصحافة في أغلبها خائرة وضعيفة،واختار أغلبها سياسة "أتركني أعيش"، ولو على حساب سمعة المهنة ومستقبلها ومستقبل موريتانيا، الغالية العزيزة، المهددة بعمق وبقوة، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

ولعل بعض الزملاء خافوا مما حصل معي والزميل حنفي من تنكيل تاريخي يصعب نسيانه محليا ودوليا، فارتعدت أقلام بعضهم، وقرروا في أغلبهم مجانبة المواضيع الحساسة جدا، وإن كان مستوى التناول أصبح أكثر جدية وشجاعة عند البعض، أكثر مما كان.

ومع تأمل عابر موجز حول نهر الحياة عموما، وهو يصلح طبعا لعموميته لسنة 2014.

إنه نهر الحياة الجاري، المتقلب بين الارتياح والأسى، أو السراء والضراء، أسى قد لا يستحق كثيرا من الندم الأبدي، ولو كان بعض ذلك قهرا، بحكم طبع بشري غريزي، وارتياح وفرح قد لا يستحق أيضا تقدير العاقل اللبيب، إلا في الحدود المناسبة، لأنه فرح عابر مؤقت زائل، وله كثير من المنغصات والمكدرات، فلا تتركه صفوا سليما من الملل أو الأذى أو خوف التبدل والتغيير.

إذن شخصية المؤمن يراد لها "لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم" سورة الحديد.

فلا الحزن المطلق مأذون إلا غلبة، ولا الفرح المطلق تستحقه مسرات الدنيا كلها، ولكن ساعة وساعة، على نهج قوله تعالى: "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا".

وفي هذا الإتجاه نأخذ من حديثه صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر كان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر كان خيرا له".

جو متقلب يتطلب منا توظيف خيراته، في الاتجاه السليم فحسب، دون نسيان الموت، وإبقاء حالة الحذر والإستعداد للرحيل المحتوم دائمة، ما أمكن دون غلو أو تساهل: "إن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى".

قال الله تعالى: "وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الأَلْبَابِ"، لا حول ولا قوة إلا بالله، كم ذهب من نفوس الأحبة والمسلمين عموما، في هذه السنة المنصرمة، وهل نعلم هل نعيش لحظة قادمة أو لا؟!.

"وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت". اللهم رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، الله أطل أعمارنا في طاعتك، وأقبضنا يوم تقبض أرواحنا على شرعة الإسلام ومحجته البيضاء وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، شهداء إن شاء الله، في ميدان تحرير وجهاد حق، لا لبس فيه، عند بيت المقدس، آمين.

الله اجعله دعاءا صادقا مستجابا، آمين.

والعودة إلى السياق المحلي تدعونا إليه أشواق تشدنا إلى الوطن الأصلي، موريتانيا الحبيبة، التي من أجلها تعبنا واجتهدنا، ولو لم نصب، فماهي إلا مسارات بشرية، تحتمل الخطأ والزلل والصواب والاستقامة أحيانا.

وما نحن إلا نوازع من الأرض خلقنا، وبتنوع طينتها المتعددة المعادن والمضامين، تتنوع وتتعدد مشاربنا وطبائعنا، بين الخير والشر، والحكمة والإعتدال والنزوع أحيانا إلى الجموح وردة الفعل الشديدة غير المحسوبة المتفلتة، من قيود الحنكة والرزانة، ولو كان ذلك طبعا بشريا، يطول أو يقصر، ويقل أو يكثر، فيختلف الطبع البشري على هذا المنحى "ولو كان من غير الله لوجدوا فيه إختلافا كثيرا".

موريتانيا بعد ذهاب معاوية، رغم أخطائه الجمة، لم تستقر سفينتها، فالتأزم السياسي والمعيشي طابعها الدائم المميز.

والانتخابات الأخيرة كانت قليلة المصداقية رغم الحاجة إليها، ولم تولد إلا المزيد من عدم الثقة في النظام القائم المستبد، والضيق الأفق.

ولا نعرف ما البديل، إلا أن يكون عبر حوار حقيقي جاد قد لا يحدث إطلاقا.

فمعاوية لم يعد قادرا على قيادة السفينة، بعد علو مستويات الوعي عند بعض نخبنا وشبابنا، ولو كانوا بعيدين فعليا عن الحكم وممارسة القيادة السياسية أو التسيريية، والمشهد العربي تغير من بعد حكم معاوية بـ "معطيات الربيع العربي" مثلا، رغم عثراته.

و"أصنادره" أي العسكر، انتهت صلاحية حكمهم في العالم أجمع، تحت وقع الانترنت والعولمة، ولا داعي للكثير من الشواهد والأدلة، فالأمر بديهي، رغم إصرارهم، جميعا ودون استثناء تقريبا على البقاء على الكراسي والتناوب عليها بشكل هستيري سيزيفي، ولو على مدار قرن قادم أو قرون كثيرة!.

وقد تكون الثورة تحت الضغط المتزايد، والفشل المتزايد، هي المخرج الوحيد بإذن الله.

ونرجو أن تكون سلمية مثل طبعنا الموريتاني، وغالبة دون ضرر ولا ضرار، وبعيدا بصراحة عن لغة العنف وأسلوبه الكريه، نظريا أو عمليا.

وفي هذه اللحظة من التأمل في المسار الوطني، قد لا يكون هذا القدر كافيا مطلقا، وإنما كان الحدث العربي كثير الشد والجذب، هذا العام، خصوصا في قاهرة المعز، حيث سرق السيسي مقاليد الحكم، ليقلدها لأصحاب المحكمة الدستورية المتآمرين الانقلابيين، وهو في الحقيقة، هو الحاكم الفعلي، مع من وافقه من العسكر المصريين، ولو كان بعضهم رافضا للانقلاب الجبان المخزي، دون أن يعبروا عن رفضهم بصورة علنية حتى الآن.

أجل ما حدث يومها كان حدثا مجلجلا، مازال يهز يوما بعد يوم، حاضر ومستقبل الديمقراطية في مصر والوطن العربي عموما.

ولكن هبة الرافضين للانقلاب، السلمية، رغم الضحايا والشهداء الكثيرين في رابعة والنهضة ورمسيس، وغيرها من مواطن العز والكرامة والرفض الحضاري المسالم الشجاع المتواصل، في طريقها التدريجي الواثق في إجهاض هذا الإنقلاب الخطير.

وفي سوريا تسيل الدماء انهارا وبحورا، فلا يتعظ الحاكم البعثي العبثي الفاسق الوحشي. اللهم خلصنا منه، وألهم إخواننا السوريين إلى طريق حاسم سلمي يخلص الشعب السوري، بجميع فئاته، من هذه الورطة المهلكة المؤلمة الفاجعة، ويرد "حزب الله" رغم أخطائه الطائفية في حق الثورة السورية إلى ساحة المقاومة الحقيقية في ضفاف الجنوب اللبناني الأبي.

وفي فلسطين تضاعفت أزمة إخواننا هناك، خصوصا بعد سقوط النظام الديمقراطي المنتخب في مصر، الذي ترأسه برهة، الرئيس الشجاع الشرعي محمد مرسي حفظه الله، وعجل فرجه وفرج شعبه، وفرج أمتنا وشعوبنا في الخلاص من الاستبداد والأنظمة العسكرية والأحادية والأسرية، إلى نموذج شوروي لا يقصي أحدا، ولا ظلم فيه لأحد إن شاء الله.

إن الحق أولى بالإتباع وإن الحكم، مهما طالب اللعبة، مآله إلى الديمقراطيين الحقيقيين، الذين يؤمنون بالإسلام والحق في الإختلاف، وأعني الصراع في ساحتنا العربية الإسلامية، ولكن دون غمط لحقوق المخالفين للنهج الإسلامي، أو من المسلمين المتطرفين في تبني العلمانية المؤذية لنفسي بصراحة، لأن كتاب الله جامع "ما فرطنا في الكتاب من شيء"، "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين" سورة النحل.

لابد أن نقبل –معشر الإسلاميين- التعايش مع الآخر، بكل ما في الكلمة من معنى، ولنا في التجربة التونسية أسوة ومثال، رغم مآخذ البعض المشروعة.

ليكون على الأقل نقاش هذه المآخذ ومحاولة حسمها سلميا، لا عن طريق العنف أو مصادرة الرأي الآخر. إن عودة الحكم الإسلامي، أمر شديد العسر، موضوعيا لكثرة أعدائه والكارهين له، داخليا وخارجيا، ونموذج الإسلاميين هنا وهناك، المشوب بالخصوصية المفرطة أو الجهوية أو عدم تقبل الآخر كما هو، كل هذا قد يعوق -ولو مؤقتا- الرجوع إلى رحاب الأصول والمبادئ الإسلامية الجامعة بلطف وحكمة ونجاعة حقيقية.

فقد جربت كل الحقب والأزمنة والأمكنة المتعددة، أن الشعار والمنهج دوما، الإسلام هو الحل، فلا تعتبوا كثيرا دون وجه دليل مقنع، معشر الرافضين، ولا تستعجلوا في قبول الحق، معشر المتحمسين الطيبين، فالجو موبوء، بالكثير والكثير، والأولى والأجدى التريث والصبر ومحاولة التعايش، ولنصبر على السجون أو حتى الموت بالإستشهاد في سبيله، والتضحية بكل صنوفها، مهما كانت كلفة التغيير السلمي نحو الحق، ولنوسع دائرة التفكير والتأمل.

وقد كان هذا التأمل الخاطف، بعضه لا كله، ولي عودة أكثر متسعا مع هذا الموضوع الكبير، تأملات حول 2013.

لقد كانت سنة كثيرة الأحداث والمواعظ والعبر، ولا تكفيها سطور أو ربما كتب أو مجلدات. والله المستعان، وهو الحفيظ الملهم لطريق الخير والصواب، في السنة الحالية الجديدة أو في قابل الأيام والعمر إن شاء الله.

وما لم يطلق بسرعة إن شاء الله، سراح الزميل إسحاق ولد المختار المفقود في الديار السورية، فإن سنة 2013 و2014 ستظل صعبة في حساب الصحفيين الموريتانيين على وجه الخصوص، اللهم احفظه وفرج عنه.

وسيظل الدعاء هو الملجأ عند كافة مراحل الطريق، سواء طريق الإعلام الشائك أو طريق الحياة عموما.

قال ربنا وهو العليم الخبير: "وقل لا يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم" سورة الفرقان.

توجعاتنا كثيرة من الحالة العامة سنة 2013، ومكسبنا الأول والأخير، رغم هشاشته هو ما بقي لدينا من استقرار محفوف بالتحديات والمخاطر، وإيماننا بالله ورسالته الخاتمة، الإسلام.

فلنصبر ولنحتسب ولنتوجه إلى سنتنا الجديدة بالأمل والحزم.

وفي الختام لا يمكن أن ننهي هذه التأملات أو النظرات، دون أن نقف برهة مع الجار المالي، الذي أثبت فشلنا في الإيمان بالديمقراطية، بالقياس المقابل، فهؤلاء الماليين رغم استدعائهم للمستعمر الفرنسي ضد المجموعات الإسلامية المسلمة، وضد مطالب بعض الطوارق والعرب بالإستقلال، إلا أن مالي دولة ومجتمعا، بادرت بمجرد خفة وتيرة الحرب إلى خوض غمار اقتراع رئاسي ناجح، رغم النواقص، حيث آمنوا بالديمقراطية مخرجا من العنف وعدم الاستقرار والسير نجو المجهول، واستطاعوا محاولة تجاوز حالة التفكك والشتات، التي كاد أن يعصف كليا بدولتهم.

أما "البيظان" وهم الأغلبية الفاعلة الحاكم المؤثرة في دولتنا ومجتمعنا، فلا يؤمنون إلا بدعم العسكر الانقلابيين ضد مصالح المؤسسة العسكرية نفسها، وضد سائر المكونات الأخرى للدولة المجتمع، وقد أثبت ذلك الانتخاب الفارط المنصرم، الذي لم ينتهي تماما حتى الآن.

فإلى متى يتيه "البيظان" وكافة الموريتانيين معهم، نحو مزيد من الاستعباد والتحلل في ذات الزعيم الحاكم، مهما كان اسمه وسمته، دون وعي لمصالح الذات والغير، تحت راية هذا الكيان الموريتاني المعوق الغريب حقا؟!.

5. يناير 2014 - 21:38

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا