أحلامنا الضائعة في زحمة السنين / البشير ولد عبد الرزاق

alt"أجمل فصول حياتنا، هي تلك التي لم تكتب بعد"...هكذا كنت دائما تكررين.

ثم تردفين:"علينا أن نؤمن بأن أيامنا التالية ستكون الأجمل والأسعد".

وبعدها كنت تتطلعين في وجهي و تقولين وأنت تطلقين ضحكتك الصافية:"لا شك أنني مجرد أنثى حالمة".

وكنت عندما تضحكين، تغمضين نصف عينيك، فتترقرق فيهما دمعة حائرة، هي بقية من حزن قديم، و كنت أنا أحسد بشدة تلك الدمعة على تمتعها لوحدها، بدفء ذلك المكان الجميل.

أما زلت تذكرين؟

إنها لحظاتنا الخالدة، اقتنصتاها من زمن مجنون، كان يسير بنا إلى المجهول، وكنا نحن نحث الخطى وراءه، ونطلق العنان لفرحنا الطفولي الأبله، مستمتعين ومستسلمين وغير مبالين.

كلما التقينا كنت أنا التزم الصمت وأدعك أنت تثرثرين، وكنت استمتع بمراقبتك وأنت ترتشفين الشاي، كانت بقاياه على شفتيك تغويني، وتقدم لي دعوة مفتوحة لزيارتها بدون إذن مسبق، لكن كما تعلمين أنا من طينة الرجال الفاشلين، الذين تعلموا كيف يبتلعون مشاعرهم، وكيف يدوسون على رغباتهم الدفينة ساعة توثبها وجموحها، ويتظاهرون بقراءة جريدة  أو احتساء فنجان قهوة.

حتى  كلمة "أحبك" لم استطع أن أقولها لك يوما، كنت أؤجلها دائما، فأنا بطبعي لا أحب الأشياء التي تحدث بسرعة، لأنها تنتهي دائما بسرعة، وأنا كنت أريدك زمنا، لا لحظة يسرقها مني عقرب الوقت بحركة تافهة.

وبعد كل تلك السنين، كان قدرنا أن نلتقي في مطعم صغير، طاولاته المرصوصة إلى جانب بعضها البعض، تشبه إلى حد الضجر، ليالي عمرنا المنهكة، وأضواؤه الخافتة هي نسخة طبق الأصل، من بقايا ذكرياتنا الشاحبة.

كنت منهمكا في الجولة الأخيرة، من معركة حاسمة مع طبق من الدجاج المشوي، عندما سمعت صوتك وأنت تهمسين: "سعيد".

ساد صمت ثقيل، أنت تتطلعين في الشعر الأبيض، لرجل قدم للتو أوراق اعتماده في نادي الخمسين، و أنا أبحث في وجهك عن ملامح بنت العشرين.

وكم تمنيت وقتها لو أنك ضحكت، وأغمضت نصف عينيك، لأرى تلك الدمعة الحائرة، حتى أصرخ في وجهها، وأقول لها إن موقفي ما زال كما هو لم يتغير رغم كل هذه السنين، وأنني ما زلت أمقتها وأكرهها وأناصبها العداء وأحسدها على ما هي فيه.

وكعادتك، وكما كنت دائما تفعلين، كسرت أنت الصمت، وببساطتك المعهودة قدمت لي الرجل الذي كان برفقتك، وقلت لي في حياء: "أحمد... زوجي".

يا لسخرية القدر، فقد كان علي أن أصافح الرجل، الذي استأثر كل هذه السنين، بالنظر إلى عينيك العسليتين ساعة تنامين.        

مساكين نحن، ندرك دائما متأخرين، بأن أحلامنا الجميلة ضاعت في زحمة السنين.

 

البريد الالكتروني: [email protected]

22. يناير 2014 - 11:19

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا