وفشل مؤتمر المعارضة... / محمد ولد سيدي عبد الله

الاختلاف سنة الكون وناموس الطبيعة وهو الهادي للصواب والدال على الحقيقة ،والاختلاف إحدى الغرائز التي عرفتها البشرية عبر جميع مراحلها ولعل قصة قابيل مع أخيه هابيل في فجر تاريخ البشرية كانت إحدى بدايات تأصيل تلك الظاهرة التي أصابت الأمم حتى في دياناتها وعقائدها.

وقد شكل القصور في الفهم وتفاوت المدارك أحد أبرز أسباب ذلك الخلاف ،كما أن غموض بعض المواضيع كان مدعاة لتباين وجهات النظر، وتعتبر هذه العناصر أبعادا إيجابية وظواهر صحية في سلم الاختلاف يقال " الناس بخير ما اختلفوا" ويقال "إذا تزاحمت العقول خرج الصواب" .

أما ما كان من خلاف بسبب الرغبات والأمزجة التي تستولي على مقاييس الحسن والقبح وصفاء الفكر وما كان من خلاف مدفوع بالتوجهات و الرغبة في الحكم فهي خلافات لا تخضع لجوهر الاختلاف كظاهرة طبيعية ويصب هذا النمط من الخلافات فيما قاله إسبينوزا " إن الرغبة هي التي ترينا الأشياء مليحة لا بصيرتنا ".

ومن أشد الناس خطرا على المجتمع والأمة من يتعاطون مع أمزجتهم واتجاهاتهم الفكرية وميولهم الفطري بعيدا عن الموضوعية روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال "أخوف ما أخاف على أمتي رجل منافق عليم اللسان غير حكيم القلب يعيرهم بفصاحته وبيانه ويضلهم بجهلة".

وفلسفة الخلاف الإيجابي هي التي ساقت الأمم والشعوب بعد تفكير حثيث ونضال طويل للوصول إلى النظام الديمقراطي الذي تعتبر المعارضة نقطة ارتكازه فهي باختلافها مع الأغلبية ورغبتها الجامحة في الوصول إلى السلطة تجعل الأنظمة الحاكمة تدرس في خطابات معارضيها وتعمل على تنفيذ المستساغ من أفكارهم والمقبول من انتقاداتهم ليصب هذا الخلاف في خدمة الشعوب وحاجيات المواطن كهدف أسمى وغاية كبرى وهو جوهر الخلاف.

أما وأن يكون الخلاف عقيما والخطاب تحريضي والأمور تسير وفق أمزجة شخصية وميولات فكرية ورغبات جامحة فأننا أمام مشهد مخالف لأبجديات الديمقراطية والرأي ،مغاير لأدبيات السجال، موغل في أدران الحقد والإنكار والمزايدة وهو مدعاة لملاسنات تهدم ولا تخدم تفرق ولا توحد.

أعتقد أن مؤتمر المعارضة سار وفق هذا المنحى وكانت الرسائل التي بعثت بها رئاسة المؤتمر من خلال مقال السفير محمد فال ولد بلال تشخيصا حيا لحقيقة المؤتمر .

كتب السفير محمد فال ولد بلال مقالا بعنوان "ترشيح رئيس الجمهورية... قادم،ولكن..." حاول فيه السفير إعارة قلم الوزير الدكتور الشيخ ولد حرمة فاستأنس بقاموسه ونحت من ألفاظه وكأنه يريد أن ييعث "المسار الحانوتي" من لحده .

ورث السفير من الوزير فكرة "الوكاف" فاستقطبت جميع إيحاءاته وإيماءاته وبدأ يصور المشهد الموريتاني بالمقلق وأننا رهينة حكم ظالم قاهر مستحوذ على خيرات البلاد والعباد وأن الخلاص منه لن يتم إلا بثمن باهظ وتضحيات جسيمة .

قبل مقال السفير وجه الوزير الدكتور الشيخ ولد حرمة رسالة إلى المؤتمرين ذكرهم فيها ببطولات المقاومة ومعركة"الزلاقة" وموت "كبلاني" وتأميم "ميفرما" وقال ولد حرمة أن الوطن يحتضر وأن مصاصي دماء الشعب يسيرون بالوطن إلى المشرحة وأنه ينبغي أن لا نشارك في تشييع جنازة الوطن وأنه من هذا المؤتمر ينبغي أن يفتح باب التغيير وينسج كفن الاستبداد الذي يحكم البلاد.

مهد الكاتبان للمؤتمر بمقالين موغلين في التحريض وكأنهما يرسمان الخطوط العريضة للمؤتمر وتعالت هتافات شحذ همم الناقمين وكأننا في أربعينيات القرن العشرين حين أبصر هذين الكاتبين الحياة وحين كانت الحريات مكبوتة .

اليوم وبعد عقود من الزمن ماتت خلالها خطابات وميولات ومهمات وذكريات بسبب أجواء التحرر  تهرم ذاكرة الرجلين لتعود إلى ذلك القاموس وذلك الخطاب.

أليس البعض منا وفق فكرة "الوكاف" كان مكلفا من قبل "وكافات" و"وكافين" بطلاء الحوانيت ونفض الغبار عنها؟

ينبغي أن لا نعبث بالمصطلحات و نلعب بالنار وندعوا إلى لا ما لا يدعوا إليه الأوفياء لأوطانهم الحريصون على السلم والأمن والوحدة.

فشل المؤتمر لأن أجيج نار الفتنة تفوح من نواته ، فشل المؤتمر لأن الكادح والمادح والإسلامي والعلماني والغاضب والمعارض اجتمعوا على قلب مائة رجل ، فشل المؤتمر لأن الشك في حضور هذا وهدف هذا ونية ذلك خيمت على المشهد وفشل المؤتمر لأن الأمة لا تجتمع على الضلال .

دخل المؤتمر إلى اللحد قبل أن يخرج إلى المهد حين اختلفت المعارضة على إلقاء كلمة الافتتاح وحين اختلفت على التمثيل في اللجان وحين زاد فلان على فحوى ما كان منصوصا من قبل لجنة الإشراف ونقص فلان عن ما كان مبرمجا سلفا وحين أسيئ على فلان وحين لم يجلس فلان في ذلك الصف وجلس فلان على المنصة.

أعتقد أننا أمام مشهد أشبه إلى لعب أطفال منه إلى مؤتمر لراشدين يتدارسون شأنا وطنيا بامتياز يريدون أن يخرجوا البلاد من أزمة سياسية بأسلوب نخبوي معينه الإيثار ونكران الذات وهدفه الوطن.

 

[email protected]

1. مارس 2014 - 23:25

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا