محاولة لفهم ما يجري / إخليهن ولد محمد الأمين

"حرق كتب الفقه المالكي، الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم، الاعتداء على العلامة الرباني ابن الددو، وأخيرا تمزيق المصحف ورميه"... كل التحليلات اليوم تكاد تجمع على أن هذه الحوادث ليست أمورا عفوية ولا تصرفات فردية، وإنما هي مسائل مدبرة تأتي ضمن خطة قد رسمت خطواتها بدقة وإحكام. حتى تلك التحليلات التي كانت تستبعد الربط بين هذه 

الحوادث، ولا ترى فيه أكثر من إحياء لنظرية المؤامرة، باتت اليوم في مقدمة المقتنعين بأن جهات ما تقف خلفها.

ولكن من تكون تلك الجهات يا ترى؟ وما هي دوافعها التي دفعتها إلى هذه المنكرات الشنيعة، والجرائم البشعة؟

ليس ثمة ما يمكن الجزم به، ولكن القراءة الحصيفة للحدث، والتفتيش عن المستفيد منه، تضعنا أمام أربع احتمالات:

الاحتمال الأول: أن النظام يقف خلف حادث تمزيق المصحف، وخلف كل الحوادث التي سبقته، وهدفه من ذلك شغل الناس عن قضايا السياسة، ومن المؤشرات التي تقوي هذا الاحتمال أن كل الحوادث جاءت متزامنة مع أحداث سياسية غير مريحة بالنسبة للنظام، وكان آخر ذلك تزامن حادث تمزيق (المصحف الشريف) مع إعلان نتائج منتدى المعارضة، الأمر الذي قزمها وشغل الناس عنها الناس.

ثم هدف ثان، وهو استغلال عواطف الشارع الدنية، واستجاشتها بافتعال مثل هذه الأحداث، ليظهر النظام بعدها مباشرة وكأنه رافع راية الإسلام، وحامي حمى الملة، الذي فتح إذاعة القرآن الكريم وقناة المحظرة، وها هو اليوم "يطبق شرع الله".

الاحتمال الثاني: هو أن جهات معينة ذات توجه فكري معاد للدين تقف خلف هذه الحوادث، وهدفها من ذلك هو كسر هيبة المقدسات ومكانتها في النفوس، حتى يصبح انتهاكها مسألة بسيطة لا تثير الاهتمام، ليخلو لهم بعد ذلك الجو لنشر أفكارهم بسهولة، ودون خوف من سلطان المجتمع المتشبع بقيم الإسلام، والرافض بقوة للمساس بها.

ويجد هذا الاحتمال وجاهته في أن كاتب المقال المسيء، ينتمي إلى هذا الطيف السياسي، وفي أن عددا كبيرا من المدونين المحسوبين على هذا الاتجاه، دافعوا عن هذه المنكرات، وحاولوا التقليل من شأنها، وتصنيفها في إطار حرية الفكر أو الإبداع الفني.. وما زلنا نتذكر حين وقف أستاذ جامعي ووصف المقال المسيء بأنه جيد في أسلوبه وفي طرحه، ونعرف جميعا أولئك الشباب والفتيات و"الكهول المتخفين خلف الحسابات المستعارة" الذي دافعوا عن "فلم حمزة وليلى" وعن صاحب المقال المسيء، وسخروا أقلامهم للتشكيك في قيم الإسلام، وأصول عقائده، ووصم من يؤمن أو يتمسك بها بالتخلف والرجعية.

الاحتمال الثالث: أن أطرافا سياسية معادية للنظام تقف خلفها، وهدفها من ذلك هو استغلال عواطف الشارع ومشاعره الدينية في إحداث بلبلة وفوضى تكون سببا في إحداث التغيير.. وقد كادت جموع المتظاهرين يوم الاثنين الماضي (03/03/2014) تخرج عن السيطرة، وتصل إلى القصر الرئاسي وإلى المقار الحكومية، مما قد يكون له أثر غير إيجابي على استقرار النظام وأمنه، الأمر الذي دفع قوات الأمن إلى قمع المتظاهرين بعنف، والوقوف في وجههم باستماتة، حتى قيل إنهم استخدموا الذخيرة الحية، مما تسبب في استشهاد الفتى أحمد ولد حمود وجرح العشرات من المتظاهرين واعتقال أكثر من مائة متظاهر، وقد دفع الأمر كذلك إلى إنزال قوات الحرس الرئاسي، وقوات الجيش والدرك والحرس الوطني إلى الشوارع تحسبا للتطورات. كما استدعى الأمر استخدام الفقهاء الذين هاجم بعضهم وسائل الإعلام، وأفتى بعضهم بأن "من يشارك في مظاهرة غير مرخصة فدمه هدر" !! وقال آخر بأن " السلاح لم يشتر للاحتفالات، وإنما للاستعمال عند الحاجة" وبأن "القصر لا يتوجه إليه إلا باحث عن الرئاسة أو القتل" !!

الاحتمال الرابع: أن الأجهزة الأمنية المتصارعة والمتنافسة فيما بينها، ربما يكون أحدها يقف خلف الحادث، لاستغلاله في إثبات جدارته وقدراته في التحري وكشف الخيوط، والوصول إلى الجناة.

وهنا نتذكر تلك الوثيقة التي نشرتها المواقع بعد محرقة كتب الفقه المالكي يوم 29/04/2012 الصادرة عن ما سمي حينها بـ"حماة الأمن من الشرطة الوطنية"، وقد جاء في الوثيقة "إن الشرطة لديها معلومات مهمة عن كل تفاصيل المخطط الذى ستنطلق شرارته بإحراق الكتب، ثم تنظم المسيرات للمطالبة بمعاقبة المخبر الصهيوني الأرعن برام، وسترون مسيرات الداخل واهتمام الإعلام بها، وسترون اعتداءات على المساجد".

5. مارس 2014 - 17:25

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا