من المستفيد من تمزيق المصحف؟ / محمد عبد الله ولد لحبيب

السؤال التقليدي الذي يجب على أي محقق، مبتدئا كان أو محترفا، طرحه عند كل جريمة هو من المستفيد؟
المستفيدون من جريمة تمزيق المصحف الشريف كثر: منهم من يريد عنفا يبرر به أفعاله، وممارساته، ومنهم من يريد الإلهاء، ومنهم من يريد ضرب المقدسات، ومنهم من يريد كل هذا.


لذا يجب تطوير السؤال إلى آخر أكثر  عمقا؛ من يمكنه إذا الاستفادة من الحدث الحالي؟ من يمتلك الأدوات لتوجيه النتائج الكارثية لصالحه؟ هذا الجواب سيقودنا من دون شك إلى مجموعات مختلفة أبرزها النظام العسكري، ومافيا المصالح التي راكم على مدى العقود الماضية.

من الغباء قراءة الفعل مبتورا عن السياقات  المختلفة التي تؤثث المشهد، وتنَسِّب الأفعال. إن الاقتصار على قراءة السياق المتعلق بنوع الأفعال نوع من البتر لا يقل خطورة عن قراءة الأحداث منفردة، وهو عمل عاطفي يوجه الجهود غير وجهتها الصحيحة.

يجب أن نتذكر أنه كلما وقع النظام في ورطة بسبب كوارث القرارات التي يقدم عليها، أو بسبب مبادرة من قوى التغيير، اشتعلت أزمة مجتمعية من هذا النوع.

ينبغي أن نتذكر ، إذا، إلى جانب الإساءة إلى المقام النبوي الشريف، وردود الفعل التي لحقتها، تزامن الجريمة مع تدشين انطلاق قناة المحظرة، إلى جانب انتهاء أعمال منتدى المعارضة، ويتزامن الاعتداء على الشيخ محمد الحسن ولد الددو  مع بداية ترميم العلاقة بين الإسلاميين وبعض مكونات المعارضة.

يتزامن إحراق الكتب المالكية مع مسيرات المعارضة الداعية إلى رحيل النظام، وتتزامن الإساءة إلى المقام النبوي مع أزمة الانتخابات، ومع متندى المعارضة وعودة لم شملها، تأتي جريمة تمزيق المصحف. لنتذكر أن أعمال المنتدى الآن، والنقاش الذي كان يجب أن يحتل الصدارة في الإعلام غيبته الدماء التي سالت على الأرض، واختنق صوته في عمايات مسيلات الدموع فرنسية الصنع.

يثير الضحك أن يظهر رأس النظام أمس في تدشين قناة للقرآن الكريم، ويمزق المصحف في نفس المساء. هذا شبيه بشراب الشاي مع الضحية ساعات قبل اغتياله.  افرضوا أننا نحمل الأمور أكثر مما تتحمل. هل لنا أن نصدق كيف يصمت النظام على الجريمة قرابة أربع وعشرين ساعة دون تسجيل أي ردة فعل لمسؤول من مسؤوليه؟ في موريتانيا الآن تربو وسائل الإعلام السمعية البصرية على العشرة وقنوات العالم وإذاعاته مفتوحة أمام صغار الباعة للحديث عن همومهم، ثم لا نجد من ينبس ببنت شفة. ساعات بعد رصاص الطويلة يعقد مؤتمر صحفي، وتنشر رواية رسمية عن الحدث، رغم شلل الدولة حينها.

إن ترك الجريمة حتى تتفاعل، ويمكن قياس ردات فعلها، ومن ثم تنضج سيناريوهات التطويق والتسويق هو أسلوب العصابات الأمثل في التعامل مع ضحاياهم من المجموعات التي لا تملك وسائل مقاومتهم، ولا أدوات تفكيك منطقهم المجرم.

ردة فعل القمع التي يستخدمها النظام ضد المتظاهرين، قد لا تعدو أن تكون لونا جديدا من ألوان الاستغلال للقضية يجدد الأساليب، ويضيف علامات جديدة؛ فمن جهة يكون استقبال الرئيس بعد القمع ويعتذر للمتظاهرين ويعد بمعاقبة المسؤولين عن القمع، وربما يضحي بالبعض.

ومن الوارد جدا أن تكون تخوفا من الجماهير الغاضبة التي جاءت إلى القصر هذه المرة دون دعوة رسمية ودون إعداد مسبق للمنصة واللثام، والخطاب أيضا.

العصابات التي تقودنا لن تتورع عن أي فعل لإطالة أمد نهبها المتواصل. هذه أم الحقائق التي لا يريد بعضنا أن يصدقها. إن عمل العصابات لا يخرج دائما من تحت عباءة الزعيم، لأن الزعيم يمكن أن يستهدف من خلاله. ليس مستبعدا أن تضحي العصابة بقائدها المحترق لتأتينا بقائد مخلص منقذ جديد تقض همومنا مضاجعه.

لم يسل من دماء المورتيانيين على أيدي نظام يحكمهم ما سال على أيدي هذا النظام، ولا عرفت مقدساتهم تدنيسا لما عرفته في حقبته السوداء، ولا هددت وحدتهم بقدرما هددت اليوم.

سيعتلي الجنرال منبر مسيلمة من جديد، معتجرا عمامة إمارة المؤمنين ويتهم أعداء الدين ويزبد ويرغي ويتوعد، وربما لاك بعض كذباته السابقة ثم يتوارى لاحتساء نخب النصر مع جوقة المرتزقة التي تتقاسم وإياه عمولات "شحنات" التدمير التي تحقن بها جسد الأمة دفعات متتالية.

إن تقويض الأسس التي يقف عليها المسؤولون عن هذه الجرائم ينبغي أن يكون هدف الحراك الحالي وأن لا ينتهي حتى تستأصل العصابة  المجرمة المسؤولة عن تدنيس مقدساتنا وتدمير وحدتنا.

سيظهر أنصاف الأميين يدعون لوحدة الصف في وجه الهجمة الشرسة التي يتعرض لها البلد وقيمه، وتلك لعمر  الله واحدة من كذباتهم البلقاء. تذكروا أن أغلب حروب الطغاة في العالم كانت لتفريغ أزمات داخلية وإيهام الجماهير ان البلد في حرب يجب معها التغاضي عن الأزمات الداخلية.

إن الحرب الحقيقية التي تشن على البلد بأمواله ومقدراته، وبأدمغة جيل من الشياطين تكون بأموال الشعب، هي الحرب الوحيدة التي علينا خوضها اليوم وهي التي يجب أن نتوحد من أجلها. إنها الحرب الوحيدة التي تستحق منا التضحية والدماء لأنها ببساطة ستكون حرب تحريرنا من نير الطغيان، وستفتح المجال لحماية مقدساتنا من التدنيس لأنها ستمكن للقيم المستمدة من هذه المقدسات؛ العدل والحرية واحترام الآدمي لآدميته، والعيش الكريم. ستنتج حماية ذاتية للمجتمع من التفكك، والانحلال لأنها ستبحث عما يوحد المجتمع ليحكم نفسه، وليس عما يفرقه لتحكمه العصابة.

5. مارس 2014 - 17:26

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا