ملامح تأزم الإجابة الفقهية / باب أحمد بينَ

 من الضروري في بداية تناول هذا الموضوع أن نسجل ملاحظة أساسية، تتعلق بالتصور والتصديق- (على لغة المناطقة )- في المركب الإضافي الأول من العنوان،: وهي:
أن "الإجابة الفقهية "التى يتحدث عنها المقال ليست أي إجابة يضع صاحبها عليها "ماركةَ" أو" شعارَ الإسلام "

وينسبها إليه.. إنما نعنى "إجابة العلماء والفقهاء" الذين بلغوا من التحصيل العلمي ما يُصَدّر صاحبَه للفتوى،والإخبارِ بحكم اللَّه تعالى في المسائل المختلفة.
بين يدي الموضوع:
يعيش أغلبالعالم اليوم -بما فيهالمسلمون- تحت هيمنة غربية صارخة وشاملة، هيمنة سياسية، واقتصادية، و ثقافية، و"قِيمية "..هيمنةتطغى على مختلف "أصعدة الحياة" في العالم عموما، وفي بلاد المسلمين وعقر ديارهم خاصة.
وفى المقابل يعيش عالم المسلمين -منذ أمد - تخلفا اقتصاديا، وضعفا عسكريا، وعجزا سياسيا، وانحسارا مؤسفا ل "دِينهم" و"قيمهم الأخلاقية.
وبفعل  ذلك استبيحت أوطان، واستنزفت أخرى، وعطلت شريعة الإسلام، وأطلقت شرلئع أخرى، وعانى المسلمون في عمومهم ألوانا من الخوَر والتخلف والاطهاد..!
وفى جو كهذا- وبحكم كون الإجابة الإسلامية هي أكبر محرك للأمة في محاولة تغيير كل هذه الأوضاع- كان الطبيعي أن يكون دعاة الإسلام، وفقهاؤه، وعلماؤه، وحمَلةُ مشروعه على المستوى المناسب من الاستعداد والأهبة، والنشاط والفاعلية، واستيعاب الواقع ليستطيعوا أن يقدموا الإجابات الإسلاميةَ الفقهية الناضجة لجماهير أمتهم، ولكل قضية مستجدة، أو مشكلة متوقعة في العالم، وأن يكون جوابهم الفقهي جاهزا دائما، بحيث يكون مُبادءة، لا ردة فعل، وامتدادا لا دفاعا...!
لكن الأمر الواقع في كثير من الأحيان، إن لم يكن في أغلبها، لم يكن هكذا بحال للأسف... بل كثرت التساؤلات الكبرى، وقلّت الإجابات، وتوالت الإشكالات، ونزُرت الردود..! وظل الجواب الفقهي دائما يعانى ألوانا من التأزم الحقيقي الذى أضعف من قيمته إلى حد كبير، وفي أحيايين كثيرة، وساهم في وجود أزمات، وتعمق أخرى!
وفي ما يلي نعرض باختصار لبعض من أهم"ملامح "هذا التأزم و" تأثيراته".... ونبدأ بطبيعة الحال ب" ملامح التأزم الفقهي"..
ملامح التأزم الفقهي.
هذه الملامح نذكر هنا مجموعة من أبرزها، عارضين لها بشيء من البيان والتوضيح كما يلي:
1- الإجابة المتأخرة:
ونعنى بها كون الفقيه أو العالم المسلم في الغالب لا يتابع الواقع أو لا يقرأه في كثير من الأحيان بشكل جيد، ومن ثم لا يتمكن- في الوقت المناسب- من رصْد وتوصيف وإجابة كثير من مشكلات أمته وعصره، والتساؤلاتِ المطروحة بحدة على مختلف أصعدة الحياة وقضاياها الكبرى أخلاقا، وسياسة، وفكرا..واقتصادا وغيرها..وهكذا تتولد في الأمة أزمات حادة، وتبقى في العصر أسئلة معلقة، بسبب هذا العجز الفقهي عن مواكبة الواقع وقراءة إشكالاته القادمةفي عصر السرعة الضوئية.... ومن هنا حتى لو جاءت الإجابة الفقهية لكنها تأتى متأخرة..بعد ما تسبقها إجابة أخرى تكبد الأمة ورسالتها خسائر باهظة...!
2- الجمود:
والجمود هو الآخر ملمح من ملامح تأزم "الإجابة الفقهية ".. فما أكثر الفقهاء في هذه الأمة الذين يقرأون الكتب والمتون الفقهية والفتاوى التى صاغها علماء من الأولين وقدروا فيها ظروف زمانهم ومكانهم واعتبروا أحوالهم، ثم جاءت بعد  ذلك ظروف، وتوالت قرون، وتغيرت أحوال فلم تعد هذه الفروع والإجابات صالحة لللإفتاء بها.. ومع  ذلك بقي كثيرون يصرون على أنها هي الأحكام الصالحة لكل زمان ومكان.! تاركين اعتبار الواقع والاختلاف الذى يتركه على "مناط" الحكم...ومن ثم حكموا على الفقه الإسلامي بنوع آخر من التأزم هو الإصرار على"الجمود" ومتاركة "التجديد "جعله غير قادر بما يكفى على مواكبة العصر ومسايرة الواقع.
ويتحدث الشيخ العلامة "بن بيه" عن  ذلك فيقول: (إن المجامع الفقهية ماتزال حسيرة عن تقديم إجابات فقهية شافية لكثير من المسائل المستجدة، كالمواطنة، وفقه الأسرة، ونُظم الحكم، والاستنساخ، وتغيير الجنس وتبعات  ذلك كله....!) [فقه الواقع والمتوقع ]محاضرة متوفرة عبر اليوتيوب.
ويقول العلامة يوسف القرضاوي- لافتا إلى ضرورة تغيير هذا الواقع الفقهي:-(علم الفقه في حاجة إلى أن ييسر للناس ويعرض عرضا جديدا يواكب العصر ويهتم بما يهتم به أبناء اليوم من شركات ومعاملات وأعمال بنوك وعلاقات دولية وغيرها)..
3- الانشغال عن الأولى:
وهو الانشغال المفرط بأمور فرعية - تعود في أغلبها إلى فقه الخلافيات وفقه الفرد –والانشغال بفتحِ معارك ونقاشات لاطائل منها، ولا منتهى لها حول هذه الأمور.....وهو ما يبدد طاقات الكثير من أهل العلم وأصحاب الفتوى، ويشغلها عن المشاركة في معالجة قضايا أخرى كثيرة هي أكبر أهمية، وأكثر تأثيرا، وأعظم خطرا، لأنها تتعلق بمصير الأمة، وصورة الدعوة، ومستقبل الإسلام.!فينشغلون عن الكليات لصالح الجزئيات،وعن الأصول بسبب الفروع، وعن القطعيات لأجل الخلافيات.
وقد نبه على هذا الشيخ القرضاوي، -منتقِدا-وسرد أمثلة له فقال:
"_ الاهتمام بالعبادات الفردية
كالصلاة والذكر، أكثر من الاهتمام بالعبادات الاجتماعية التي يتعدى نفعها كالجهاد والفقه والاصلاح والتعاون على البر والتقوى ورعاية حقوق الإنسان...
_الاهتمام بالفروع وإهمال الأصول والغفلة عن أساس البناء وهو التوحيد والإخلاص.
_الاشتغال بمحاربة المكروهات أو الشبهات أكثر من محاربة المحرمات والموبقات. ومن ذلك اشتغالهم بموضوع التصوير والنقاب والغناء عن الموبقات كالسحر والشعوذة والاستعانة بالقبور أو الموبقات الاجتماعية والسياسية مثل:ضياع الشورى والعدالة الاجتماعية، غياب الحرية وحقوق الشعوب وكرامة الإنسان، وتوسيد الأمر إلى غير أهله، تزوير الانتخابات، نهب ثروة الأمة، إقرار الامتيازات الأسرية الطبقية، وغيرها من شيوع السرف والترف المدمر."القرضاوى(كتاب فقه الأولويات).

10. نوفمبر 2014 - 19:22

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا