دبلوماسيتنا والطموح المشروع : كلام في العمق / حمود ولد أحمد سالم ولد محمد راره

ليس ثمة من خلاف في أن للدبلوماسية دور أساسي تعول علية كل دولة ويكاد يكون نجاحها في إثبات الوجود والاستقلالية وتحقيق الوزن الدولي مرهونا إلي حد بعيد بمدي فاعلية تلك الدبلوماسية. 

وتؤكد الوقائع ومذكرات المحنكين من الدبلوماسيين الدوليين أن الدبلوماسية الفاعلة هي وحدها القادرة علي تحقيق المكاسب العظمي للدول خلافا للقوة العسكرية مهما كانت ردعيتها وقوة تدميرها. فكم من أمور استطاعت الدبلوماسية الحقة تحقيقها بوصفها قوة ناعمة وعجزت عنها الآلة الحربية بوصفها قوة  خشنة.
وليس من شك في أن تلمس الطريق القويم في مجال ما يعرف بالعلاقات الخارجية أمر تكتنفه ظروف شديدة البعد عن البساطة والانضباط إذ يخضع ذلك لكثير من الحنكة والكياسة وعمق النظر وطول مراس وتجربة بعيدا عن المجازفة والارتماء الأعمى في الأمور أو سوء التقدير وعدم الخبرة في المسالك الآمنة التي تخلو من المنزلقات والمطبات. ذلك أن مدار العملية الدبلوماسية يرتبط بشكل وثيق بالمصالح العليا التي تطال قضايا عديدة كالدفاع والأمن. وتلك لعمري مواطن بالغة الحساسية نحتاج فيها الي الابتعاد عن الارتجال وانتظار اللحظة الأخيرة أو علي الأصح اللامبلاة.  
لم يعد مجتمعنا اليوم ذلك التجمع البدوي  المعروف بالترحال  المنزوي في ما سميناه ذات مرة المنكب البرزخي بل أصبحنا جزئا من هذا العالم الذي لم تعد بينه حواجزوإنما أصبح قرية كونية واحدة يترائي فيها الجميع. وهذا يعني أن وضعيتنا يجب أن لا تظل جامدة وإنما علي عكس ذلك فإن علاقاتنا مع الآخرين يجب أن توجد وأن تستمر وأن تتوسع. ويظل العقد الناظم لهذه الثلاثية المتحكمة في ضبط وتسيير العلاقات الدبلوماسية الجيدة هو النظام والتنسيق سواء كان ذلك ضمن المنحي لكلاسيكي منها أو الجانب الموازي.  كما يظل العمل بجدية وفقا للقواعد المهنية والأعراف المعهودة أمرا حاسما كذلك في هذا الشأن إذ أن هندسة العلاقات فيما بين الدول والشعوب علي نحو رفيع يخدم ويقارب ويعزز الروابط ويستثمرها تتطلب قدرا لا يستهان به من معرفة هذه القواعد التي ذكرناها سلفا.

إن السمعة التي حظيت بها بلاد شنقيط في العصور الماضية ملأت الدنيا وعمت الآفاق حيث عرفت بالعلم والزهد والكرم. فلم يكن العلماء الشناقطة الذين سافروا الي أصقاع بعيدة خصوصا في المشرق سوى سفراء فوق العادة مثلوا بلادهم أحسن تمثيل وقدموا عنها أفضل صورة ممكنة. وهو ما خلف رصيدا من الاعتبار والثقة والسمعة الطيبة استفدنا منه كثيرا حتي بات الشنقيطي يوضع موضع الإجلال والإكبار أينما حل في تلك الأمصار.
ولم يقتصر دورهم علي المستوي الثقافي بل كان لهم دور اقتصادي حيث مزجوا عملهم العلمي بامتهان التجارة مما كان له أثر بالغ علي تنمية المبادلات التجارية. وقد مكن ذلك من تعزيز الروابط وإعطاء صورة متكاملة تدرج أبعادا مهمة علي صعيد العلاقات الدبلوماسية.
ولا نتجني علي الحقيقة إذا قلنا إن الصورة الناصعة التي تولدت جراء ذلك حولت البلد الذي عرف بشنقيط من قبيل إطلاق الجزء علي الكل من دولة في الأطراف الي دولة مركز. وتلاشت صورة علقت بنا حين احتسبنا بعض الأشقاء ذات وقت دولة هامش تابعة لا تؤثر لنصبح دولة حاضرة حسنة الذكر شعبها طيب الأعراق.
وقد استطاعت الدولة ما بعد الاستقلال أن تستثمر هذا الواقع حين قامت بادراج العلماء بل الاعتماد عليهم في مواطن كثيرة في الحملة الدولية التي قامت بها وهي الدولة الفتية التي تصارع في محيط قوي تتنازعه تيارات وقوي إقليمية عملاقة. ورافق ذلك بناء دبلوماسية عصرية كان لها دور مهم في التأسيس لحضور فعال خصوصا علي المستوي العربي والإفريقي.
بيد أن هذا الوضع لم يستمر طويلا حيث تراجع دور الدبلوماسية الموريتانية خلال العقود الماضية حتى كادت تنسي. وبلغ الأمر حدا أصبحنا سخرية لحد أن البعض أصبح يتهكم علينا. فلا ننسي المقولة التي بات الجميع يرددها وهي أن موريتانيا الغائب الذي لا ينتظر وإذا حضر لا يستشار.
وفي العهد الجديد وبالتحديد خلال الأعوام القليلة الماضية بدأت هذه الصورة تضمحل وتتراجع حيث أصبحت موريتانيا عكسا لتلك المقولة الدولة التي إذا غابت تنتظر وإذا حضرت يؤخذ برأيها. بل وأكثر من ذلك تأحذ القيادة وتقود المساعي ويعول علي حنكتها ووزنها في معالجة العديد من القضايا الإقليمية والدولية.
ولعلنا نتذكر جميعا  أن موريتانيا هي التي قادت مجموعة الرؤساء الأفارقة للتدخل في الأزمة الليبية كما قادت مجموعة المفاوضين في الأزمة الإفورية وقادت موريتانينا  مؤخرا الوساطة في الأزمة المالية.
كما أن رئاستها للاتحاد الإفريقي تعد هي الأخرى نقطة مضيئة في تاريخ القارة الإفريقية بشكل عام.
وبذلك قلدت القارة موريتانيا وسام الدفاع عنها وسلمتها زمام أمرها فيما يمنح شهادة عرفان بأهمية البلد ووزنه وما تتمتع ب هبه قيادته من حكمة وتبصر.
واستعادت الدبلوماسية ألقها ونشاطها وفاعليتها المطلوبة خدمة لأرض شنقيط وموطن سفراء العلم والمعرفة ورسل المحبة والتسامح.
وإذا كانت موريتانيا قد أصبحت تحتل مركزا متقدما علي صعيد الدبلوماسية الناجحة فإن من واجبنا أن نعمل علي أن تنصهر جهودنا جميعا من أجل أن تظل هذه الصورة التي تشرفنا جميعا مشرقة تزداد وتتأصل بما فيه سمعة ورفعة بلدنا. ولن يتم ذلك إلا حين يلعب كل منا دوره فيما يخدم المصلحة العليا.

24. ديسمبر 2014 - 10:41

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا