مُعالَجَةُ..ثم مُعاجَلة في شأن التعليم / حمزه ولد محفوظ المبارك

التعليم في كل البلدان و في كل المجتمعات التي تحترم الإنسان و تهتم ببناء الأوطان , هو الركيزة الأهم و الميدان الأقدس الذي منه يتأسس أي عمل يراد له البقاء , فبالتعليم فقط يمكن طي المسافات البعيدة و جني الثمار العديدة , و ترسيخ القيم الرشيدة , به تعلو مراتب الأمم و يَسْحَقُ الحق الباطل

, و يحل العدل محل الظلم , و الإنصاف محل الغبن , و الإنتخاب محل التمييز , و الدولة محل القبيلة و العشيرة , و الوطنية محل الحزبية الضيقة ......

كل الأمم التي راهنت على اكتساب العلوم في نهضتها و تأسيس كيانات دولها , أطلت على العالم في ظرف وجيز بزينة العلم و ألقه و شرفه , و حصنت أنفسها من ويلات الجوع و المرض و التسكع في المحافل الدولية , فأصبحت قرارات مصالحها بأيديها و بوصلة سياساتها على أراضيها عزيزة كريمة .

التعليم ميدان مهم و خِصْبٌ , يغري بالكتابة و البحث و النقاش خاصة أصحاب الميدان الذين خَبِروه و مشواْ فيه و ضحواْ و أعطواْ من أعمارهم و عقولهم و أجسادهم ما يليق بهم كمربين و معلمين , فلن يعدم الميداني فيه استرسالا بشأن المكانة و الواقع و المشاكل و المعيقات العضوية و المعنوية في بلادنا ,

إن المعوقات الحقيقية التي جعلت التعليم في بلادنا يتقهقر منذ ما يزيد على عقد من الزمن هي في حقيقتها أكبر و أعظم مما يتصوره البعض , فالتعليم ليس عملية ميكانكية  جامدة , و لا كرونومترية مجردة , أو مُحاسبية نقدية  ...! ميدان التعليم لا ينبغي أن يكون ملجئاً أو ملاذا للفاشلين في الأرض ممن لفظتهم حجرات الدرس , و لا مَكَباً للمعقدين و المرضى نفسيا و المشوهين عقليا !

التعليم يجب أن يكون مقدسا , محرمة أرضه على الفاشلين و الساقطين و أصحاب العلل و العاهات العلمية و المعنوية , و أصحاب التشوهات الفكرية و النفسية , محرمة أن يطأها جاهل بمقام مدرس أو معلم أو مدير , لأن الخلط الذي دَرَجْنا عليه و استوطن مدارسنا قد أصاب عامة المجتمع بِبَلَهِِ تضيع فيه حقوق العامة و الخاصة على حد السواء .

التعليم مهنة مقدسة , مهنة الرسل و الأنبياء , يجب أن يُخْتارَ لها مُصْطَفين من خيرة المجتمع علما و نبلا و سموًا و قناعة و اقتناعا , لأنهم القادرون وحدهم على تربية الناس و تعليمهم الخير و تنوير دروب الحياة لهم دون خيانة و لا تقصير و لا اعتصار للوجع و لا حياكة للألم و لا تطريز للمظالم ....!

و من أجل ذلك فإنه على أي كيان يريد النهوض بنفسه و أن يصنع مكانة تليق بشرف آدميته أن يسعى لإصلاح بناءه التعليمي , خاصة ما يتعلق منه باعداد المدرسين الذي يبدأ أولا بانتخابهم و اختيارهم بعناية و حيطة و حذر , لأن أي خطأ نرتكبه في اختيار مدرس واحد لا يصلح للرسالة يكون بمثابة زرع عضو فاسد في جسم مريض أصلا , ولذلك يكون من البديهي جدا أن يُختار من المجتمع خيرته علما و سلوكا و نزاهة لتولي هذه المهمة , فَتُلْقى على عواتقهم أمانة اختيار مدرسين أصحاء أكفاء من ذوي العقول الراجحة و الأفهام السليمة و النفوس الصقيلة ....

ثم إن مرحلة الإختيار الجيد لا بد أن يشد أزرها بالتكوين و الإعداد المتمكن لهؤلاء المختارين , ما يُحَتِّمُ علينا تهيئة دورِِ للتكوين تتلائم و حاجيات المُكَوَنين , فنعتني ببنيتها التحتيىة و مرافقها السكنية و برامجها التعليمية و وسائلها الخدمية التي يجب أن يُعنى بها أكثر الناس كفاءة و مواظبة و تحملا للمسؤولية , حتى يكون للتكوين معنى و لفائدته رسوخا و قابلية للوصول للناشئة من بعد .......

و أثناء مراحل التكوين ينبغي أن تتم متابعة الجميع و تمحيص القدرات و المهارات و تشجيع الإسثناءات العبقرية و توجيهها و الإعتناء بها بما يليق و الإستفادة منها في مجالات الإبداع المناسبة , حتى لا يخرج لعيان التدريس إلا من أفرزتهم تلك الممحِّصاتُ و الموجِّهاتُ ذاتُ البصيرة .

و في مرحلة ما بعد التكوين يجب أن تظل المتابعة قائمة و ذات قيمة يحس فيها المُجِدُّ بقيمة تميزه و المفرط بحرارة عجزه , فالتمايز في سلم الترقية يجب أن يخضع للكفاءة و الإلتزام و العطاء بعيدا عن المحددات التي درجت عليها مؤسساتنا التعليمية كعامل الأقدمية التي لا تعكس لوحدها حقيقة التميز في أي قطاع كان !

ما لم نحقق وجود معلم من معدن نفيس و من منبع طاهر و طينة شريفة يضيء طريق الهداية للناس , يصطحبهم إلى مراتب الخَلْقِ و الإبداع , يعلمهم صنعة الحياة و معالم الطريق و فنون الترشيد و الإستقامة على أداء الواجب و حفظ الامانة ........ فإن الحديث عن التعليم و مشاكل التعليم سيظل قائما بل و مُلحًا و أقرب إلينا من شِراكِ النعل ,  لأن وجع التعليم يصيب الجميع و يطال الجميع و يسوء الجميع .....!

التعليم في بلادنا يحتاج لمعالجة أساسها في المقام الأول المعلم نفسه , انتفاؤه و اختياره و اصطفاؤه , ثم إعداده و تكوينه و تهيئة الأرضية الصالحة لأداء أمانته , ثم بعد ذلك يكون من الجائز الحديث عن معاجلته بتلبية متطلبات الحياة التي تخوله الثبات على العهد بالبيعة التي في عنقه .

2. مارس 2015 - 0:01

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا