عفوا.. المغرب، والجزائر موريتانيا ليست مع، ولا ضد / سعدبوه ولد الشيخ محمد

تشهد العلاقات الموريتانية الجزائرية هذه الأيام مرحلة من التوتر غير المسبوق، على خلفية الطرد المتبادل للدبلوماسيين، كانت موريتانيا البادئة به، ولئن كانت خطوة سحب الدبلوماسيين تعتبر إجراء متعارفا عليه في الأعراف الدبلوماسية، ولا يعكس توترا في العلاقات بين الدول، بقدر ما يعبر عن

تذمر من تصرف شخصي، إلا أن هذه الحالة تبدو مختلفة، ولها تداعيات قد لا تكون في حسبان البلدين، وذلك لعوامل أبرزها:
إدارة الملف من أعلى هرم في السلطة في البلدين.. ففي موريتانيا من المعلوم أن ملف العلاقات الخارجية يديره رئيس الجمهورية شخصيا، وأي موقف، أو خطوة في هذا المجال لابد أن تكون صادرة عن الرئيس الموريتاني، ما يعني صعوبة التراجع عنها، أو نقضها.
ثانيا: العامل المغربي.. من المعروف أن موريتانيا ظلت منذ استقلالها تحافظ على علاقات متوازنة مع المغرب، والجزائر، رغم صعوبة ذلك في بعض المواقف، لسبب بسيط وهو أن كلا من الجزائر، والمغرب لا تريدان أن تقتنع بأن موريتانيا دولة مستقلة، لها كامل السيادة، والندية مع الدولتين، وليس بالضرورة يجب أن تظل محصورة بين الولاء للمغرب، أو الجزائر، ضمن منطق " من ليس معنا فهو ضدنا" فموريتانيا لا تسعى لإغضاب الجزائر، ولا لإرضاء المغرب، بل تسعى لأن تكون هي الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
فلو أن الدبلوماسي الذي طلبت منه الخارجية الموريتانية مغادرة انواكشوط من دولة أخرى غير الجزائر لمرت المسألة بسلام، كإجراء دبلوماسي عادي ومألوف، لكن لحساسية العلاقة بين الجزائر، والمغرب بدأت وسائل الإعلام في الدولتين استغلال هذا الموقف الموريتاني لتعميق الأزمة بين موريتانيا والجزائر، لكن ما يجب على المملكة، والجمهورية أن يعرفاه هو أن موريتانيا لا يمكنها أن تراجع مواقفها تحت ضغط الجزائر، وغضبها، ولا يعقل أن تنجر موريتانيا لموقف غير محسوب بفعل نشوة الفرح المغربية من هذه الأزمة بين الجزائر وموريتانيا.
إن الدبلوماسية الموريتانية، أو بالأحرى الرئاسة في موريتانيا أمام اختبار حقيقي، وصعب، إذ يجب عليها أن تعيد المياه إلى مجاريها مع الجزائر، دون إذلال، أو تنازل عن السيادة، ويجب كذلك أن تظل العلاقة مع المملكة المغربية متميزة، دون الانجرار لحسابات " الإخوة الأعداء" المغرب، والجزائر.
ويبدو أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز اتخذ بالفعل أولى الخطوات على المسار الصحيح، عندما استدعى ممثلي النقابات، والروابط الصحفية، وحذرهم من خطورة تنفيذ أجندات دول أجنبية على حساب المصلحة الوطنية، وهي رسالة - لا شك - ستصل سريعا، ويتردد صداها داخل البلاد، وفي بعض الدول الأجنبية، فلأول مرة يتحدث رئيس موريتاني بهذه الصراحة عن تدخلات دول في الشأن الموريتاني.
إن مشكلة بعض الصحفيين الموريتانيين تكمن في كونهم لا يميزون بين الموقف من قضية داخلية، وقضية خارجية، فمثلا إذا هاجم صحفي ولد عبد العزيز، أو امتدحه، أو انتقد المعارضة، أو أيدها، أو أعرب عن رفضه لقرار من الحكومة فهذا يختلف تماما - من حيث التداعيات- عن ما إذا انتقد دولة أجنبية، أو طالب بقطع العلاقات الدبلوماسية معها، أو أعرب عن تأييده لسياساتها تجاه موريتانيا مثلا، فكم من علاقة بين الدول قطعت بسبب مقال صحفي، وكم من حروب اندلعت بسبب التجييش الإعلامي، والدعاية المغرضة، والإعلام الموجه.
أنا هنا لا أتهم أحدا في وطنيته، ولا أشكك في حبه لبلده، لكن آن لنا أن نقولها بصراحة: إن الأسفار المتكررة إلى بلدان خارجية، والاجتماع بمسؤولين أمنيين، وسياسيين من تلك الدول، ثم العودة بأجنداتها، وتسويقها داخل موريتانيا ليس ذلك من حرية الصحافة، حتى لا أقول ليس من " الوطنية" في شيء، لأن صحافتنا عليها أن تهتم أكثر بالقضايا الوطنية الداخلية، بمختلف تشعباتها، وأن تقول فيها ما تريد، وتترك العلاقات الخارجية لموريتانيا للحكومة، والرئيس ليديروها، فهم الأقدر على اتخاذ ما يلزم، ولا نريد أن يكون لدول خارجية بعينها سفراء رسميون معتمدون، وسفراء من صحافتنا غير معتمدين، فمن يريد السفارة، عليه أن يكون سفيرا لبلده، مدافعا عن مصالحه العليا، محافظا على سيادته، واستقلالية قراره.
إنه ينبغي لنا أن ننتبه إلى أن احتلال الدول بالجيوش لم يعد مقبولا دوليا، والمواجهة الثقافية، والإعلامية المكشوفة معها ما عادت ممكنة، ولا مجدية، والسبيل الوحيد للتأثير في الشعوب، وتوجيه القرار السياسي في بلد ما هو الصحافة، أو الإعلام، وهنا تكمن الخطورة، وعلينا أن نتأسى بما يفعله الصحفيون في جميع أنحاء العالم، فعندما ينشب خلالف بين دولتهم، ودولة أخرى، ينحازون تلقائيا لموقف حكومتهم، ويدافعون عنه، حتى دون الاقتناع به، وعندما تنتهي الأزمة حينها تحل ساعة الخلاف، والانتقاد، والتقييم، ومن هنا فإنني شخصيا أبدي كامل دعمي، ومساندتي لأي موقف تتخذه الجمهورية الإسلامية الموريتانية بخصوص موضوع العلاقة مع المغرب، والجزائر، وإذا كان لابد من
" العمالة" فأنا " عميل" لوطني، ووطني فقط، مع احترامي للجميع، وتقديري لأهمية العلاقة بين موريتانيا وكل الدول العربية، والإسلامية

28. أبريل 2015 - 16:21

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا