الملاحدة الجدد بين الجهل والضياع الحلقة (14) / المرابط ولد محمد لخديم

إذن نستنتج انه من الخطأ الفادح والغلط الكبير أن تطبق الطريقة العلمية في بحث وجهة النظر في الحياة، أي ما يسمى ـ (بالإيديولوجية)، أو ما شاكل ذلك من الأبحاث، وعلى هذا لو تعارضت نتيجة عقلية مع نتيجة علمية عن وجود الشيء تؤخذ الطريقة العقيلة حتما وتترك النتيجة العلمية

 لأن القطعي هو الذي يؤخذ لا الظني.
إلا أن الطريقة العلمية أهم ما فيها أنها تقتضيك إذا أردت بحثا أن تمحو من نفسك كل رأي وكل إيمان لك في هذا البحث الذي تبحثه. وان هذا هو الذي يجعل البحث سائرا في الطريقة العلمية، وعلى هذا الأساس يقولون: إن هذا البحث بحث علمي وهذا البحث يسير حسب الطريقة العلمية. والجواب على هذا هو أن هذا الرأي صحيح، لكنه ليس علميا، ولا هو يسير في الطريقة العلمية. بل هو عقلي ويسير في الطريقة العقلية. وذلك أن الموضوع ليس متعلقا بالرأي بل متعلق بالبحث.
فالبحث العقلي يكون بنقل الواقع بواسطة الإحساس إلى الدماغ، والبحث العلمي يكون بواسطة التجربة والملاحظة. هذا هو الذي يميز الطريقة العقلية عن الطريقة العلمية فكون الخشية تحترق، يكفي في الطريقة العقلية أن يحس باحتراقها، ولكن في الطريقة العلمية لا بد أن تخضع للتجربة والملاحظة حتى يحكم بأنها تحترق. فأهم ما في الطريقة العلمية هو التجربة والملاحظة وليس الرأي أو المعلومات.
وأما الرأي السابق أو الإيمان السابق واستعماله عند البحث أو عدم استعماله، وتدخله في البحث أو عدم تدخله فان سلامة البحث وصحة نتيجة البحث تقتضي من الباحث التخلي عن كل رأي سابق للموضوع، أي تقتضي التخلي عما في ذهنه من آراء وأحكام عن الموضوع الذي يجري بحثه حتى لا يؤثر عليه في البحث ولا يؤثر على نتيجة البحث(44)  إلا أن هذه الآراء التي يجب أن يتخلى عنها عند البحث ينظر فيها، فإن كانت آراء قطعية تثبت بالدليل القطعي الذي لا يتطرق إليه ادني ارتياب، فإنه لا يصح ان يتخلى عنها ولا بحال من الأحوال إذا كان البحث الذي يبحثه ظنيا، وكانت النتيجة التي توصل إليها ظنية، لأن القاعدة انه إذا تعارض القطعي والظني يؤخذ القطعي ويرد الظني. لذلك لا بد أن يتحكم القطعي بالظني. أما إذا كان البحث قطعيا والنتيجة التي يتوصل إليها قطعية، فانه في هذه الحال لا بد أن يتخلى عن كل رأي وكل إيمان سابق. فالتخلي عن كل رأي سابق أمر لا بد منه لسلامة البحث وصحة النتيجة، إلا أنه إن كان البحث ظنيا فإنه لا يصح أن يتخلى عند بحثه له عن الآراء القاطعة والإيمان الجازم. ولكن لا بد أن يتخلى عن كل رأي ظني سابق في الموضوع.
وهذا لا فرق فيه بين الطريقة العقلية والطريقة العلمية. , لأن آفة الأبحاث إنما هي في تدخل الآراء السابقة في البحث كاستخدام بعض العلماء ” لمناهج غير علمية للوصول إلى حقائق علمية (45)
وأما المسألة الثانية فهي الموضوعية:
فالموضوعية ليست التخلي عن كل رأي سابق فحسب، بل هي حصر البحث في الموضوع الذي يبحث إلى جانب التخلي عن كل رأي سابق. فحين يبحث في سياسة الصناعة لا يصح أن يتطرق لهذا البحث أي بحث آخر ولا أي شيء آخر ولا أي رأي. فلا يفكر بالأسواق، ولا بالربح، ولا في الأخطار, ولا في أي شيء غير سياسة الصناعة للدولة. وحين تبحث في استنباط الحكم الشرعي لا يصح أن تفكر في المصلحة، ولا في الضرر ولا في رأي الناس، ولا في أي شيء غير الاستنباط للحكم الشرعي، وهكذا كل بحث لا بد ان ينحصر الذهن في موضوع البحث. فالموضوعية ليست استبعاد الرأي السابق في الموضوع فحسب، بل هي إلى جانب ذلك حصر البحث في الموضوع نفسه، وإبعاد أي شيء آخر عنه، وحصر الذهن في الموضوع البحوث فقط. وعلى هذا فإن الطريقة العقلية وحدها هي التي يجب أن يسير عليها الناس. و أن الأسلوب المباشر هو الأسلم للسير عليه، وذلك حتى يكون التفكير صحيحا، وتكون نتيجة التفكير اقرب إلى الصواب فيما هو ظني، وقاطعة بشكل جازم فيما هو قطعي, لأن المسالة كلها متعلقة بالتفكير. وهو أثمن ما لدى الإنسان، وأثمن شيء في الحياة..
والسؤال الذي يطرح نفسه أي من الديانات السالفة الذكر يخضع لهذه الطريقة؟
لنلخص القواعد العلمية السالفة الذكر ونتناول المسائل من ابرز جوانبها أو فحصها حيث لا يختلف فيها نظر ولا يضل عنها فهم؛
1) الكلام صفة لنفسية المتكلم: أي أن لإنسان كلما أفاض في الكلام وتحدث تتجلى مظاهر نفسيته وخصائصها في كلامه.
2) الطريقة العلمية: وهي الملاحظة والتجربة والاستنتاج وهي تفرض على سالكها التخلي عن جميع الآراء السابقة عن الشيء الذي تجري عليه التجربة، كما أنها تفرض عليه إخضاع هذا الشيء أو هذه المادة لظروف وعوامل غير ظروفها وعواملها الأصلية. وبالتالي لا يمكن أن تكون أساس للتفكير بل تصلح أن تكون فرعا من أصل.
3) الطريقة العقلية: هي الملاحظة والاستنتاج وهي الوحيدة التي تصلح ان تكون أساسا للتفكير. والعقل: هو إحساس, وواقع, ومعلومات سابقة, ودماغ.
فالإحساس جزء جوهري من مقومات العقل, فإذا لم يحس الإنسان بالشيء لا يمكن لعقله أن يصدر حكما عليه, لان العقل مقيد حكمه على الأشياء بكونها محسوسة, ويستحيل عليه إصدار حكم على غير المحسوسات.
إلا أن العقل لا يمكن أن يستقل بالمعرفة ولا أن يهتدي إليها إلا إذا صحبة في تطوافه إلى تلك الغاية قلب يتلقى عنه كل مدركاته فيحيلها عواطف وأحاسيس تشبع في النفس روعة وجلالا. أي أن الإنسان هو عقل وعاطفة، وهذا ما يسمى بالفطرة الإنسانية (فهي ليست عقلا صرفا ولا عاطفة محضا، وإنما هي مزيج من العقل والعاطفة إذا التقيا فلم يطغ احدهما على الآخر كانت الفطرة سليمة.
إلا أن قائد المسيرة هو العقل وليس العاطفة، فالعاطفة هي مشاعر ملتهبة فلا تصلح للقيادة علاوة على كونها تلتهب بسرعة وتنطفئ بسرعة، فالقيادة يجب أن تعطى للعقل لا للعاطفة فانصراف الإنسان إلى العاطفة وحدها يجعله سائرا في الحياة دون ضابط، وانشغال المرء بالتفكير وحده يفقده القدرة على الصمود في الحياة، لأن العاطفة هي المحرك، والعقل هو الموجه، فإذا وجدت الحركة دون توجيه وقيادة، قد تأتي كحركة مدمرة، وإذا وجد التوجيه دون محرك أو دون حركة يكون مجرد توجيه منقطع عن المحرك وعن الحركة فلا يؤدي إلى نتيجة(46). لذا فلا بد من إستخدام العاطفة والعقل معا حتى تكون الفطرة سليمة، وبها ينتاول لانسان الأشياء بعقله, وينفذ اليها ببصيرته ليعرف حقيقة كل شيء من أين جاء؟وكيف صار؟ والى ماينتهي؟ كما تقدم آنفا في البحث عن دين يطمئن اليه عقله وتستريح به نفسه. فما هو هذا الدين الذى تنشده الانسانية؟!

15. يوليو 2015 - 10:33

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا