دعوا لخاتم النبيئن أصحابه / محمد يحيى بن محمد بن احريمو

اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه. 
تابعتُ بعض مجريات النقاش الدائر في موضوع " الموقف من الصحابة" رضوان الله عليهم، وهو نقاش ما كان له أن يقع في هذه البلاد التي عرف أهلها بالتمسك بالسنة وإجلال الصحابة 

وتعظيم آل البيت المطهرين، غير أن موجة التشيع  التي تطاير شررها قد أدت بعض الموريتانيين للأسف إلى الخروج عن سبيل الجادة والتعلق ببعض الشبهات الواهية. كما أن لموضة الإلحاد هي الأخرى تأثيرا في الموضوع فهناك من يسر حسوا في ارتغاء فيتخذ من بحث موضوع ما جرى بين الصحابة مدخلا للطعن في الإسلام على طريقة المستشرقين، وإن زعم ان ذلك بدافع علمي موضوعي. وقد اطلعت على مقال الأستاذ الفاضل أحمد بن أبي المعالي وهو نفيس في بابه  وفيه كفاية لمن أنصف وتجرد.
والحقيقة أن التشيع بدعة باردة قوامها الكذب والنفاق وهي بعيدة جدا عن الفطرة يبعد على من لم يترب عليها من صغره أن يقتنع بها.  .وقد قال بعض العلماء: إنه لم يسمع بمثل بدعة الروافض في أتباع الديانات السابقة رغم ما وقعوا فيه من تحريف وتصحيف، فلو سئل اليهود والنصارى من خير الناس لقالوا : أصحاب موسى وعيسى . ولو سئل الروافض عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لجزموا بكفرهم!

    إن النصوص الواردة في تفضيل الصحابة رضوان الله عليهم، والتنويه بمقامهم العالي وتبرئتهم مما ينسبه الشيعة إليهم من كفر ونفاق  قطعية الثبوت قطعية الدلالة ، تجمع بين التواتر والصراحة فهي بذلك حاسمة في الموضوع .
فمنها قوله تعلى: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) إلى قوله تعلى : (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)، وهذه الآية للعلم نزلت بعد صلح الحديبية فهي شاملة لمن أسلم يومئذ، وقد استدل بها مالك على كفر من وجد في نفسه غيظا وبغضا للصحابة من باب الاستدلال بمفهوم العلة، وهو استدلال قوي تؤيده قرينة السياق.
ومنها قوله تعلى : (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) وقوله تعلى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) .. ومنها حديث أبي سعيد الخدري قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " . متفق عليه.
فهذه النصوص كما قلنا صريحة  حاسمة في الموضوع لتواترها  وتضافرها على نفس المعنى. وقد قال علماء الاصول الشاطبي والمازري وغيرهم: إن العمومات التي تتكرر في القرآن والسنة وترد في غير ما سياق، لا تقبل المجازَ ولا يجوز فيها تخصيصٌ ولا تقييدٌ لتأكيدها وجريانها مجرى المثل. ومثل الشاطبي لذلك بالنصوص الواردة في الأمر بالعدل والنهي عن الظلم والفحشاء فهل سمعتم بمخصص له.؟! مثل قوله تعلى : (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). هذا علاوة على كون هذه النصوص هي في الغالب إخبار برضوان الله على الصحابة وسابق عنايته بهم،  ووعد لهم  بالدرجات العلا في الجنة، والأخبار ليست مجالا للنسخ ولا التبديل فالنسخ لا يجري إلا في الأحكام ، ومن زعم خلاف  ذلك فقدجازف ونسب الشارع لما لا يليق، نسأل الله السلامة والعفو والعافية.
ولتواتر هذه النصوص وصراحتها لم يجد خصوم الصحابة رضوان الله عليهم فيها مطعنا سوى بعض التأويلات البعيدة التي لا تتماشى مع مقتضيات المناهج العلمية بل هي تعطيلٌ للنصوص وتلاعبٌ بها، مثل القول إن حديث : وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر اعلموا ما شئتم ... خاص بحاطب أبي بلتعة كما قاله بعضهم أخيرا وهيهات هيهات !!
                              
  أن هذا الفضل العظيم الذي ناله الصحابة رضوان الله عليهم له سر عظيم لا يعقله إلا العالِمون وذلك أن جميع أعمال الأمة بعدهم إلى يوم القيامة في ميزان حسناتهم، كما أن أعمالهم هم ومن جاء بعدهم في ميزان حسنات النبي صلى الله عليه وسلم وهكذا... وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : " من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا" رواه مسلم وغيره. وهذا المعنى مفهوم من عدة آيات قرآنية منها قوله تعلى: (وَالْأَرْضِ لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى) وقوله تعلى في بيان الجانب السلبي للموضوع :  (لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) وقد أشار له النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: " وما يدريكم ان الله اطلع عليه أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم " مع ضميمة قوله يوم بدر: " اللهم أن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض بعد اليوم "! فقد نبه صلى الله عليه وسلم في الحديث الأول على أن أهل بدر بنصرتهم الإسلام في ذلك اليوم نالوا درجة عليا وحسنة عظيمة ترجح بكل ذنب. وكذلك وقوله صلى الله عليه وسلم : " لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه "، فقد نبه على أنه لا مطمع في اللحاق بهم لمن بعدهم للأن أجر العامل منهم في ميزان الصحابة . وقد بين ابن القيم وغيره أن الحسنة الكبيرة تدفع كل سيئة عملا بقوله تعلى: ( إن الحسنات يذهبن السيئات). وللعلامة الأجل محمد عالي بن عدود ناظما كلام محمد  بن عبد الباقي الزرقاني في   "شرح الموطأ " وغيره من شراح الحديث حول المعنى المتقدم:
وكلُّ أجر حاصلٍ للشهدا  *** أو غيرهم كالعلماء والزُّهَدَا
حصل للنبـي مثله على  *** أجور ما كــــــان النبي فَعَلا
معَ مزيد عدد ليس يُحدْ *** وليس يُحصي عدّه إلاّ الأحدْ
إذ كل مهـتدٍ وعاملٍ إلى  *** يوم الجزاء شيخه قد حصلا
له من الأجر كأجر العاملِ  *** ومثل ذا من ناقص أو كامل
وشيخ شيــــخه له مثلاهُ  *** وأربعٌ لثـــــــــــــــالثٍ تلاهُ
وهكذا تضعيف كلِّ مرتبهْ  *** إلى رسول الله عالي المرتبهْ
ومن هنا يعلم تفضيل السلف**** وسبقهم في فضلهم على الخلف.
وقد أورد هذه الأبيات تلميذه الشيخ محمد بن أبي مدين الديماني في كتابه: " الصوارم والأسنة في الذب عن السنة" .
فبان بهذا أن موقف أهل السنة من الصحابة  - رضوان الله عليهم -  ليس  من باب التقديس الأعمى والادعاء الباطل  بل هو إعمالٌ  للأدلة الشرعية وتقيُّدٌ بمقتضيات  سبقهم إلى الإيمان وأدائهم  في الجهاد والدعوة في مرحلة " التأسيس " التي كان لها ما بعدها   إذ لولاها  لم تبق لدين الإسلام باقية.  فلهذا  جعل الله أعمال المسلمين في ميزان حسنات هذا الجيل المؤسسس  إلى يوم القيامة ! فويل لمن كان هؤلاء خصماؤه !
لقد  رأى علماء السنة الإمساك عما جرى بين الصحابة رضوان الله عليهم، من غير أن يعتقدوا فيهم العصمة ورأوا أنهم جميعا مجتهدون في ذلك، وأنه إن قدر حصول أخطاء من بعضهم  فهي  مغمورة  في جانب حسناتهم التي لا تزال في ازدياد ما عُبد الله في هذه الأرض. وقد لخص شيخنا محمد عبد الله بن الإمام الجكني   رحمه الله موقف أهل السنة من المسألة في أبيات جميلة يقول فيها:
أبو بكر الصديق خير خليفةٍ *** رعى المصطفى حيا وبعد مماته
وأوصى إلى الفاروف بالأمر بعده *** فقام بعدل لانقضاء حياته
وبويع ذو النورين والفضل بعده *** فمات شهيدا مظهرا لصلاته
تسوَّر أجلاف عليه تألبوا *** فآثر صبرا من جميل تُقاته
وقد كان منصورا عليهم لو ابتغى *** لعزته في قومه وثباته
فبايع أهل الحل والعقد بعده *** وكان حريا من جميع جهاته
الإمام عليا مرتضى لصلاحه *** وجودته رأيا وطول أناته
بتأخير أخذ الثأر والصوب رأيه *** أقول لهذا مرغما لنفاته
إلى أن يتمَّ الأمر ثم يحاكموا *** ليجمع أمر الناس بعض شتاته
ونجلُ أبي سفيان ذو العلم والتقى *** وذو الحلم كان العزم بعضَ صفاته
رأى أن تأخير العقاب مجرئ *** على مثل هذا الأمر بعض جُناته
وكل أراد الحق لا غير فانثنى *** بأجر عظيم شافع لنياته
حذارِ من الظن الخبيث بصحبة *** كرام رعاة الدين خير حماته
حباهم إله العرش صحبةَ أحمدٍ *** ونالوا جميع الفضل من بركاته
وزكاهم خير الأنام موصيا *** بحرمتهم حيا وبعد مماته
عليه من الرحمن ثم عليهم *** سلام عظيم شافع لصلاته .

 

25. يوليو 2015 - 19:01

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا