أوقفوا الإرهاب الفكري في موريتانيا !! / سعدبوه ولد الشيخ محمد

تشهد الساحة الإعلامية في موريتانيا منذ فترة تناميا لظاهرة السب، والسب المُضاد، والقدح، والهجاء، الذي أصبح وسيلة يستخدمها البعض لفرض رأيه، أو إثبات صواب موقفه، وإفلاس حُجة خصمه، حتى غابت الحقيقة – أو كادت – في خضم ما بات يُعرف ب" الإرهاب الفكري"

الذي يجعل القارئ مُنشغلا بمراقبة أي الكُتاب سيكون له السبق في إفحام خصمه، ليس بالمنطق، ولا بالحُجة، والأدلة الدامغة، بل بذكر أكبر قدر ممكن، ومُتخيل من قوادحه الخلقية، والخُلقية، وكأن ذلك وحده هو المعيار لرجاحة الرأي، وسلامة الطرح، ووضوح الرؤية.

وكما أن لدينا نجوما برزوا في الفقه، والشعر، والغناء، أصبح لدينا كذلك نجوم في الهجاء، والقدح، والشتائم، ربما ينالون لقب " الإمارة" بجدارة، لو نُظمت أي مُسابقة شفافة في هذا الغرض الشعري المهجور – أعني الهجاء- .

إن أقبح شيء في الكاتب هو أن تُعميه الرغبة في الانتقام عن الحقيقة، ويُطلق العنان لخياله، ولسانه، وقلمه، ليكتب كل خصال الشر عن خصمه، أو مُعارضه، ويظن بذلك أنه يُسجل أهدافا في مُباراة الكل فيها خاسر في الحقيقة، فليس من شيم العرب التعيير، أو الذم بالصفات الشكلية، الخلقية، من قصر، أو بدانة، أو نحافة، أو برص...الخ ثم إن عليكم – معشر الكُتاب- أن تُدركوا أن القارئ لا ينظر إلى شكلكم، وصوركم، وإنما إلى إبداعكم، وإنتاجكم، وأفكاركم، فكم من مُقعد حقق ما عجز عنه الأقوياء، وكم من أعمى أنجز ما أعيى المُبصرين، لأنها " لا تعمى الأبصار ولكن تعمى
القلوب التي في الصدور" صدق الله العظيم.

إن التركيز على العيوب الشخصية في الخصم، والاهتمام بالقائل، بدل القول، يعكس – بنظر الخبراء النفسيين – عجزا عن مُقارعة الحُجة بالحُجة، وهروبا إلى الأمام، و" شر الناس منزلة يوم القيامة من يتقيه الناس مخافة لسانه" و" المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" .

إنه لأمر مُحزن أن تجد مقالا، بعنوان براق جذاب، تفتحه، فتقرأ بضع صفحات من "وورد" فلا تكاد تخرج برأي واضح، أو فكرة بارزة، أو خلاصة مُفيدة، أوله شتائم، ووسطه هجاء، وختامه تُهم، وتحذير للخصم، وكأننا في حرب معنوية ضارية.

نعم يا كُتابنا المحترمين أنتم فعلا بحاجة لنقد بناء، أو بناء النقد – بالأحرى- بدل هذه المُرافعات العقيمة، السفسطائية، التي لا تُقر حقيقة، ولا تُوقر كبيرا، ولا ترحم صغيرا، فليس كل من استعرض عضلاته اللغوية في نسج جُمل الهجاء يُسمى كاتبا، ولا كل من فتش في قواميس لغة العرب ليستخرج أقبح النعوت، والأوصاف يُدعى مُثقفا، لا، وألف لا، فما هكذا تكون مقالات الرأي، ولا التحليلات الصحفية، ولا التقارير.

إن الخطير في تنامي ظاهرة " الإرهاب الفكري هذه" هو أنك لا تجد من يقول لهؤلاء:

" كفى" أوقفوا هذا الهُراء، بل إن الكل يتفرج على الظاهرة، وكأنه يُتابع مشهدا من مسرحية هزلية، بل إن البعض بلغ به الخوف من هذا الإرهاب الفكري أنه لا يستطيع أن ينشر في موقعه الإلكتروني، أو جريدته مقالا ضد، أو مع هذا الكاتب، أو ذاك، خوفا من بطش لسانه، وقلمه.

إنه ليس من عادة مجتمعنا الموريتاني الأصيل تتبع العورات، بل إن تتبع الرخص مذموم عند الفقهاء، أحرى بتتبع العورات، والنيل من أعراض الناس، والتطاول على حريمهم، واتهامهم بكل قبيح، فاللهم إن كانت هذه هي الصحافة فإني أشهدك أني قد كفرت بها، وإن كانت تلك هي السياسة فإني لست من المُتسيسين.

إن على كُتابنا، وسياسيينا (مُعارضة، ومُوالاة) أن يُميزوا بين العام، والخاص، والمُباح، والممنوع، فانتقاد سياسة رئيس الدولة، أو أي مسؤول هو المُباح، بل والمطلوب أحيانا، بينما التعرض لحياته الشخصية، في نفسه، أوأسرته، أحرى تعييره بصفاته الشكلية هو من الممنوع، أما إن كان الشخص أصلا غير رئيس، ولا وزير، ولا مُوظف، فإن المنع يكون آكد، وآكد.

وفي خضم الإرهاب الفكري هذا تبرز ظاهرة تقييم المُستويات، والتشكيك فيها، ومن ثم الحُكم على أصحابها، فالكل بات يُنصب نفسه حكما، لتقييم المستوى العلمي، والمهني لخصمه، أو مُعارضه، وحتى لو كان هذا الخصم، أو ذاك المعارض يحمل أعلى الدرجات العلمية، والأوسمة فإن الخصم لا يتوانى بوصفه بالجاهل، والفاشل، ...الخ في تجاهل لقاعدتين أساسيتين من قواعد التقييم، الأولى هي " الحياد" فلا يمكن أن تكون خصما، وحكما في الوقت نفسه، والقاعدة الثانية هي أن يكون "المُقيم" أجدر معرفيا من " المقيم" وإلا يكون الحُكم تهما جزافا، لا قيمة لها.

فلنتصدى إذا بكل حسم، وحزم لظاهرة الإرهاب الفكري، قبل أن تستفحل في مجتمعنا، ويصبح لدينا زعماء، لا يقلون خطرا من أبي بكر البغدادي، زعيم تنظيم "داعش"، فإذا كنا حرصين على الدفاع عن أمننا، وأرضنا، فينبغي أن نكون أحرص على الحفاظ على أذواقنا، وقيم مجتمعنا.

26. يوليو 2015 - 11:40

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا