ما زالت عقلية "السيبة" مانعة عن التحول / الولي ولد سيدي هيبه

إن الإنسان المقهور في المجتمع المتخلف يحس بالغربة في بلده، يحس بأنه لا يملك شيئًا ، حتى المرافق العامة يحس أنها ملك للسلطة و المقربين منها، وليست مسألة تسهيلات حياتية له هو . ذلك ان الهوة كبيرة جدا بينه وبينها وان ما يستحقه من خدمات وتقديرات تُقدم له (إذا قدمت) كمنّة أو فضل،

 لا كواجب مستحق له. عندما يخرب المرافق العامة فهو يعبر عن عدوانيته تجاه المتسلطين.
مصطفى حجازي، التخلف الاجتماعي: مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور.
و تمر أحوال البلاد العصية على الحداثة، في العمق و في المظهر، شبه طبيعية على ما يتراءى للناظر "المحلق" في رتابة مجريات الأمور المعيشية و السياسية و لكنها في الصميم إنما تسير باتجاه مغاير على أحوال منذرة بفعل تراكمات و تداعيات أخطاء المسار الجزئية و المترابطة بكل أبعاده الاجتماعية و التنموية و التسييرية و السياسية و في مجمل ما يكون من معطى "الحكامة" بكل أوجه مظهرها و خفاياها منذ الاستقلال، و لكنها الجزئيات الجوهرية و المصيرية في صياغة نسيج ماهية الكيان؛ جزئيات لا تكاد يتوقف شلال نزيفها لحظة عن التشكل بركةً ساخنة من الدماء الفاسدة في أوصاله و إن في صمت المقابر الكاتم إلى حين قَدَر انفجارها الحامل فيروسات التمزق و الضياع.
و في هذا السياق يظل مسار الاقتصاد عبارة، مخجلة و مقيتة، عن استيراد واستهلاك منتوجات العالم الحي في الجوار المحاذي و من حولنا في القارات الأخرى بالأموال العامة التي لا تتجدد بعد الإهدار و الاستهلاك مقتطعة من مدخلات الدولة الحاصلة نتفا و بقسمة ضيزى من ثرواتها المعدنية ذهبا و حديدا و نحاسا و غيرها من المقدرات البحرية الهائلة و منها ما يكون من بترول استنفد أوله لحساب شركات عالمية لا تساوم على مصالحها و جيوب أنانية مدت أيديها من تحت طاولات الرشوة في مزاد نخاسة الأوطان. هي الوضعية المختلة التي تتجلى في كل عريها و إباحيتها من خلال جملة من الظواهر المقيدة و التي منها لا حصرا:
·        غياب شبه مطلق لأية وحدات تصنيعية أو تحويلية لبعض الثروات الخام الكثيرة و المتنوعة و انعدام بنى تحتية مصاحبة على قدر هذه الثروات التي يتم تصديرها كلها بثمن بخس في غياب أدنى مستوى من القدرة على استغلالها و تحويلها و في فتور أية إرادة لتصحيح هذا الوضع المختل و الجائر.

·        هيمنة رجال "أعمال" هم أقرب في واقع الممارسة إلى رجال "إهمال" و نهب و بعد عن المشاركة النبيلة في عملية البناء و ترسيخ قيم العمل و العدالة، يتصيدون بكل الوسائل و المفاهيم فرص التقرب من السلطة أو، فيما هو أبعد من ذلك، المشاركة في جوهرها للاقتراب عن كثب من مجالات القنص و الثراء مندفعين و مستظلين لأجل ذلك بقوة انتماءاتهم الضيقة للحيز القبلي و فضاء "النقاء" الطبقي الأرستقراطي و التحالفات التقليدية الضاربة في التاريخ أو المصطنعة في حيز النفعية المفضية إلى تقاسم النفوذ و الوظائف و الجاه و الفوائد و تشاطر لعبة إخفاء كل ذلك في الممارسة السياسية "المدجنة" الأشمل. أحزاب كثيرة بعدد الأهداف التي تأسست لأجلها من دون "الوطن":

§        في الأغلبية هي أحزاب هادئة، مصاحبة و منعمة بما يقسم لها و يدفع من منافع الموالاة،
§        في المعارضة المحاورة، المشكلة في الغالب من قدامى خدام الدولة Anciens Commis de l’Etat لا يعرفون سوى أفضالها، تتواجد على خط وسط في استساغة بادية لـ"راحة المحارب" المفتعلة و تعمد القرب من النفعية المقنعة في الوظائف و الاستشارية،
§        في المعارضة هي أحزاب تندب حظها العاثر و لا تكف عن إبداء ذالك الامتعاض أو تصعيد اللهجة بهدف أن تلقى آذانا صاغية.

·        عجز مخل بكل وعي ديمقراطي و نضج سياسي و معجز عن الحوار السياسي الذي يريده البعض في العلن و لا يسعى إليه، و يرفضه البعض الآخر في الصميم و ينادي به في العلن.
و إنه بهذا التناقض الصارخ و الفريد تتجلى و بقوة حَقِيقَةُ "عقلية" أهل هذه البلاد التي لم تبرح قيد أنملة فضاء و تفكير و ممارسات و وصولية العهد القريب لـ"السيبة" الحاضرة بقوة على الرغم من ظهور أولى نواة النخبة المتعلمة الثقافية و العلمية و السياسية بعيد تشكل إرهاصات قيام الدولة المركزية المستقلة التي مرت عليها ست وخمسون عاما تعاركت خلالها أجيال ثلاثة حملت كل فكر العالم و تناقضه من قومية ضيقة و إسلامية مربكة و اشتراكية متخلفة و رأسمالية عفنة و تحررية مبتورة و حقوقية ضيقة و محاصرة و جفاف بالغ امتد على عقود ثلاثة و حرب ضروس و سلسلة من الانقلابات و أزمة خانقة مع دولة  السنغال التي تتقاسم معها الدولة نهرا هو شريان حياة و تاريخ متشابك الحلقات، و حرب على الإرهاب غيرت معطى الأمن و أزمات سياسية خانقة بين المعارضة و الأغلبية و انحطاط التعليم و ضعف التغطية الصحية و تعثر المسار التنموي و هيمنة الطبقات الارستقراطية القبلية الضيقة و الأسرية الإثنية و الحقوقية الجديدة و نتاجها من الرأس ماليين الذين لا ينفقون لخلق طابع "صنع في موريتانيا Made in Mauritania " و لا يتركون أية فرصة للهيمنة على كل قنوات حراك عجلة التنمية المفترض لتحقيق الثراء و ضمان الاستئثار بالمناصب و الجاه و الصفقات و التسيير و الحضور و المنعة و القوة، و هم في ذلك و لأجله كل يوم في شأن... و أي شأن لا محالة منتهي.

13. سبتمبر 2015 - 16:19

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا