ابن بيه، وأزمة كنروس، وهلوسات الحوار / سيد محمد ولد أخليل

اسمحوا لي أن آخذكم في جولة من نوع خاص، أتناول فيها كوكتيل من المواضيع المحلية المنتهية الصلاحية قبل بدايتها، مع التنبيه إلى أن المناقش في الأساس هو الفكرة لا شخص صاحبها المصون.. ولا تستغرب من عنوان هذا مقال الغريب بعض الشيء، فما سيأتيك بعد قليل من عناوين أدهى وأمر..

"حركة شبابية تعلن نواكشوط "مدينة منكوبة"..
"أعلنت حركة 25 فبراير الشبابية المعارضة أن العاصمة الموريتانية نواكشوط أصبحت مدينة منكوبة بسبب ما قالت إنه تفشي الحمى النزيفية وحمى الضنك نظرا لطبيعتها الفيروسية المعدية والقاتلة في بعض الحالات"..
أعتقد أن هذا من نتائج الحرية المشؤومة المخربة التي أصبح كل من هب ودب ينعق بلعناتها، من هؤلاء حتى يعلنوا مثل هذا الإعلان؟ ألا يعتبر مثل هذا النعيق تدخلا سافرا في مجال تخصص الدولة؟ ألا يمكنها توجيه تهمة إثارة الذعر بين المواطنين لهؤلاء العاطلين؟
لقد عرفناهم ناعقين في الشوارع، معرضين بلدهم الهش للخراب، لكن الله ستر، فكانوا أقل من أن يقدروا على إشعال النار في أسمال هذا المجتمع الفقير والحمد لله، وانحسرت موجة الشر المتظاهرة التي اجتاحت العالم العربي والحمد لله، ولكن صوتهم المبحوح ظل يرتفع بين الحين والآخر مطالبا برحيل البلد !..
إن حركة إيرا تهدد وتتوعد، فعلى الدولة أن تهابها وتخشاها لأنها أصبحت دولة داخل الدولة (مع التذكير بأحقية كل مريض في العناية ولو كان حليفا للشيطان ولا يعلم بحقيقة حال صاحبها إلا الله)، وهؤلاء يعلنون المناطق منكوبة ومرحومة، ولا ينقص إلا أن يعلنوا منطقة عسكرية لا يدخلها الجنرال عزيز !، فماذا يجري في هذا البلد؟ كل يوم يظهر لنا سرب من الغربان ينعق بشيء يتعلق بالحقوق أو بالدين الديمقراطي، وباسم الديمقراطية ! فهل نحن في دولة أم في غابة؟

"تعليقا على هلوسات "لوموند"..
خرجت جريدة "لومونود" الفرنسية بتقرير عن بعض المخالفات التي قامات بها شركة "كنروس" في بلدنا النزيه الذي عندما تقرأ عن احتمالية الفساد فيه، واحتمالية صدق التحري والتحقيق السليم النافع لدى لوموند، تستغرب قطعا من الإعتراض على هذا التحقيق، والتشكيك فيه دون علم بأدنى حيثياته، ووصف الجريدة الفرنسية بالإرتزاق !..
إن هذه الجريدة أبعد من الإرتزاق من الكثيرين عندنا، لا أقول هذا حبا فيها، ولكنها حقيقة أشهد بها، فالناس هناك رغم كونهم غير مسلمين، لديهم من الصدق والنزاهة والجدية في العمل في المجال الصحفي الحر، أكثر مما لدى الكثيرين منا ! وعلى كل حال لا دخان بلا نار، من يعرف وضعية بلدنا الهشة المتقعرة، وجشع بعض النافذين من أبنائه، واحتمال انتهازية شركة كنروس العفيفة التي قد تتزين لرجال الحكومات بالذهب وترديهم، لن يستغرب كثيرا ما يقال عنها، وعلى كل حال لا داعي لإستباق الأمور أيها الصديق، فالتحقيق جار على قدم وساق، وإن شاء الله يتم فضح كل المخربين..
والأمر الجيد في المسألة هو أن تحقيق هذه الجريدة هو الذي فتح التحقيق في أمريكا ! فأين إعلامنا البعيد من الإرتزاق من مثل هذا السبق؟ إننا نحن لا نتقدم إلا إلى الوراء، ومن حاول أن يخطو فينا نحو الأمام – ولو لم يكن منا - جذبناه إلى الوراء..

" الحوار الأزمة.. وأزمة الحوار"..
مقال من تلك المقالات التي ترتكز على شخص الرئيس، محملة إياه المسؤولية عن الأعاصير والفيضانات ! ومعبرة عن مدى تشاؤم أصحابها، وربما حرصهم على ما عند الرئيس (أقول ربما، ليسوا كلهم كذلك)..
كتب صاحب المقال: "منذ انقلابه على ولد الشيخ عبد الله، الانقلاب الذي هيأ له هو وعصابته المشهورة التي تداعت إلى قصعته.. العصابة المشهورة التي تعرفها الأرض والسماء والشعب بغدرها وخيانتها وهرولتها إلى من يدفع أكثر.. منذ ذلك الانقلاب المشئوم ـ الذي قال فخامته نفسه بعظمة لسانه إنه ردة فعل ـ والأرض تغلي، تفور، تكاد تميز من الغيظ"..
سبحان الله لا أدري ماذا أقول، هذا النوع من الكتابات يذكرني بمقالاتي الطائشة المندفعة في سن السابعة عشر (وأرجو أن لا تكون كذلك حتى الآن)، ما دخل الأرض والسماء والكون بسياسة موريتانيا المغمورة، وبمخلوق ضعيف سمته أمه "محمدا" تيمنا بالنبي الكريم، يحكم بلدا ضعيفا، لا يعلم بوجوده ولا بوجوده كثير من سكان العالم الكبير !
مثل هذه التحاليل المتوقدة الجوفاء لا يفيد في شيء، فأولا ما دليل الكاتب على أن زمرة الرئيس "عصابة" ؟ قد يكون فيها من تشهد لهم القبيلة المقدسة بالفضل والتقوى والصلاح، من يدري ؟ وحسب تحليله لم تُحكم موريتانيا بعد المختار إلا من طرف العصابات المافيوية !
لماذا هذا التشاؤم والخوض في الناس؟ إن البلد يسع الجميع، ومن ضاقت عليه الأرض بسبب تفاهة الديمقراطية بنت عم الدكتاتورية، فليهاجر ففي الأرض متسع (وصدقوني أفكر في الهجرة أحيانا)..
ما أدراك أيها الكاتب الشاب (قطعا) أن غير ولد عبد العزيز وعصابته كما تسميها، هو العصابة الكبرى؟ ما رأيك في عصابات السياسيين، وعصابات الحقوقيين والجمعيات والتحالفات، التي يبحث أكثرها عن ثمن لعدم بثه للفتنة في أرجاء هذا المجتمع ؟ أليس أولئك أحق بوصف العصابة من المافيا الحاكمة ؟ فعلى الأقل العصابة الحاكمة تحافظ على النظام، وتوفر لك الأمن والإستقرار في مدينتك، أما العصابات الأخرى فدعوتها ترتكز على التحدي والمظاهرات والخراب !.

"الغير عالم محمد المختار الشنقيطي في مواجهة العالم ابن بيه"..
قبل أيام اعترضت على الشيخ الددو - الذي أحترمه - في أمر ما، فقامت قيامة المتعصبين له ممن يرون فيه ملاكا أو نبيا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وانهالت اللعنات على رأس حتى خرست واتعظت..
بعد ذلك بأيام اعترضت على "الغير عالم" محمد المختار الشنقيطي، وهذه التسمية أقترح أن يسمى بها أشباه المفكرين الذين يدفعهم جنون الفكر العفن إلى الإعتقاد بأنهم فوق الدين (يردون بسببه أمور مجمع عليها كحد الرجم مثلا في حالة الشنقيطي)، اعترضت على هذا المفكر فانهالت علي اللعنات، ألا تعرف من هذا المفكر العجيب، إنه كذا وكذا، ويتناسى أولئك المتعصبون أخطائه الفادحة التي لا يكن للمسلم العاقل الفاهم لدينه أن يقبلها أو يسكت عنها,,
بعدها رأيت نفس الأصوات تلعن هذا الشنقيطي المسكين لمجرد أنه أدلى برأيه في كلام العالم ابن بيه، رأي غفلوا عن مناقشة جوهره، وانهمكوا في كيل المديح للشيخ الذي لا يحتاج لثناء أحد منهم ولا يزيده شيئا، بدل تفنيد مزاعم الشنقيطي وما اتهمه به بطريقة علمية رصينة تخرسه، وتنصر الشيخ حقا..
والسؤال الذي أطرحه أنا عليهم، ولي الحق في ذلك – كما أعتقد – لأن أقل المسلمين يمكنه الإعتراض في أمور الدين على أكبرهم، هو: ما الذي يفعله الشيخ ابن بي بين الكفار في الوقت الذي يدكون فيه بلدان إخوته المسلمين؟ لماذا يركز على الإرهاب – كما قال الشنقيطي – بدل التركيز على جوهر مشاكل المسلمين، وهو إرهاب القوم الذين يجلس بينهم ويلقي كلماته في قاعتهم تحت وقع تصفيقاتهم الحارة ؟! ألا يستحق مثل هذا السؤال أن يطرح بعيدا من النيل من احترام الشيخ، أيها المنصفون ؟

"حمى جلفون"..
هذا عنوان لمقال لا زال صاحبه يخطو في طريق تقدمي الكئيب المليء بالكلمات الجارحة، وهذا العنوان بصراحة، إساءة شخصية إلى وزير الصحة الذي لا يعلم بنيته ولا عمله إلا خالقه، ودليل على تحميل الحكومة كل شيء، ومثل هذه العناوين التي تسيء إلى الأشخاص علينا إن كنا نريد السير في طريق المسلمين الإبتعاد عنها، أما طريق اليساريين وفلاسفتهم الحمقى الكفار الزناة المخمورين، وأتحدى من يحبهم، ويضيع وقته في القراءة لهم دون علماء الإسلام العباقرة، أن ينفي عنهم كل هذه الصفات التي ذكرت، فإن استطاع آمنت بمنهجهم في الحياة والأخلاق، وإلا فعليه العودة إلى نهج عمر وأبو هريرة لعله يستفيد في الدنيا والآخرة..
ويكفي لفهم نظرة كاتب المقال إلى الوزير، وهي سبب كتابته لمثل هذا العنوان الثقيل، أن تقرأ بداية مقاله التي جاء فيها:
"صبية الجيران تخشى اسم وزير الصحة أكثر من الحمى التي ترعبنا جميعا، ،سألتها عن السبب فقالت أن كلمة جلفون لا تطمئن سامعها ولا تجعله يحس بالراحة بل أنها تعتقد أن الاسم اخطر من الحمى نفسها"..
أولا، الله أعلم بصحة هذه الرواية، فصبية الجيران قطعا ليست ممن يكتبون في تقدمي، ثانيا: أعتقد شخصيا أن الإصابة بحمى "تقدمي" أخطر وأدهى، فهي سبب مثل هذه الإساءات المباشرة إلى الأشخاص.. عافانا الله من مثل ذلك، ومن قول ما يخالف الحق..

7. أكتوبر 2015 - 9:41

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا