هل قضيا البلاد المصيرية بأيد مؤتمنة؟ / الولي ولد سيدي هيبه

أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ (حديث)
في ظل ما يكون من ضعف تناول النخب السياسية و الثقافية للقضايا الجوهرية و المصيرية الشائكة التي تهدد الكيان في الصميم أمر يدعو لألف تعجب و تعجب. نخب متخمة بالشهادات العالية في كل حقول العلم و المعارف من:

· أساتذة جامعيين و مفكرين و منظرين و مخططين،
·  فقهاء أضافوا على معارفهم الدينية معارف العصر و تفتحه على المسألة المعتقدية بكل أوجهها في العالم من حولهم،
و من:
· سياسيين نهلوا من كل الايديولوجيات و مارسوا كل أنواع النضال في إطار العمل الحركي قبلا و لاحقا في إطار الأحزاب التي هي:
· أطر منظمة ذات خطابات مكتوبة و نظم تسييرية دقيقة و فلسفة فكرية رصينة،
· و قواعد بشرية مناضلة في هذه الأطر على مختلف مستوياتها المعرفية و العقدية و النضالية و العملية.

أرضية للبلد لا تشكو نقصا من كل هذه الأوجه و هي مع ذلك محفوفة ببؤر و أسباب الانزلاق الكثيرة، لا تكاد تقوى على تحمل بنية مما تتطلبه تضاريس الدولة الثابتة الأركان.
فما هي إذا أسباب هذا الضعف الحاصل على خلفية ما هو كائن من الوعي و توفر الأسلحة المعرفية المتنوعة و المعينة على استشراء ة تمكن الوعي؟

و هل كل هذه المعارف إلا رمادا ماتت جذوته المتقدة بعد التخرج و الأخذ بزمام المعارف و الحرفية و أصبحت رمادا يذرى في أعين الشعب المدجن ليظل محكوما بما كان من "غلبة" عقلية "السيبة" و استحكام قانون "التراتبية" الظالم و  تقاسم السلطة و الثروة قسمة "ضيزى"؟
و إذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تتمخض هذه الحالة عن وضع "مقاوم" يسعى إلى تغيير المفاهيم المغلوطة و يضع الأمور في نصابها كما حدث و يحدث في شتى بقاع العالم و من حول هذه البلاد دون احتكام إلى غير الوعي و غلبة العلم و الرشد؟

بالطبع فإن هذه الأسئلة التي يطرحها واقع الأمر الذي يميزه جمود عما طبع به حراك العالم، قبل منطق الأشياء المتسم بجهل ذلك في قالب تجاهله، تظلل أسئلة جد واردة؛ و يظل من الملح أيضا أإن تكون أولى ملامح أو  بوادر تشكل الأجوبة الملحة عليها وجوبا ما ينصب على نحو:

· كيف تظل ماهية حكم البلاد مرتبطة دون تغيير في الذهنية العامة و كأنها قدر أزلي بمعايير التقسيمات المعتمدة، قبلية و جوية و طبقية و أسرية داخل الإثنيات و ما يطبعها في الصميم من "تراتبية" هرمية مصطنعة، جائرة و مفتقر إلى كل مقاييس العدالة الإلهية و القيم الإنسانية و ضوابط دولة القانون و العدالة. التي ولى زمانها ؟
· كيف لا تستفيد البلاد في بناء ملامحها العمرانية و الحضارية من طرق و مؤسسات تعليمية و تكوينية و صحية، و من قواعد صناعية و منشآت و هياكل خدماتية، من خيراتها الوفيرة و نهرها المعطاء و شواطئها الزاخرة بالأسماك و البترول و الغاز و مختلف المقدرات الأخرى الرابضة في القاع؟ ثم كيف  تغيب مدن الشاطئ بثقافتها المتميزة و صناعاته المتنوعة و سياحتها السحرة المدرة في الجزر الأسطورية التي ألهبت ذات يوم مشاعر الفاتحين المرابطين و الرسام الفرنسي الكبير الفنان الفرنسي الرومانسي تيودور جيريكو Théodore Géricault  الذى أبدع رسما تحفته الفنية  Le radeau de la Méduse و الأحواض ذات الشهرة العالمية  كحوض آركين Le Banc d’Arguin بساكنتها الفريدة طيورا و "فقمات" و غيرها من عجائب المخلوقات المتناقصة الأعداد و المهددة بالانقراض، و في ملتقى البحرين النهر و المحيط أو المصب حيث جظيرة "دياولينك Diawling"   المحمية الرائعة بتنوعها البيلوجي؟
·  كيف ظلت القلة القليلة من إفرازات حكم عقلية "السيبة" المقيتة الجاثمة على هذه البلاد تستأثر بكل شيء منذ الاستقلال و على شكل يأبى التأويل فلا يستصيغه الفهم المتنور السليم و يَعمى الشعب المغلوب على أمره في إغماءة الضعيف المهزوز عن رؤية طواحينها التي تلتهم أسباب قيامه و بقائه على خلفية قبول المستسلم الخائر حتى انطبق عليه قول الشاعر إليا أبو ماضي:
و يرى الشوك في الورود و يعمى .... أن يرى فوقها الندى إكليلا

حالة من الضعف و الاستسلام السلبي الذي تحول بفعل الحيف و  الهوان على مر الزمن إلى قدرية سلبية تأخذ كل أسباب ديمومتها من جبروت "التراتبية" التي سنتها و حافظت على بقائها حتى بات هذا الشعب بما تتكشف عنه أوضاعه المتردية من تعارض مفضوح مع معطى بلده الاستراتيجي و حوزته على قسط وافر من الثروة المعدنية المتنوعة و الأراضي الصالحة للزراعة على نهر جاري، و من ثروة حيوانية هائلة و شواطئ غنية بالأسماك و البترول.. وضعية مزرية بات معها هذا الشعب عبئا ثقيلا على الحياة كما يقول الشاعر ثانية و يوجه سياط الاستنهاض:
هو عـبء علـى الحيـاة ثقيـل  ....  من يرى في الحيـاة عبئـا ثقيـلا
قلة من المثقفين وصلوا بالشهادات دون محتوياتها إلى مناصب عالية و تسييريىة كبيرة، و سياسيين ملأ ضجيجهم الفضاء بعصارة الفكر النظري و ألتنظيري العالمي دون التطبيقي، و مرشدين لامسوا الكراسي العالية لا يصدحون بالحق، و حثالة كالغثاء تعمر خواء التغيير و غياب القسطاس، تتقاسم جميعها في غفلة من الزمن و احتواء على المكان خيرات البلاد الوفيرة و تلهو بمدخلات صادراتها الجمة و المتنوعة بعيدا عن حقول الاستثمار في الوطن و المساهمة في بناء قواعد الدولة المكينة، و تمسك بزمام الشأن السياسي من خلال الأحزاب التي تقف منيعة في صف الصراع على السلطة و تقاسمها في محاصصة لا يدركها الأغبياء من خلال هذه القلة المنشئة و المتبنية و المحركة و المغذية له و الماسكة بزمامه مبتدءا و مختتما و واقفة ضد الشعب الغائب همه عمليا عن حياضها، تسلبه صوته عبر كل القنوات السقيمة و لا تعيره اهتماما في برامجها و مستقبل حكمها.

فهل في ظل وضع كهذا من مؤتمن صادق على قضايا البلد الكبرى و المزمنة التي شيئا في المرئي المعيش يمنع القول إن هؤلاء جميعهم من مثقفين، و سياسيين، و مهتمين مرشدين يدسون رؤوسهم في التراب خوفا من حمل هذه القضايا على محمل الجد تماما كما تفعل النعامة عندما يحدق بها الخطر من كل جانب، أو أنهم في غيهم و استهتار بما هو المبرر الأول لاعتبارهم يعمهون؟

8. أكتوبر 2015 - 12:11

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا