نخبتُنا السياسية في تجسيدها للديمقراطية / باب ولد سيد أحمد لعلي

من حق الحكومة أن تحاور وتدعوا لحوار وطني شامل يلمُ مختلف الأطياف السياسية ، ومن حق المعارضة والمعاهدة أن تتحفظ أو تمتنع عن المشاركة في الحوار الأحادي كما يزعمون وكما هو واضح من خلال ما تقدم منه ،ومن حقنا أن نعبر ونتكلم ونناقش ما تسميه الحكومة ديمقراطية تشاركية ،

 وما تعتبره المعارضة استبداد سياسي نادر من نوعه ، وسط مجموعة من التساؤلات المختلفة حسب ما فرضه الواقع السياسي الموريتاني منذ انقلاب 2008 إلى حدود الوقت الحالي ، وفي خضم ما تعج به الساحة الوطنية من أوضاع سيئة على المستوى التنموي والصحي ... تحتم على النخبة السياسة الالتفاف من أجل مشاركة فعالة تسمح بتحسن أوضاع البلد وتجاوز جميع الخلافات الحائلة دون ذلك، ولا يمنع من الوصول إلى تلك اللحظة المنشودة سوى جهل كل الطرفين بالأخر وطغيان النزعة الفردية لكل الجانبين السياسيين (معارضة ، ومولاة ) مما يجعل الحديث عن الديمقراطية والتشاركية في ظروف كهذه ضرب من الخيال .
فمعروف أن المثال الديمقراطي الذي هو هدف كل الدول والحكومات والمطلب الرئيسي والأساس الذي تقوم عليه الحضارة ما تحمل من قيم راقية ، بات يتطلب الانفتاح ومشاركة كافة الطيف السياسي بالإضافة إلى معايير الحرية والمساواة ...
وقد وصل صاحبنا كما هو معروف بطريقة غير شرعية لسدة الحكم وسط أزمة كبيرة مفتعلة كادت تعصف بالبلد ، وأجرى انتخابات بعد اتفاق داكار وصفت بالشفافة وفاز فيها بنسبة تزيد على 52% وعاد إلى القصر بالجبة المدنية وبالطريقة التي أوقفت فتيل الأزمة وكممت الأفواه وبشرت بعودة المسار الديمقراطي الذي كتب له الموت في مهده مع خلع ولد الشيخ عبد الله ، ومع أن المطلوب في تلك اللحظة من النظام الجديد هو تعزيز المسار الديمقراطي والقضاء على الفساد كما تصدّر في برنامجه الانتخابي ، أغلق الأبواب دون الطيف السياسي محيا نمطا قديما باليا من العملية الديمقراطية وهو حكم الأغلبية وتغيب الأقلية على اعتبار أن النسبة العليا كانت من حقه ، وهذا فتح باب أزمة سياسية شديدة مرت بمراحل عديدة كان للنظام في النهاية الظفر فيها وذلك راجع لانعدام الندية بين الطرفية ، أي أن المعارضة في هذه الأجواء أصبحت تواجه الطيف الموالي بالإضافة إلى أجهزة الأمن وثقل الدولة كلها ، وليس هذا من الأمور التي تشير بالديمقراطية ، فكأن شعار الرئيس هو الشعار الذي حمله الملك الألماني السابق "فلدريك الأكبر" (هناك اتفاق بيني وبين شعبي فلشعبي أن يقول ما يريد ولي أن أفعل ما أريد)
وبالتأكيد الشعب هنا كان تلك الفئة التي اعتادت السير بين الصفاء والمروة – بين المسجد المغربي وساحة ابن عباس – مطالبة بالتغير والرحيل والمقاطعة والمحاصصة ... وما إلى ذلك من الشعارات التي عرفناها واعتدنا عليها من خلال تلك الأزمة وخطاب المعارضة المناهض لتصرفات النظام وعلى ذلك الأساس وفي خضم تلك الظروف أصبحت السلطة ممركزة في شخص ولد عبد العزيز وغُيبت مؤسسات الدولة ناهيك عن الأطراف المناهضة للنظام ولأسلوبه 
هذا فيما يخص النظام وأخطاءه ، أما المعارضة فقد سعت إلى تغير النظام بأسلوب غير دستوري ورفعت شعارات لم تكن صائبة في مجملها وإن كانت من رحم معاناة عظيمة ، فتبنت بذلك شعار الرحيل وسعت إلى إشعال ثورة في البلد ، وذلك من دواعي التشطر والانحلال وظهور الفتن ، إذ أن الثورة  لها شروط في معظمها عقلية وسلمية ويجب أن يكون النسيج الاجتماعي الذي تسعى إلى التغير فيه متماسكا كي لا يتشظى بعد نجاحها ، كما أن للثروة ثمن ومجتمعنا لن يقف متماسكا أمام أعاصيرها الشديدة ،
بالإضافة إلى مقاطعة الانتخابات النيابية التي أجريت في أواخر 2013 كما كان محدد لها قانونيا وقد كانت تلك الضربة الكبيرة التي أنهكت المعرضة وهشمت بناءها وكادت تعصف بها إذ أنه من الصعب أن يكون هناك تأثير أو نفوذ لفئة غير ممثلة شرعيا في البرلمان
كان على المعارضة معرفة الرجل والتعامل معه على حسب تعاطيه مع الأمور وعلى حسب الوطنية التي كادت تغيب في كل تلك التجاذبات والصدامات التي مرت علينا طوال سنين النظام الحالي ،
فعلى ذلك الأساس يجب على النظام إن كان جادا في حواره الآن أن يلف الجميع ويجتمع بهم على طاولة التفاهم والمفاوضات ويمدّ اليد لهم في جوٍ من التنازلات من أجل البلد وليس من أجل أي كائن آخر ، أي أن الخلاف يجب أن يكون سياسيا ولا يذهب بنا التعصب إلى جعله خلافا شخصيا لتضيع بذلك المصالح العليا للبلد ، وعلى المعارضة أن تلبي في الحوار مقدمة شروطا تصون الديمقراطية وتحافظ على مكاسب البلد منها.   

12. أكتوبر 2015 - 20:01

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا