مشروع العلامة ابن بيه مشروع حياة للأمة / حمزه ولد محفوظ المبارك

من المعروف عبر تاريخ البشرية أنه لم يسلم الأنبياء و الرسل و الدعاة و المصلحون و المربون من حملات التسفيه و التشويه و التشويش , وصلت في بعض مراحلها المتقدمة إلى حد التعذيب و التهجير بل و وصلت لللقتيل و التشريد و محاولات الاغتيال و تدبير المكائد و التخطيط لها من قبل

أعداء الحق و حراس الوهم , لكن في يومنا هذا و بعد أن طال الخراب و الدمار كل بناء و أكلت نار الفتنة أخضر الأرض و يابسها و سبح في أنهر الدماء صغيرها و كبيرها بات من الواضح الجلي أننا نسير في قنوات عدم و فناء لا نهاية لها إلا بتحكيم العقل و الرجوع للحق و الاحتكام لشريعة الرحمة التي قفزت عليها لغة الحديد و النار في معمان تهالك عبثي لا دين له و لا عقل , ذلك التهالك المتمثل في تنازع بقاء اختلطت فيه كل المصطلحات و انخرطت فيه كل الجبهات !

حاجة الأمة اليوم في السلم باتت من البديهيات بل و من أولويات الخطاب الديني العاقل ، بعدما جرب كثيرون خطاب الحرب و فتاوى الموت التي و إن كان القصد منها إزالة الظلم و تحقيق العدل فإنها تحولت مع الوقائع و التجارب إلى نيران مشتعلة طالت العالم قبل الجاهل و المظلوم قبل الظالم و بدلت الأمن خوفا و الصحة مرضا و جوعا و ضياعا و أرهقت البشر و الحجر و المدر....

تلكم الحاجة التي تلبيها دعوة الإمام عبد الله بن بيه  تلامس القلوب و تبعث الحياة في النفوس و تعطي للمسلمين أملا في الاستراحة من ويلات الحرب و العداوات و إحياء قيم التسامح التي تنبني على التنازل عن بعض الحقوق الخاصة من أجل المصلحة العامة ، كما كان النبي عليه الصلاة و السلام يفعل ( صلح الحديبية )  مع الكفار :

...... فلما اتفق الطرفان على الصلح دعا رسول الله علي بن أبي طالب فقال له: " اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم ".
فقال سهيل: أما الرحمن، فما أدري ما هو؟ ولكن اكتب: باسمك اللهم كما كنت تكتب.
فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم
فقال: " اكتب: باسمك اللهم "
ثم قال: " اكتب: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله "
فقال سهيل: والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولكن اكتب محمد بن عبد الله
فقال: " إني رسول الله، وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله "........

أحرى بين المسلمين !

الإمام ابن بيه يملك برجاحة حجة القرآن و بيانه ما يخوله المضي بدعوته المباركة في كل حدب و صوب ، و أن يكلم المسلمين و الملحدين و الكفار بالقرآن و أن يُسمعهم من دواء قلوبهم و شفاء صدورهم ما به تقوم عليهم الحجة و به يصون حرمة دماء المسلمين و يذب عن حوض الاسلام أن تدنسه دعوات التقتيل و التشريد و الارهاب و الظلم و التحريف و الاحتراب الهمجي ..... و له من المميزات و من السبق العلمي و التجارب و الاطلاع و من الحكمة و الحنكة و العقل .... ما يجعله متفوقا في نظرته و قراءته و فهمه لمتطلبات المرحلة على كثير ممن يخوصون في التنظير الديني لفاتورة دماء تدفعها الشعوب ثمنا لحرية وهمية إذ أنه "لا يمكن تحقيق غايات نبيلة باستخدام وسائل رديئة " .

إن المكانة المشرفة و المصداقية و الهيبة التي أكرم الله بها الإمام ابن بيه هي من ذلك الميراث النبوي الذي هدى الله به مشارق الأرض و مغاربها ، و ذلك الخلق الذي سكن به المصطفى عليه صلاة الله و سلامه قلوب من يلقونه و يرونه و يسمعونه قبل إسلامهم و بعده , بل و حتى لو لم يسلموا.

الإسلام دين الناس كافة ( و من يبتغ غيرالإسلام دينا فلن يقبل منه ) ، لذلك كان الأنبياء يجوبون البلاد و يرفعون النداء مبشرين و منذرين ، فكانت رُسل النبي المصطفى تنطلق منذ فجر الاسلام إلى كسرى و قيصر و المقوقس و سائر البلاد , فرسالة الإسلام أعظم و أشمل و أوسع من أن تكون فئوية أو عرقية ضيقة .

الإسلام حق لكل آدمي أن يصله و أن يسمعه و أن يراه في خلق المسلم ( كل أمتي يدخلون الجنة إلا أبى قيل و من يأبى يا رسول الله , قال من أطاعني دخل الجنة و من عصاني فد أبى  ) ، تلكم  هي مهمة الانبياء التي يستحضرها الإمام ابن بيه حين يقول : إن مهمة العالم هي أن يرحم الناس لا أن يعذبهم ...أن يدلهم على الجنة ، لا أن يعجل بهم إلى النار .

فكر الأنبياء و ورثتهم  , فكرعالمي ينهل من وحي العدل الذي شرع الدعوة بالحكمة و الموعظة الحسنة دستورا لعباده المخلصين ، لكنه فكر محفوف بالمثبطين و المشككين ممن عجزوا عن التأثير فتأثروا !

إن الذين يحاولون التشويش و رمي الأشواك في طريق الإمام لم يكلفوا أنفسهم بقراءة خطابه و لا تدبر معاني كلماته , لم يحظوا بشرف فهم دلالاته ومراميه و لم يعطوا حتى للبناء اللفظي حقه , حيث جمحت بهم الحسابات الخاصة و التنافس الاديولوجي إلى بناء منظومات تخوينية مصمتة حولتها الاخفاقات المتلاحقة إلى ماكنات ضجيج و تشويش تحيل في تحاملها و دعايتها المغرضة إلى العقبات التي اعترضت دعوة الاسلام :

روي عن محمد بن إسحق عن ربيعة بن عباد الديلي قال "إني لمع أبي غلام شاب ، أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبع القبائل ، ووراءه رجل أحول وضيء ذو جمةٍ ، يقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على القبيلة فيقول " يا بني فلان ، إني رسول الله إليكم ، آمركم أن تعبدوا الله ، لا تشركوا به شيئاً ، وأن تصدقوني وتمنعوني ، حتى أنفذ عن الله ما بعثني به" ، وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه : يا بني فلان ، هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى ، وحلفائكم من الجن من بني مالك بن أقيس ، إلى ما جاء به من البدعة والضلالة ، فلا تسمعوا له وتتبعوه ، فقلت لأبي : من هذا؟ قال : عمه أبو لهب" ,

جنحوا بخيالتهم إلى الصور فأنطقوها على مقاس مخيلتهم و طول امتداد جموحهم عن الاستنطاق المنصف لتأتي مساهماتهم في حملات الإساءة على أكف عفاريت من التناقض يفضحها سبق القلم و لحن القول ...

قد نتفهم الخطأ و قد نتفهم صاحب الخطأ مادام خطؤه يملك من التأويل قدر ما يترتب عليه من المآلات ، لكن أن يكون الخطأ شريعة و أن تكون المكابرة بديلا عن التوبة و تصحيح الأخطاء فلا شك أنه في الأمر شيء يتعلق بثانوية الدين و المصلحة و إقصاء العقل و القلب في سبيل اشباع رغبة خاصة و تحقيق مأرب ضيق ....

الإمام عبد الله بن بيه يحمل لواء الاصلاح و رسالة الرحمة التي جاء بها الكريم المصطفي عليه الصلاة و السلام , فبعد أن سفكت الدماء و قطعت الأرحام و غرقت الأمة في جاهلية النعرات و الحميات و الاقتتال و الافساد في الأرض ، يأبى الله إلا أن يكون على الأرض رجل رشيد ، يذكر الناس بالله ، يذكرهم برحمة الاسلام ، يذكرهم بحرمة الدماء ، يذكرهم بهدي نبي بعث رحمة للعالمين ، بعث للناس كافة ..

ابن بيه اليوم يأخذ بحجز القوم عن النار و هم يتفلتون إليها !

مهما كابر القوم و ساروا في قنوات العدم ، في قنوات الاحتراب الدائم و الفناء الأبدي ، يظل الإسلام دين سلم بين المسلمين ، دين هداية للعالم بأسره ، دين قلوب و عقول .

مهما حاولوا التشويش و مهما حاولوا التشويه و مهما حاولوا الهمز و اللمز و مهما حاولوا إطفاء نور الهداية ، فالله متم نوره بحول منه , فيا من تقفون على حافة الجرف ( أقلوا عليهم لا أبا لأبيكم من اللوم  أو سدوا المكان الذي سدوا ) .
 

15. أكتوبر 2015 - 21:48

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا