الملاحدة الجدد بين الجهل والضياع الحلقة(31) / المرابط ولد محمد لخديم

 هذا وتأسيسا على الكلام السابق وفي فشل العلم المادي والفلسفات والكتب الأخرى عن ادراك حقيقة الروح والموت فإننا نجد القرآن يجيب على هذه التساؤلات التى حيرت العلماء قديما وحديثا(92)
وليس هذا فقط بل ان القرآن تطرق لأمور تفوق العقل البشري من ذالك أن  عجز الانسان أمام مشاعره:

      إذا تأملنا فيما يملكه الإنسان ـ بمعناه الكلي ـ من الطاقة التعبيرية عن الأفكار والمعاني، رأينا الثغرات والنقائض التي تلتبس بطاقته هذه وتمنعه من القدرة عن التعبير عن كل ما يريد بالشكل الذي يريد ومن المعلوم أن مرد البلاغة الكلامية إلى الدقة في مطابقة اللفظ للمعنى إنما سبيل ذلك أن يتسارع إلى الذهن جميع ألفاظ هذه اللغة وما يسمى بمترادفاتها لينتقي منها ألصقها بالمعنى المراد والصورة المتخيلة.
        فبمقدار ما يتم التوافق الدقيق بين المعنى القائم في الذهن واللفظ الدال عليه والمصور له، يتسامى الكلام في درجات البلاغة والبيان.
        ولكن هل يتسنى للإنسان أن يحقق هذا التوافق بمعناه الكلي الدقيق؟
       لن يتسنى للإنسان أيا كان، تحقيق هذا الهدف مهما بذل من تحايل أو جهد، وذلك لسببين:
       أولهما: أن المعاني والتصورات أغزر من الألفاظ وقوالب التعبير. ذلك لان المعاني والأفكار والتصورات إنما تنبعث من داخل النفس الإنسانية، وهي منبع ثر لا يكاد ينضب لمختلف المعاني والتصورات والمشاعر.
       أما الألفاظ والتعابير فإنما تقبل إلى الإنسان من الخارج وهي بالإضافة إلى ذلك محصورة ومتناهية.
       لذا كان من المتفق عليه أن اللغة ـ مهما كان نوعها ـ لا تغطي إلا جزء يسيرا من المعاني والمشاعر.
      ألا ترى أن كلمة (الألم) تستعمل للدلالة على أنواع شتى من المشاعر والأحاسيس والمعاني مثل: اشعر بألم في غرسي بألم في رأسي، بألم المنظر..الخ، دون أن تنجدك اللغة بأي دلالات لفظية يمكن أن تستعمل للتفريق بين تلك الأنواع، وإنما أنت منها أمام هذه الكلمة أو ما قد يشابهها [الألم] ؟.                                                         
        وإن أحدنا ليستعمل كلمة (الجمال) عن عالم واسع من المشاعر والصور والمعاني، وهو يعلم أنها صور ومعان متنوعة متخالفة ، وإن من الجدير أن يلقى الإنسان لكل منها تعبيرا مستقلا مثل: منظر جميل ، قصة جميلة ، شخص جميل ، نقش جميل ولكن أحدنا لا يملك مع ذالك أن يعبر عن هذه الصور والمعاني المتخالفة بأكثر من كلمة ( الجمال) ومشتقاتها.
       وكذلك شأن أكثر كلمات اللغة، ما من واحدة منها إلا وتستعمل لطائفة من المعاني المتغايرة وإنما القاسم المشترك بينها علاقات سطحية تصل ما بينها.
      فأنت لا تملك من اللغة إلا ما يعبر عن هذه المعاني السطحية القريبة، بحيث إذا أردت الغوص على دقائق المعاني المتشعبة تخلفت عنك طاقة التعبير وبقيت مع مشاعرك الصامتة.( 93)
ضيق اللغة أمام المعاني والمشاعر:
       ولما كانت مشاعر الإنسان واسعة جدا واللغة ضيقة فقد استعان الإنسان منذ أقدم العصور بشيئين حتى يتحايل على اللغة ويوسع من مدلولها قدر الاستطاعة.
       الوسيلة الأولى: الغناء؛ فالإنسان الذي يغني تطوف بمشاعره معان وخلجات وأحاسيس يستنجد باللغة ويعتصرها للدلالة على المعنى الذي يريده فلا يجد ما يطمح إليه. لذا يستعين باللحن وبالنغم يتأوه ويودع مشاعره ليتمم ما عجزت اللغة عنه ويتضح هذا بالنسبة للمستمع عندما يطرب لأنه شعر بالمعاني الكامنة بين جوانحه والتي عجزت اللغة عن التعبير عنها فتفاعل معه في هذا الشعور.
       إذن الغناء إنما وجد ومنذ أقدم العصور لكي يتحايل الإنسان بواسطته على اللغة فيوسع من اللغة عن طريقه وعن طريق اللحن، والشجو، وما إلى ذلك ( وهذا هو عجز الإنسان أمام اللغة من باب التصوير ).
       الوسيلة الثانية: التي استعان الإنسان بها وتحايل على اللغة عن طريقها،هي وسيلة  المجاز: الاستعارة، التشبيه، الكنايات..
         المجاز؛ هوتعبير بأشياء خارجة عن دلالات الحقائق, لأن لغتنا ضيقة فتحايلنا عليها عن طريق إختلاق صور من المجاز، تقول: سال الوادي، الواقع أن الوادي لم يسل، الماء هو الذي سال...لكنني عندما أنظر إلى هذا الوادي وقد اهتاجت المياه في داخله وأصبحت تتدفق أنظر وأجد أن الوادي هو الذي يسيل هذا الشعور كيف أعبر عنه، أتحايل عليه وأجد المجاز أصبح بابا واسعا جدا أضاف إلى اللغة لغة أخرى(94) ولما كنا مصروفين عن الحقيقة الواحدة إلى مجازاتها التي لا تنتهي بحكم أنها تقع منا في نهاية طريق لا نهاية لها، وليس لنا إلى أن نقترب إليها بمجازاتها ليحقق كل فرد ذاته، بما يختار من هذه المجازات، التي تصدر عن رحم هذه الحقيقة الواحدة وترتد إليها، وهذا ما يحقق للإنسان إنسانيته ليحيا حريته واختياره اللتين يقوم عليهما وجوده إنسانا حرا مختارا.
      يقول المعري:
          لا تقيد على لفظي فإني       مثل غيري تكلمي بالمجازي
نخلص: إلى أن الإنسان من أقدم العصور عندما وجد أن المعاني التي تطوف بذهنه أوسع بكثير من اللغة. وكان لا بد أن يعبر عن مشاعره، استعان بوسيلتي: الغناء، والمجاز، السالفتي الذكر. ومع هذا فإنه بقي عاجزا لا يستطيع أن يعبر عن عمق المشاعر التي تطوف بذهنه.
السبب الثاني:….يتواصل,,,

17. أكتوبر 2015 - 23:50

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا