ولد الشيخ عبد الله.. حصاد عام ومآلات وطن / سيد أعمر ولد شيخنا

سأقدم، مدركا لشدة الصعوبة، محاولة تقييم أولية للسنة المنصرمة من حكم الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله مشفعا هذا التقييم بمحاولة أخرى لا تقل صعوبة ومجازفة عن سابقتها هي استشراف مستقبل النظام على ضوء المآلات المفترضة للشراكة القائمة بين الرئيس وجنرالاته.

خمس مأمورية:

لم يمض على الرئيس منذ انتخابه إلا عام واحد؛ أي خمس مأموريته البالغة خمس سنوات وبقدرما تظهر المدة المنصرمة قصيرة نسبيا بالمقارنة مع المدة المتبقية من مأمورية الرئيس، لكنها تبقى مهمة جدا لأنها تعطي صورة، ولو مقتضبة، عن بنية النظام القائم ونمط تفكيره وصيرورة اتخاذ القرارات في مؤسساته، وأبرز معالم رؤيته السياسية لموريتانيا الجديدة.
لقد أبانت الفترة الماضية من حكم الرئيس ولد الشيخ عبد الله عن مؤشرات متضاربة تشيرفي بعضها إلى عهد جديد يبدو مشرقا في كثير من جوانبه، فيما يبرز بعضها الآخر ناسفا كل آمال الإصلاح ومنذرا بشر مستطير يوشك أن يسحق البلاد والعباد.
إن أبرز إيجابيات الرئيس ولد الشيخ عبد الله، كما يظهر في مجمل مواقفه وقراراته التي ظهرت خلال العام المنصرم، يمكن تلخيصها حسب وجهة نظري في النقاط التالية :
أ- تكريس الحريات العامة: وهو مكسب مهم جدا في بلد عانا كثيرا من كبت الحريات ومصادرة الصحف وحظرالأحزاب وإقصاء التيارات السياسية وحجب الشرعية عنها، صحيح أن الحرية الحالية جاءت ثمرة نضالات شرسة شهدتها الأعوام الأخيرة من حكم الرئيس معاوية ساهمت فيها أطراف سياسية ، عدة على تباين في حجم تلك التضحيات انتهت بسقوط النظام مثخنا بجراح معركة الحريات، وإذا كانت تلك حقيقة ثابته لا يجوز القفز عليها، فإنه يبقى من المفيد جدا أن يحسب للنظام القائم الاعتراف بأولوية ومحورية الحريات العامة وسعيه المشكور في تجذيرها على أرض الواقع؛ فقد تحررت الصحافة من مقص الرقيب وفتح الإعلام الرسمي أمام مختلف الأطياف السياسية في البلد وتم الاعتراف بكل الأحزاب التي أودعت ملفاتها عند الجهات المختصة، وشهد تعامل السلطات مع حرية التجمع والتظاهر والإضراب تقدما إيجابيا يستحق الإشادة.
ب- نهج الحوار:
يحسب لنظام ولد الشيخ عبد الله حرصه الدائم على الحوار وانفتاحه على القوى السياسية في البلاد محاورا ومشاورا حول مجمل القضايا الوطنية الأساسية. إن هذا السلوك الراشد والمسؤول من قبل الرئيس هو مكسب مهم لبلد عانى كثيرا من حكام مستبدين مغرورين اتخذوا من قول فرعون "ما أريكم إلا ما أرى" دستورا لهم.
إن اتخاذ الحوار والتشاور نهجا متبعا هو علامة صحية ودليل دامغ على إرادة جادة في الإصلاح وخلومن أمراض نفسية وذهنية مقيتة ظلت البلاد ضحية لها طيلة تاريخها الحديث.

ج-إغلاق الملفات المزمنة :
لقد خطى الرئيس خطوات جريئة وموفقة في ملفين من أهم الملفات المزمنة التي ظلت تنتظرالحسم، أولهما الملف المتعلق بالموريتانيين المبعدين إلى السينغال ومالي في واحدة من الجرائم الفظيعة التي ارتكبت في حق الوطن ومستقبل الوئام بين مكوناته الإثنية.
أما الملف الثاني الهام فهو القانون المتعلق بتجريم الاسترقاق ولا يخفى ما لهذا الإجراء من أهمية بالغة بالنسبة لمكونة هامة من المجتمع الموريتاني لا يجوز أن تظل تشعر بأي غبن أو تهميش أوجرح لكرامهتا من قبل أي كان.
لقد كان إقدام الرئيس على هذين القرارين الكبيرين رغم معارضة المتطرفين، وحماقة المغفلين تعبيرا عن حس وطني كبير.
أما فيما يتعلق بالجاتب السلبي في الفترة المنصرمة من حكم الرئيس فيمكن تلخيصه في النقاط التالية:
1- الفساد:
يرفع الرئيس ولد الشيخ عبد الله شعار الإصلاح ومحاربة الفساد ولكن أي إجراء فعال لم يتخذ في هذا الصدد حتى الآن إن إرادة الإصلاح تتطلب وضع خطط وتصورات واضحة وتوجب الاستعانة بالكفاءات المصلحة، وتستدعي التخلص من المفسدين ووضع عقوبات رادعة لمن يرتكب فسادا ماليا.
وبعد عام من حكم الرئيس لا زالت نفس الكوادر الفاسدة والمفسدة تتحكم في المفاصل الأساسية للدولة وحتى تلك التي أقصيت بحجة الفساد تم تعيين أشخاص من محيطها استرضاء لها. وتؤكد التعيينات في السافارات والمؤسسات على بقاء فساد مستحكم ما زال ينخر الدولة وجسمها.
أما عن الفساد في مؤسسات الدولة فهو لا يزال ساريا على قدم وساق، وتكفي الإشارة مثلا إلى ما يجري في وزارة المالية والمرافق التابعة لها كالجمارك والضرائب وما يجري في شركات عمومية مثل مؤسسات: الماء و الكهرباء وصيانة الطرق والميناء والقرض الزاعي خير شاهد على ذلك ولا تزال المفتشية العامة للدولة في حالة كمون؛ فلا هي قادرة على مجابهة الأقوياء المتنفذين، ولا أحد ينخدع بأن إصدار تقرير عن استعادة سيارة هنا أو مبلغ زهيد هناك، يعتبر براءة لذمتها من المشاركة في جريمة السكوت على البطش بمقدرات البلد.
أما عن الهدروعدم الترشيد في بلد أعلن رسميا أنه يعيش على حافة المجاعة فيكفي أن نورد هذا المثال الحي مما يجري في قصر الرئيس فقد تم تعيين 27 مستشارا لرئيس الجمهورية ما بين مستشار ومستشاررئيس ومستشار مكلف بمهمة وقد نص مرسوم التعيين لهؤلاء المستشارين على أنهم يتمتعون بالمزايا المادية للوزراء. إنها إذا حكومة موازية في بلد فقيروشحيح الموارد، والمؤسف أكثر أن هذا الجيش من المستشارين لم يعين لحاجة ماسة من قبل الرئاسة لهذه الكفاءات المفترضة؛ بل جاء كنوع من الترضية والاحتواء للساخطين على الرئيس من استباعدهم من عضوية الحكومة.

2- التعيينات :

التعيينات التي تمت في مختلف قطاعات ومؤسسات الدولة لم تعكس الشفافية والعدالة المطلوبتين بإلحاح من قبل الجميع ، وباستثناء تعيين أشخاص معدودين من أحزاب المعارضة- في سابقة تستحق التقدير- ظلت نفس الأساليب السابقة هي التي تتحكم في التعيينات؛ أي أساليب القرابة والطائفة والخدمات الأمنية والزبونية السياسية والعائلات والقبائل المتنفذة وحاشية الجنرالين،
إذن ليست هناك معاييرعادلة أوشفافة في هذه التعيينات ولا تزال الدولة مختطفة من قبل مافيات محددة ولم تنتقل بعد إلى دولة كل الموريتانيين على اختلاف انتماءاتهم السياسية.

3- التركيبة الغريبة للنظام :

يبدو نظام الرئيس ولد الشيخ عبد الله نظاما غير مسبوق من نوعه في تاريخ النظم السياسية في البلاد؛ فهوتحالف بين رئيس مدني منتخب وجنرالات متنفذين يحيطون به إحاطة السوار بالمعصم وقد أورثت تلك الوضعية النظام القائم نوعا من الهشاشة و فقدان الثقة في جهازه التنفيذي المشكوك في قدرته وصلاحيته حتى عاد البعض إلى تذكرصرخة الشاعرالعباسي يوم نبه إلى وضعية الاختطاف التي يتعرض لها خليفة المسلمين (المستعين بالله 248-252) من قبل اثنين من قواده الأتراك هما القائد "وصيف" والقائد " بغا "
خليفة في قفص *** بين وصيف وبغا
يقول ما قالا له *** كما تقول الببغا


شيئ من التاريخ:

بعد هذه العجالة حول أبرز الإيجابيات والسلبيات خلال العام الأول من مأمورية الرئيس ولد الشيخ عبد الله سنستعرض بعض المحطات الهامة في تاريخ الرئيس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله علها تساعد في فهم شخصيته لعل ذلك يساعد على فهم واستنتاج ما يمكن أن تصير إليه الأمور في ظل القيادة الحالية.

النقاط المضيئة :

لقد كان ولد الشيخ عبد الله عضوا في حركة الشباب الموريتاني التي تأسست سنة 1955م وكان لها دوربارز في المطالبة بالاستقلال السياسي والتنويرالثقافي والاجتماعي وقد أصبح ولد الشيخ عبد الله رئيسا للمكتب التنفيذي للحركة بعد أن انتقل القادة السياسيون للحركة إلى حزب النهضة وبقيت الحركة إطارا شبابيا وثقافيا، وهي ميزة تحسب للرئيس ولد الشيخ عبد الله باعتباره الرئيس الموريتاني الوحيد الذي شارك في مسيرة الحركة الوطنية الداعية للاستقلال السياسي والثقافي عن فرنسا.

وفي سنة 1967م عند ما اعتقل أحمد باب ولد أحمد مسكه في نواكشوط بعد خلافاته مع نظام الرئيس الأسبق المختار ولد داداه وقعت شخصيات وطنية على بيان تضامن مع ولد أحمد مسكه مطالبين بإطلاق سراحه، وقد رد النظام بفصل كل الموظفين الموقعين على البيان وتم قطع منحة الطالب في باريس سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله.

وفي يناير1971م وفي عز أيام الصدام بين "الكادحين" ونظام الرئيس المختار وبعد ورود معلومات عن ممارسات تعذيب في حق المعتقلين في قيادة الدرك، وجهت مجموعة من الأطر الوطنية، من بينها ولد الشيخ عبد الله وآخرين، رسالة مفتوحة إلى رئيس الجمهورية أدانوا فيها بقوة ممارسات التعذيب فرد عليهم الرئيس المختار بأنه ما دام رئيسا للجمهورية الإسلامية الموريتانية فلن يسمح بممارسة التعذيب.
النقاط المعتمة:

في المقابل هناك نقاط معتمة في التاريخ السياسي والإداري لرئيس الجمهورية سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله منها على سبيل المثال أنه المسؤول أيام كان وزيرا للصناعة والمعادن عن التعويض المجحف بموريتانيا للمساهمين في شركة "ميفرما" بعد تأميمها حيث قدم للفرنسيين والأوربيين تعويضات لم يحلموا بها كانت مجحفة ببلد شحيح الموارد مثل موريتانيا.
كما أن مشروع مصفاة النفط في نواذيبوا الذي تولى ولد الشيخ عبد الله المفاوضة علية مع الأمريكيين تم فيه التوقيع على ابروتكولات مجحفة بموريتانيا يعتبرالكثيرمن رفاق ولد الشيخ عبد الله أنها كانت بروتكولات مضرة بالمصالح الاقتصادية للبلد. أما ثالثة الأثافي في المسارالإداري لسيدي ولد الشيخ عبد الله فقد كانت كارثة مصنع السكرالذي كان يتولى إدارته.
ودعوني هنا أنقل لكم ما قاله السيد شيخنا ولد محمد لقظف المعايش لتفاصيل الأحداث في تلك الفترة: لجريدة أخبارنواكشوط (العدد295 بتاريخ 02 يوليو 2002 )." المصنع الذي كان يديره ولد الشيخ عبد الله كان كارثة بالمعنى التام للكلمة ولم تستفد موريتانيا منه شيئا ولم يوفرأدنى نسبة من العمالة الوطنية لأن البلاد كانت تكتفي بمجرد تعبئة السكرالذي يصنع في الولايات المتحدة الأمريكية في علب تستورد من الخارج، أيضا ويكفي أن نذكرفي هذا الصدد أن الاتفاق بشأن المصنع كان قد تم بحدود تسعة ملايين دولار ولم ينته العمل في المصنع إلا وقد وصلت تكاليفه إلى أكثر من 40 مليون دولارا ؛ إذ كان الأمريكيون يطالبون في كل مرة بإعادة تقييم عملهم واتفاقهم مع موريتانيا وكان القائمون على المصنع يستجيبون في كل مرة لذلك".
ناهيك عن فضيحة الصيد أيام كان سيادته (وزيرا للصيد 1986) رغم أن وزراء كانوا معه حينها في نفس الحكومة وهم ليسوا من حلفائه السياسيين الآن يؤكدون أن لاعلاقة لولد الشيخ عبد الله بتلك الفضيحة التي حبكتها أطراف أخرى ، ولكن الغريب أن مناضلي التكتل القوى الديمقراطية لم يتطرقوا ولو بشطر كلمة واحدة إلى هذه الأخطاء المنسوبة لولد الشيخ عبد الله فيما ركزوا على قضية الصيد التي لم تثبت مسؤوليته عنها ربما لأنها كانت في عهد ولد الطايع فيما القضايا السابقة كانت في عهد الرئيس المرحوم المختار ولد داداه.

من خلال الاستعرض الماضي للتاريخ السياسي والإداري لولد الشيخ عبد الله وما تخلله من نقاط مضيئة وأخرى معتمة فإنه يمكن أن نسجل أن الرجل كان من أبناء الحركة الوطنية وأنه كان مثقفا حرا مناصرا للحريات ومتضامنا مع ضحايا الظلم، لكنه في المقابل كان ضعيفا أمام إرادة الأجنبي المتربص بخيرات البلد، كما كان عاجزا عن الوقوف أمام مافيات الفساد إذا أفترضنا براءته سلفا من المشاركة في تلك الملفات.
إلى أين نتجه؟
إن استشراف مستقبل النظام الحالي والمآلات التي يتوقع أن تصير إليها الأمور السياسية في البلد من وجهة نظري تتلخص في واحد من ثلاث مآلات:
1- توطين النموذج الجزائري :
بمعنى استمرارالنظام في شكله الحالي؛ أي التحالف بين الضباط المتنفذين (تمت ترقيتهم مؤخرا إلى جنرالات ) والرئيس المدني المنتخب الذي يحوز الشرعية ويصفه البعض بأنه يسود ولا يحكم، إن هذا النموذج في الحكم - الجديد في التاريخ السياسي للبلد- الذي يتحكم فيه الجنرالات مع يافطة مدنية منتخبة هو شبيه إلى حد كبير بالنموذج الجزائري الذي أزعم أن الجنرالات الجدد يحلمون به، ويعملون بمباركة من قوى دولية وأخرى إقليمية على إرساء دعائمه، التي سيكون من ركائزها جرجرة القوى السياسية الرئيسية في البلد لإقحامها داخل النظام تمهيدا لتدجينها وترويضها بالكلية إن هذ النموذج الجزائري يمتلك نقاط قوة لصالحه يمكن أن تساهم في عملية توطينه، من أهمها:
- الشرعية والقبول النسبيان اللذان يتمتع بهما الجنرالات بعد تخليصهم لموريتانيا من الانهيارالشامل الذي كان ولد الطايع يقود موريتانيا إليه، بفعل سياساته الرعناء، إضافة إلى أن الضباط المتبقين من المجلس العسكري لسيت لهم مشاكل كبيرة مع الكثير من التيارات السياسية في البلد باستثناء للوبيات المرتبطة بالرئيسين السابقين معاوية واعل ولد محمد فال.

عامل آخرمساعد هو النجاح الذي حققه الجنرالات من خلال عملية الإخراج الديمقراطي التي جاء وا من خلالها بالرئيس ولد الشيخ عبد الله إلى سدة الحكم وبذلك تجاوزوا مرحلة الحكم العسكري مهزوز الشرعية وتخلصوا من رئيس المجلس العسكري العقيد اعل ولد محمد فال الراغب في التمديد وأوصدوا الأبواب أمام الزعيم المعارض أحمد ولد داداه المتطلع إلى الوصول للسلطة.

أما العامل الثالث: فهو كون الضباط النافذين ينحدرون من أوساط اجتماعية ذات نفوذ مالي وتجاري، وفي بلد مثل موريتانيا فقير ومفقر يصبح التحالف بين أصحاب السلطة وسدنة المال تحالفا قويا يمسك بجل خيوط اللعبة.
العامل الرابع: فيتعلق باختيار شخص ولد الشيخ عبد الله الذي ينحدر من منطقة الوسط الموريتاني والذي لم يكن له مشروع سياسي يناضل من أجل تحقيقه بالإضافة إلى سنه وشخصيته الاستيعابية غير الصدامية كل ذلك شجع على نجاح المرحلة الأولى من عملية التوطين.
ولكن في بالمقابل لا بد أن ندرك أن وضع الجزائر مختلف عن موريتانيا فالجزائر بلد كبير ذو موارد هائلة والدولة فيه راسخة الجذور وتضمر فيه إلى حد بعيد النزعات القبلية والجهوية، والجيش الجزائري جيش كبيردقيق التنظيم وشديد الانضباط وهو إلى جانب ذلك جيش شعبي حرر الجزائر وهذه العوامل كلها منعدمة في الحالة الموريتانية.
في ختام حديثنا عن عملية توطين النموذج السياسي الجزائري في موريتانيا. بقى أن نتساءل إلى أي الرؤساء الجزائريين – ما بعد 1992م - ستكون مرحلة الرئيس ولد الشيخ عبد الله مشابهة لها هل هي مرحلة الرئيس محمد بوضياف الذي تم التخلص منه في ظروف غامضة أم هي مرحلة علي كافي والأمين زروال العابرتين أم أن الرئيس ولد الشيخ عبد الله قد ينجح في الوصول إلى مرحلة بوتفليقة حيث توسيع هامش التحرك في الإطار العام الذي تحدد معالمه الرئيسية من قبل الجنرالات.

2-الانفراد بالمجد: بناء نظام مدني قوي:

إن بقاء نظام ولد الشيخ عبد الله في شكله الحالي مشاركا في سلطانه من قبل الجنرالات أمرمشكوك في استمراريته، لقد عقد العلامة ابن خلدون في مقدمته فصلا سماه "الانفراد بالمجد" تحدث فيه عما يصيب تحالف العصبيات الحاكمة من صراعات وانشقاقات وإعادة فرز من جديد في اتجاه أن تكون واحدة هي الغالبة والقائدة" فتجدع حينئذ أنوف العصبيات الأخرى وتفلج شكائمهم" فينفرد الغالب بذلك المجد بالكلية ويدفع الآخرين عن مساهمته. والناظرفي التاريخ السياسي الوطني سيجد مصداق ما أشارإليه ابن خلدون من انفراد بالمجد في محطات مختلفة من ذلك التاريخ.
ففي سنة 1961م شهدت البلاد خلافات حادة بين الوزيرالأول المختارولد داداه ورفيق دربه وأستاذه في السياسة سيدي المختارولد يحي انجاي رئيس الجمعية الوطنية و الذي كان له الفضل في إقناع الرئيس المختاربقيادة مشروع الدولة الموريتانية كما شرح ذلك الرئيس المختارفي مذكراته، وانتهت تلك الخلافات باستقالة رئيس الجمعية الوطنية ولد يحي انجاي في ظروف ليس هذا مكان بسطها.
وفي مارس 1979م وثب الرئيس العقيد المصطفى ولد محمد السالك وطرد من عضوية اللجنة والحكومة الرائد جدو ولد السالك وزيرالداخلية والعقل المدبر لانقلاب العاشرمن يوليو وأقال معه وزيرين آخرين من أبرز قادة الجناح المدني للانقلاب هما وزير المالية سيدي أحمد ولد ابنيجارة ووزيرالإعلام محمد يحظيه ولد ابريد الليل.
وبعد انقلاب 12-12-84 م تخلص الرئيس ولد الطايع من مجموعة الضباط التي جاءت به إلى السلطة فأرسل العقيد أحمدو ولد عبد الله والعقيد الشيخ سيدي أحمد ولد باب مين سفراء في الخارج فيما تم عزل كل من العقيد "وان بابولي " والعقيد جبريل ولد عبد الله والعقيد محمد سيدينا ولد سيديا الواحد بعد الآخر.

في ضوء ما تقدم لا يستبعد أن يقوم الرئيس ولد الشيخ عبد الله الذي يحوز الشرعية و "الزاوي ذو الثقافة "المتكيديه" والمتشبع بنهج الرئيس المختار الحكيم والمتدرج أن يثب وثبة ينفرد من خلالها بالمجد ويتخلص بهدوء من الضباط المتبقين -ربما تكون الترقية إلى جنرالات بداية مرحلة الوداع – ويتوجه إلى بناء نظام مدني قوي سيعتمد فيه على عصبية جديدة هي الطائفة التيجانية التي ستوفرله دعم الزنوج الموريتانيين بالإضافة إلى قبائل بيظانية هامة تحوز على عدد كبيرمن الأطر العليا ورجال الأعمال وهو التوجه الذي سيحظى برعاية ودعم المغرب والسينغال دون شك.

3- مسح الطاولة بالجميع :

لا يزال النظام القائم وبغض النظر عن عمليات الفرز المتوقعة داخله مهددا بالسقوط بفعل عوامل عديدة منها أن الجنرالات المتنفذين ليست لهم جذور عميقة في المؤسسة العسكرية وليس لهم ود كبيرمع معظم قادتها وسيزيد من حالة الجفاء تلك الترقية الأخيرة للضباط المعنيين من عقداء إلى جنرالات في خرق للتقاليد العسكرية وتسييس للجيش الذي يفترض أن يبقى جيشا جمهوريا مصانا عن عبث السياسيين.

وفي ظل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة للمواطنين و المرشحة لمزيد من التعقيد والصعوبة وفي ظل الصعوبات التي تواجه عملية تجذير النظام وعدم قدرته حتى الآن على إقناع الأصدقاء والحلفاء قبل المنافسين والأعداء يصبح سقوط النظام أمرا ليس بالمستبعد.

الأزمة المزمنة:

المؤسف أن البلاد التي يجزم بعض "أصحاب العقول المستريحة" أنها تجاوزت إلى بر الأمان لا زالت للأسف الشديد تتخبط في أزمات مزمنة منها ما يتعلق فيما يبدو بظروف ميلاد الكيان الموريتاني ومنها ما يتعلق بالطبقة السياسية المهترئة والفاسدة والفاقدة للشعور بالانتماء للوطن والمستعدة لبيعه لمن يدفع الثمن، كما سبق أن وصفها الزعيم الصحراوي الولي مصطفى السيد.

إن النظام الحالي يظهركما لوأنه يعيش مرحلة الشيخوخة وهو لايزال في سن الفطام بل بالكاد يكمل حوله الأول. إنه يذكرني بمرحلة مصرأيام الملك الصغير خليل ابن الملك الصالح نجم الدين وأمه "شجرة الدر" ومماليك البحرية وقادتهم : "أقطاي" و"أيبك" فهل البلاد في حاجة حقا إلى "قطز" جديد؟.

المؤسف أن النظام السياسي الموريتاني لا يزال لحد الساعة غير قادر على الاستجابة لتحدياته السياسية المتمثلة في إعادة بناء النظام السياسي والإداري على أسس حديثة تستجيب للتحديات الراهنة، وما صراع النماذج الذي تشهده البلاد حاليا والانحباس في النماذج الماضوية بأفكارها وشخوصها إلا دليل على عجز النخب الحالية عن الاستجابة لتحديات اللحظة الراهنة فهل تظل موريتانيا تدور في الحلقة المفرغة ذلك ما لا ترجوه الأجيال الجديدة. "ولله الأمر من قبل ومن بعد". 

20. أبريل 2008 - 23:07

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا