إشكال الوحدة بين وهم الأرقام و ضعف القيام / الولي ولد سيدي هيبه

و مر نصف قرن يزيد خمسة أعوام من الاستقلال حافل بتناقضاته فوق أديم موريتانيا التي تسمت بهذا الاسم  بإرادة و على أيدي المحتل الفرنسي و هو من رسم و وضع علامات حدودها دون إعمارها و صانعي حيثيات استقلالها داخل هذه الحدود التي اقتطع لها على منطقة شاسعة بسط عليها نفوذه أرضا

 من ثلاث جهات ما بين الكيانات المالية و الجزائرية و السنغالية على الضفة اليمنى من النهر و تقاسم منها مع اسبانيا جهة الصحراء الغربية و شاطئها الأطلسي الذي تطل عليه. 
و احتفلت البلاد بهذه الذكرى الخامسة و الخمسين استثنائيا في العاصمة الاقتصادية نواذيبو على وقع استعراضات عسكرية غير مسبوقة و بحضور ممثلين عن جيوش دول شقيقة وصديقة و حضره ليشاهده عن كثب آلاف من المواطنين قدموا من العاصمة السياسية و الإدارية نواكشوط رافضين بعزم و اندفاع ترك تلك الحظوة لسكان نواذيبو يستأثرون به وحدهم و يتمتعون.
و لما كان حفل الاستعراض الكبير يمر أمام المنصة الرسمية التي تواجد فيها رئيس الجمهورية، و من حوله رئيس أركان الجيوش الموحدة و ضباط سامون و أعضاء من الحكومة و مدعوون من السلك الدبلوماسي و منظمات أممية و غيرهم، فقد كان للاستعراض طعم الزهو بالوطن و الاعتزاز بالمستوى الذي وصل إليه جيشه بكل أسلاكه و تشكيلاته و بمختلف تخصصات عناصره.
و لما أن تغطية الحدث كانت هي كذلك مباشرة فقد التحمت بالحدث كل القنوات التلفزيونية و الإذاعية فنقلت الصورة حية و أدخلتها بكل ألوانها و تجلياتها جل البيوت في جميع ولايات الوطن و عبر الأقمار الصناعية إلى أصقاع العالم لتكتمل الصورة و يصح الانطباع في الأذهان عن مستوى الاحتفاء هذه السنة بعيد الاستقلال.
و هي القنوات التي نظمت كلها منذ بداية الشهر و ضمن مسطرتها المواكبة للحدث جملة من التظاهرات الثقافية و السياسية اهتمت خلالها بعديد المواضيع القيمة و الحساسة شملت المقاومة الوطنية تاريخا و أحداثا و تناولت مسار بعض الزعماء السياسيين الذين حضروا لحظة نشأة الدولة و شاركوا في تأسيس و قيام أركانها الأولى و ضبط إيقاع كيانها، و قضايا أخرى متنوعة منها ما تعلق بإشكال الوحدة الوطنية و عوامل قيامها و كذا معوقاتها و دور السياسية في ذلك و إليه غاية قصوى.
و في ندوتها القيمة التي نظمتها قناة "المرابطون" في هذا السياق الاحتفالي و ضمن الخضم المتمخض عن ذلك، و قد حضرها على غير العادة طيف مَثل و لو كان ذلك بشكل نسبي تركيبةَ البلد سياسيا و إثنيا و شرائحيا لكمال صورة الطيف كما كان يجدر أن يكون عليه الحال دائما. و هي الندوة التي حملت عنوان " تحديات بناء دولة الإنصاف والشفافية" و إن طغت على كل محاورها المتعددة و الجوهرية الأخرى مسألة الوحدة الوطنية، بل و أخذت بعض المداخلات التي اهتمت بها دون سواها نسقا أفصح عن بعض الطرح المتطرف بحدته و حمل رغما عن أصحابه أو عمدا منهم لغاية الإفصاح عما يتبنون كل مسوغات الانسداد و توسيع دائرة الشرخ ألمفاهيمي و دق إسفين التراشق و بث الخلاف الموقفي في جسم الدولة و هي التي ما زالت رغم كل هذه المدة و ما عرفته من تحولات جسيمة تتلمس طريقها وسط أشواك مخلفات و مساوئ اعتبارات ماض حاضر يؤثر التراشق و يمجد الكسل و الكسب البسيط المعتمد على تغييب مفهوم الدولة وسلوك المواطنة و الاصطفاف وراء الارستقراطية القبلية و الإثنية و الشرائحية و الحزبية بكل القراءات و التوجهات العقائدية المحلية والمستوردة.
و لم تخل الندوة من رأي طالب أصحابَ هذا الطرح الحاد بتخفيف تلك النبرة المتسمة بتطرف في الاستنتاج حول الواقع و مجرياته، و بمراجعة اعتماد لغة مبتذلة للأرقام حول نسبة تعداد المكونات المئوية و تهشيم الهوية العربية نصف بربرية و كأن ذلك بنفس حدته في بلدان أخرى شقيقة تشكل امتدادا حضاريا من ناحية، و تقسيم الأمة إلى فسطاطين بالأبيض و الأسود من ناحية أخرى؛ طرح من ذات الرأي نبه على خطورة كل ذلك و ما قد يسبب اعتماد منطقه من استحالة لَمِ الشمل و تحقيق الوحدة. و هو الرأي الذي دعا كذلك إلى وجوب محاربة ما يكون من التغاضي عن إلحاحية المعالجة الجذرية و بالشجاعة الأدبية و العلمية للقضايا العالقة التي تمس في مجملها ظواهر الغبن و الحيف و مسألة منطقي الاستعلائية و الدونية الساريان و اللذان أفرزتهما و تضمنتها في الماضي باسم الدين جورا نصوصٌ مبتورة و محرفة الوجهة من متن المعتقد و في الديوان الشعري و رزمة الأمثلة الجارية على الألسنة و في المسطرة التعاملية الاجتماعية و ما زالت بعض مفاهيمها سارية دون مصادرتها عمليا و القضاء عليها في سياق المسطرة التعاملية الجديدة في دولة المواطنة و النهج الديمقراطي تحت مظلة الإسلام الوسطي الحنيف المنقى من عوالق الجاهلية و لي النصوص و تحريف وجهتها التي تفيض في الأصل و من منبعها عدلا و سماحة.
ندوة قيمة ورد خلالها الحديث أيضا عن إشكال اللغة العربية و رسميتها و عملية حضورها كعامل لوحدة ـ الأمر الذي يتجاسر عنه البعض ـ حيث أنها لغة الإسلام الجامع لا لغة قوم لوحدهم و إذ كيف لا يكون الأمر كذلك و قد نزل بها القرءان الذي تترجم إلا معانيه و  هو النص الثابت الذي نزل به و بعث الرسول الأمين رحمة للعالمين محمد صلى الله عليه و سلم.

29. نوفمبر 2015 - 15:10

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا