في ذكرى تأسيس الجيش الموريتاني / د. محمد الأمين حمادي

لقد شاهدت العرض العسكري الذي تم بمناسبة الذكرى الخامسة والخمسين لعيد الاستقلال الوطني.
وقد أثار هذا العرض إعجابي وحماستي واعتزازي ببلدي موريتانيا وأبنائها البررة الأفذاذ الذين يسهرون على الرفع من شأن جيشنا وجاهزيته القتالية  وعدته وعتاده الحربي. ولقد اجمع 

المراقبون أن هذا العرض العسكري أثبت أن الجيش الموريتاني مجهز بالعتاد والعدة اللازمين وأنه صار الآن يمتلك جاهزية عسكرية وقتالية عالية انعكست على الأوضاع الأمنية للبلد بشكل عام.
وهذه مناسبة للاعتراف لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد بن عبد العزيز بهذا الانجاز العظيم في فترة قياسية، كما هي مناسبة للاعتراف بالحكمة والحنكة والنظرة الإستراتيجية للقائد العام لأركان الجيوش الفريق محمد بن الشيخ محمد أحمد. ومن الناحية التنظيمية لهذا العرض العسكري الكبير أثبت القائد العام المساعد لأركان الجيوش اللواء حننا بن سيدي الذي تولى الإشراف على تنظيم هذا العرض الرائع كفاءة عالية في التنظيم المحكم للعرض العسكري حيث أثار إعجاب المشاهدين ونال رضاهم بما امتاز به من دقة في التنظيم وجمال في العرض.
لم نتعود في موريتانيا أن نذكر مآثر الساسة والقادة  خوفا من أن نتهم بالمحاباة أو محاولة التقرب منهم لكن من لايشكر الناس لايشكر الله. ولذلك فإنني لن أتوقف عند هؤلاء الرجال الثلاثة الذين ذكرتهم هنا بمناسبة العرض العسكري الناجح بل أغتنم الفرصة لأذهب أبعد من ذلك حيث أجد من المناسب أن أتناول بالقلم ذكرى رجل عظيم من رجالات الدولة الموريتانية والعرب تقول الشيء بالشيء يذكر.
إنه الرئيس الراحل المصطفي بن محمد السالك بن ولاته ، الابن البار لهذا البلد رحمه الله تعالى.
رأيته أول مرة عام 1992  وقد بدت السكينة والوقار على وجهه وحسن سمته وكانت كلماته تأسر القلوب والآذان.
ثم التقيت به مرات عديدة عام 2010 في فرنسا حيث كنت أحضر رسالة الدكتوراه وكان يتردد عليها للعلاج رحمه الله تعالى.
لقد دخل العقيد المصطفى التاريخ من بابه الأوسع دون جعجعة  ثم آثر الخروج بشرف ملتزما الصمت والابتعاد عن الأضواء حرصا على صون كرامته وشرف منزلته.
كل من عرف هذا الرجل الفذ رأى فيه سمات الرجل المؤمن المخلص الورع المستقيم الذي لا يريد علوا في الأرض ولا فسادا.
حدثني  عنه والدي أطال الله بقائه، فقد التقى به عام 1959 في قرية بوصطيله حيث كان الوالد مدرسا بالمدرسة المتنقلة مع سكان البوادي وكان المصطفى رحمه الله تعالى مديرا لمدرسة القرية فكان مما ذكر لي من خصاله السمحة أنه كان ورعا نزيها مستقيما مواظبا على قراءة القرآن وكان خطه بالعربية من أجمل الخط  كما يشي أسلوبه في التحرير بتمكنه من اللغة العربية.
إن مسيرة المصطفى بن محمد السالك حافلة بالأحداث المشرفة التي هي مصدر فخر واعتزاز لنا جميعا نحن الموريتانيين وقد شهد له بحسن الخلق والسريرة والاستقامة كل من عرفوه حق المعرفة. وشهد له علماء زمانه شهادات تدل على شرف منزلته حتى أن أحد كبار العلماء قال فيه إنه يحتسبه عند الله شهيدا.
و تواترت شهادات معاصريه من رجالات الدولة و وجهاءها وساستها وعلماءها الذين أصروا على تأبينه فشهدوا بعلو همته و شرف منزلته وعزوفه عن السلطة والشهرة.
ومن كانت هذه شهادات الناس عليه فأقل الواجب أن نستذكر مآثره ونترحم عليه و نحييه تحية إجلال وإكرام،  لم لا وقد ضحى هذا الرجل بكل ما يملك من أجل استقرار هذا البلد ولو لم يكن له من عمل مشرف سوى إيقافه، هو وزملاءه الضباط،  لحرب الصحراء المدمرة لكفاه شرفا أنه حقن دماء المسلمين  وأخرج البلد من دوامة حرب أهلكت الحرث والنسل رغم أن البعض قد أعماه الله عما في هذا العمل من منفعة وخير للبلد فطفق يتحامل على أولئك الأبطال أبناء البلد البررة.
وهذا ما يفسر خروج المصطفى رحمه الله تعالى من السلطة حيث قال مقولته الشهيرة: " لقد قدمت استقالتي لأنه لم يبق أمامي إلا إراقة دماء أبنائي.. أنا جئت من أجل حقن الدماء فكيف أكون سببا لإراقتها؟"
فهل نصدق بعد كل هذه المآثر الحميدة الجميلة المشرفة ما ينشر بين الحين والآخر من كلام يستهدف النيل من عرض هذا الرجل الشريف والقائد المحنك والمؤمن الورع النزيه.
نعم لقد حز في نفسي ما قرأت من كلام منسوب لوزير أسبق في مقابلة مسجلة منذ سنوات مضت، ذكر فيها هذا الرجل عفا الله عنه وتغمده برحمته وأسكنه فسيح جناته أمورا تأباها الفطرة السليمة والعقل الراجح أن تكون صادرة من أسفه سفهاء هذا المجتمع المسلم الأصيل فكيف بمن كان في منزلة المصطفى بن محمد السالك الذي كان مضرب المثل في التقى والورع وحسن الخلق بشهادة معاصريه.
لقد بنى الفرنسيون معلما معماريا عظيما أرادوه مثوى أخيرا لرجالات الدولة الفرنسية العظام حيث تنقل إليه جثامينهم تكريما وتشريفا لهم. وقد كتبوا على واجهة هذا المبنى و اسمه Le Panthéon  عبارة ترمز إلى الاعتراف بالجميل لرجالاتهم أولئك والعبارة هي :
Aux grands hommes, la patrie reconnaissante
فهل نقبل أن نكون أقل شأنا منهم ونعجز عن تكريم رجالاتنا العظام  بل وننشغل في محاولة النيل منهم والتقليل من شأنهم وقد نهانا ديننا الحنيف عن ذلك، يقول الحق سبحانه : يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم.
لقد نهانا الشرع الكريم عن الوقوع في أعراض الناس، غيبة أو بهتانا، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته.
والمصطفي بن محمد السالك رحمه الله تعالى بريء من كل ينسب إليه من أفعال لا تليق بمنزلته وقد شهد له العدول شهادة عظيمة نحتسبها في ميزان حسناته رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته وعفا الله عنا وعن المسلمين أجمعين.  

30. نوفمبر 2015 - 14:18

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا