للإصلاح كلمة تتعلق بما يسميه الشعب الانفلات الأمني في العاصمة / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح هذه المرة تود أن تشرح للمواطنين المقابلة التي أجرتها معي قناة المرابطون بعد الجرائم التي وقعت في العاصمة في الآونة الأخيرة .
تلك المقابلة التي تركزت على شرح أسئلة السادة النواب في مساءلتهم للسيد وزير الداخلية عن أسباب تدهور الأمن في العاصمة وكثرة اللصوص وتنوع جرائمهم.

وبما أن النواب تساءلوا عن شيء لم يدركوا أسبابه وجاءت أسئلتهم تحتاج إلى توضيح كما أن السيد / الوزير جاءت أجوبته أكثرها شبه اعـتذار أو تبرير من الحكومة أو إظهار لمجهوداتها في محاولة تكـثيف محاربة الجريمة وذلك بإدخالهم لجميع القطاعات الأمنية في مكافحة الجريمة في أنحاء الوطن بصفة عامة وفي العاصمة بصفة خاصة ــ فإن المقابلة في قناة "المرابطون" جاء فيها تصحيح أو توجيه أسئـلة السادة النواب وكذلك جاء فيها تفسير لما ذكره السيد الوزير من محاولة الدولة للحـد من الجرائم بتقسيم أمن العاصمة إلى مراقبة ثلاث مؤسسات أمنية هي مؤسسة الدرك والحرس والشرطة .
ولأجل توضيح هذه القضية كلها فإن كلمة الإصلاح هذه تحاول أن تشرح ما جاء في تـلك المقابلة في القناة وتـنير تـلك الأسئـلة من طرف السادة النواب وأجوبة السيد الوزير .
وكما ذكرت في المقابلة فإني أود أن أعرف أولا :ما هو الأمن ومن يتحمله رأسا في الدولة؟  وما هي الجهة المكلفة باستـتـبابه في الدولة ؟ وما هي تـلك الإجراءات التي على تـلك الهيئة أن تـقـوم به ؟ وإذا عجزت عن ذلك فماذا على الدولة أن تـفعـل ؟
وبالرجوع إلى جواب هذا التساؤل فإن الأمن تـقال:
أولا : لحفظ الأرواح والممتـلـكات لجميع ساكني الدولة مواطنين وأجانب .
ثانيا : حفظ ومراقبة سير الحياة الأساسية في البلد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثـقافيا وكل هذه المسميات يدخل تحتها كثير من المسميات .
فمسؤولية هذا الأمن تقع على رئيس الجمهورية أولا ولكن في الدول الأخرى الديمقراطية حقا  يعطيها الرئيس لوزير الداخلية بقانون ويعطيه من الامكانيات لها بحيث لو وقع فيها تقصير لكان على وزير الداخلية أن يستـقـيل ولكن في دول الديمقراطية العسكرية يكون المسؤول فيها الأول والأخير هو رئيس الدولة وهذا ليس خاصا بموريتانيا بل لكل ما يشبها من دول عسكرية ديمقراطية فكل وزير هو مجرد معاون فقط .
وبهذا الواقع يكون على رئيس الدولة في هذه الأنظمة أن يستـقيل لأنه هو الذي يصنع جميع آليات هذا الأمن على عينيه وبأمر فيه مع أن وزير الداخلية هو المسؤول المباشر طبقا للقوانين ولكن ليس طبقا لما يفعـله رؤساء هؤلاء الدول الديمقراطيون العسكريون .
أما ما هي الآلية التي تقوم بهذا الأمن وهي المسؤولة عن التخطيط والفنية لاستـتـاب الأمن في الدولة ، فإن جميع الدول جعلت هذه المهمة من اختصاص هيئة تسمى الشرطة فإذا عجزت هذه الهيئة في قضية خاصة فإن الدولة تعززها بقوة أخرى تكون تحت أمرتها لأنها هي التي  تعرف الفنية وملابسات الموضوع .
أما الواقع في موريتانيا وهو الذي دارت فيه أسئلة النواب وجواب السيد الوزير فهو أن السيد رئيس الجمهورية عندما أخذ السلطة ظن أن جميع من يلبس بزة عسكرية يستطيع أن يقوم مقام الآخر وكان هو كما يقول المواطنون لا يرضى عن سلوك الشرطة قبـل ذلك إما لسلوكهم أنفسهم أو سلوك إدارتهم فقرر أن ينشئ جهاز أمن الطرق خارج الشرطة وأن يأمر هيئة الدرك أصالة وهيئة الحرس بالمشاركة الفعلية في حفظ الأمن في مكان هو مسؤولية الشرطة أصلا ، ونظرا إلى أن هيئة الشرطة والتجمع هما تابعتان مباشرة للداخلية فقد حول جميع اكتـتـاب الشرطة في السنوات الماضية إلى اكتـتـاب دفعات تجمع أمن الطرق فـفـقدت الشرطة بسبب ذلك ثلاث مسائل حدت من أدائـها .
أولا : الاكـتـتاب ومعه الترقية في الرتب وأصبحت المفوضيات ليس فيها من العدد ما تستطيع به المحافظة على الأمن بمخابراتها ودورياتها الراجلة والمتحركة .
ثانيا : الترقية وعدمها بفـقدها معنوياتها كما هو معروف في الهيئات العسكرية وشبه العسكرية فوكيل الشرطة بعد ثمان سنوات يستحق أن يكون رقيبا أول على الأقل أو مساعد ، ولذا تجـد أكثرهم يستحي أن يحمل علامة رتبـتـه الحالية على منكبـيه لكثرة حمله لها على طول مهـنـته .بدون تغيـيـر .
ثالثا : رؤيتهم مباشرة لأقرانهم من هيئة الدرك تـتـدخل في مكان عملهم أصلا وما كان لها أن تفعـل ذلك قـبـل هذا النظام .
ونتيجة لهذا كله فإن أول سؤال طرحه النائب محفوظ بن أجـيـد يقول أن الأمن تدهور عـندما أنشئ هيئة تجمع أمن الطرق وبذلك ظهر تهميش الشرطة فانفـلت الأمن من الجميع
أما سؤال النائب المختار بن محمد موسى فإنه يقول إن وجود كلا من الدرك والحرس في مقاطعات ولايات نواكشوط هو الذي سبب الانفـلات الأمني لأن الشرطة أصبحت ليست مسؤولة عن أمن تـلك المقاطعات إلا في تـلقي شكايات المتضررين فتسجل شكاياتهم لحفظها فقط دون المحاولة من الحد في أسبابها لأن الأمن في الليل لا يعنيهم في المقاطعات والبحث عن الأمن في الليل والنهار مترابط بعضه يساعد على بعض فمن أمن في الليل فعليه أن يؤمن في النهار .
وأخيرا قال النائب محفوظ بن أجيد أنه كان على الحكومة أن لا تقاعد رتبة المفوض لأنه أصبحت عنده خبرة تساعد هيئته في ضبط الأمن دائما .
أما رد السيد الوزير على مساءلة النواب فكان على النحو التالي :
أولا : إنشاء هيئة تجمع أمن الطرق كان مساعدة للشرطة لأخذ أمن الطرق وتركها تـتـفرغ لمهمتها وهي مكافحة الجريمة ، أما تهميشها من طرف الدولة فإنه لم يقع فهي تؤدي مهامها كما ينبغي  .
ثانيا : إن مساعدة الأمن من الهيئات الأخرى في المقاطعات هو تعزيز لعملها هي فقط وليس تهميشا لها .
أما قضية عدم تقاعد المفوضين فلم يرد عليها السيد الوزير .
هذا أهم تـلك المساءلة من طرف السادة النواب وذلك رد السيد الوزير عليهم في الموضوع أما التعليق على المساءلة والجواب فقد جاء في المقابلة التلفزيونية ملخصا كما يلي :
أولا : عن قضية التهميش فقد ظهر لجميع المواطنين وقوعه ، فما كان لرئيس الدولة أن يفكر فيه ولا أن يأمر به مهما كان فسادا لقطاع حتى لو كان الفساد من نفسه أو بغيره لأن مهمته هي أمن المواطنين وذلك الأمن من يوم سجن الرئيس السابق عن تحمل الرئاسة فقد أصبحت أعباءها ملقاة على سيادة الرئيس الجديد ومسؤولا عنها في الدنيا والآخرة ، فمن اشترى سكنا لسكناه ووجده غير صالح للسكن إما أن يهدمه كلا ويبـنيه من جديد أو يصلحه إذا كان ينفع فيه الإصلاح أما إعارة سكن آخر غير معـد أصلا لهذا النوع من السكن فهو تفريط في وجود مسكن آمن ينعم به الجميع وعندئذ تسكن الناس في العراء بلا أمن كما وقع قبل ان ينتعش الأمن الان نتيجة يقظة ادارته الجديدة .
أما إنشاء قضية تجمع أمن الطرق لمساعدة الشرطة في مهامها فهو كمن وجد كتيبة النخبة تقـاتـل في الأمام فأخذ منها سلاحها وقال استمري في القـتـال فقد ارحـتـك من سلاحك .
فشرطة المرور دائما في جميع الدول هي التي عليها ركيزة الأمن العمومي لتواجدها دائما في الشارع ولمعرفتها لحركات سيارات أهل الإجرام ونوع حلاقـتهم وسياقـتـهم واتجاهاتهم إلى آخره فكم من مجرم ضبطته شرطة المرور إما من تـلقاء نفسها بتعرفها عليه مباشرة أو بسرعة عندما تبـلغ بإجرام ارتكب بسيارة الخ ولذا فإن الشرطة الفنية وشرطة الحوادث يتعلق بعض عملهما بشرطة المرور وهما مازال عملهم عند الشرطة فرفع البصمات من هيكل السيارات ورفع الآثار سواء كانت آثار الأقدام أو السيارات ومعاينة الحوادث ومعرفة الخطأ المؤدي إلى حدوثها كل هذا مرتبط بعمل شرطة المرور .
أما مساعدة الهيئات الأخرى للشرطة في عملها في المقاطعات استـقلا لا عن الشرطة فهو بمثابة من جمع الأطباء وهم يلبسون "ابلوز" وقال للمتخصصين في جراحة العين نفضل لجراحة القلب لأنك تلبس" أبلوز الأطباء "  فالمعروف أن المدارس العسكرية الوطنية أربعة في الدولة : الجيش في أطار ــ الحرس والدرك في روصو ـ الشرطة في انواكشوط وكلها عندها تخصصها الخاص بها وبرنامجها التي تـتـدرب عليه ليلا ونهارا ولا توجد صورة طبق الأصل تجمع بينهما كلا فالدرك يتقاطع بينهما في عمل الشرطة القضائية ، والحرس في الأمن العمومي والجميع يفترق في الكثير  .
ومن المعلوم عند العالم أن هيئة الشرطة هي التي يسند إليها تأمين جميع المدن ولا سيما الحضرية الكبيرة وعندها أسلوبها لهذا التأمين الذي تستطيع أن تغطي به جميع المدينة وهو متنوع جدا ومن أهمه الدوريات التي تتجول دائما في الأسواق تبحث عن المجرمين ويـلفت نظرها كل أجنبي وكل شخص تشم فيه رائحة الإجرام إلى آخر ذلك من ما يعرفه المتخصصون في البحث عن الإجرام فهم مصنفون عندهم ويبحثون عنهم دائما ويعرفون بدء سجنهم إذا سجنوا ومتى يخرجون من السجن لمزاولة إجرامهم ولكن هذا كله لابد له من الوسائل في العدد والامكانيات ورفع المعنويات لتغطية جميع المدن الحضرية بإحكام منع الجريمة أيا كانت والإطلاع على أصاحبها بمجرد التفكير فيها ويقال أن المجرم يمكنه أن يسكن بجانب وكيل الجمهورية أو رئيس المحكمة لأنه لا يعرف عندهم إلا في مكاتبهم ولا يمكنه أن يسكن بجانب وكيل من الشرطة فما فوق ، كما يقال أيضا أن الشرطة عندها خصلة تشبه فيها شخصية عمر بن الخطاب وهو أنه لا يسلـك طريقا إلا وتحول الشيطان عنها وبما أن المجرمين شياطين يقع لهم ذلك مع الشرطي  .
فما هو المطلوب إذن لتحقيق ذلك ؟ فالجواب على هذا السؤال يتمحض في ما تفعـله الدول الأخرى بتوفير العدد والوسائل المغطية لذلك وإن وقع طغيان أو تمرد يفوق قوة الشرطة فترسل قوة مساعدة تكون تحت أمرة ضباط الشرطة المتخصصين في التصدي لأصحاب الجرائم ،أما عدم تـقاعد المفوضين الذي لم يرد عليه الوزير، فالرتبة الأخيرة من القوات المسلحة لا تـتـقاعد  وكان ينبغي فعل ذلك للشرطة كما هو واقع للشرطة في فرنسا ولكنـنا في حكومة القوات المسلحة  والمثـل يقول ( ل تول ش ظاك) فعـندما يأتي رئيس مدني فلاشك أنه سوف يتجنب هذه المساءلة الضرورية للرفع من معنويات الهيئة ومن الآن حتى ذلك الحين نتمنى من الله أن يجعل موريتانيا في كنف حفظه ونقول لجميع شعبها ( إنـني معكم أسمع وأرى ))  

23. ديسمبر 2015 - 17:21

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا