اللغة العربية بين مكائد أعدائها وانهزام ابنائها (الحلقة الأخيرة) / المرابط ولد محمد لخديم

  ولعل هذا ما دفع بشيخ الإسلام ابن تيمية إلى القول بوجوب تعلم العربية على كل مسلم اعتمادا على قاعدة مفادها أن معرفة الإسلام مرتبطة بمعرفة اللغة العربية، وعليه فمعرفتها واجبة على كل مسلم بحجة أن مالا يتم الواجب إلا به يعتبر واجبا. فمن هذا المنطلق ـ إذن ـ يجب أن يلتقي الناطقون بالعربية

وغير الناطقين بها من المسلمين في جميع أقطار العالم. فالإسلام إذن هو الذي أخرج العربية من جزيرتها لتنتشر في أقطار العالم العربي، الإسلامي....
     وجعل عباقرة الشعوب الإسلامية ينتجون الآثار الأدبية والفكرية الخالدة باللغة العربية
( في زمن قصير) وما كتب الرازي، وابن سينا والفارابي، والغزالي، والبيروني، وسيبويه، والطبري، والبخاري، إلا أمثلة على ذالك. إذن نخلص إلى أن عالمية اللغة العربية مستمدة من عالمية الإسلام وقدسيتها مستمدة من قدسية كتاب الله ولا أدل على ذالك من الشعوب الإسلامية التي تبنت العربية بعد إسلامها وأتقنت هذه اللغة وأنجبت أمراء البيان فيها..
     وقد كانت من قبل شعوبا مختلفة اللسان من بابلية, وفينيقية, وقبطية ,وسواحيلية، وأمازيقية..
     مما سبق يتضح لنا أن كل دساتير الأرض حاضرا ومستقبلا قابلة للتغيير والزوال، وكل الأنظمة السياسية يمكن أن تتبدل رأسا على عقب، ولكن مالا يمكن أن يتغير أبدا هو كلام الله ودستور السماء وطالما أن كلام الله أبدي فالعربية أبدية ملازمة له حيث ما سطع نوره على البلاد التي دخلها..
       وإذا استطاع بعض الساسة في البلاد الإسلامية نتيجة الغزو اللغوي المبكر في هذا القرن أن يغيروا حروف لغاتهم، وينظفوها من الألفاظ العربية، ويستبدلوها بحروف لاتينية وألفاظ أوربية فإن القرآن في هذه البلاد (76) ما يزال يرتل بلسان عربي مبين ويكتب بحروفه العربية الأصلية، شأنه في ذالك شأن جميع البلاد الإسلامية في كل أقطار العالم، كما أن انتشار الإسلام في الوقت الحاضر في أي بلد من العالم أدى ويؤدى بكيفية تلقائية إلى انتشار مؤسسات التعليم للغة العربية سواء في إفريقيا أو أوروبا أو أمريكا، وحتى الصين الشعبية في المدة الأخيرة فإنها ما أعادت حكومتها الاعتبار إلى الإسلام حتى سمحت بفتح المدارس والمعاهد بجوار المساجد لتعليم اللغة العربية والفقه الإسلامي لأبناء المسلمين وهذا ما يؤكد سر بقاء اللغة العربية ....
        ولا يمكن أن يحفظ القرآن ويفهم وبالتالي يفهم الإسلام وينتشر ويسود بغير لغته الأصلية التي نزل بها والتي وصفت في آيات منه: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه (77)، (لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين)(78)، (إنا جعلناه قرآنا عربيا (79).
     إذن فالقرآن كله عربي ولو اشتمل على غير اللغة العربية لكان مخالفا لهذه الآيات، ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد أرسل بغير لسان قومه...
     والقرآن يطلق على مجموعه وعلى جزء منه، فلو كان جزء منه غير عربي لما كان من القرآن، لقوله تعالى: (ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته (80) فنفي أن يكون أعجميا(81).
     وأما اشتمال القرآن على ألفاظ مأخوذة من اللغات الأخرى كاشتماله على لفظ "المشكاة" وهي لفظة هندية وقيل حبشية وهي الكوة، وعلى لفظ "القسطاس" وهي رومية ومعناها الميزان، وعلى لفظ الإستبرق" ومعناها الديباج الغليظ، وعلى لفظ (سجيل) ومعناها الحجر من الطين وهما لفظتان فارسيتان فإنه لا يكون بذالك مشتملا على كلمات غير عربية لأن هذه الألفاظ قد عربت فصارت معربة، فهو مشتمل على ألفاظ معربة لا على ألفاظ غير عربية. واللفظ المعرب عربي. كاللفظ الذي وضعته العرب سواء بسواء.
     والشعر الجاهلي قد اشتمل على ألفاظ من قبيل أن ينزل القرآن مثل كلمة (السجنجل) بمعنى المرآة في شعر امرئ ألقيس وغيرها من الكلمات عند كثير من شعراء الجاهلية. والعرب كانوا يعتبرون اللفظة المعربة عربية كاللفظة التي وضعوها سواء بسواء.
     فالتعريب هو صوغ لكلمة الأعجمية صياغة جديدة بالوزن والحروف حتى تصبح لفظة عربية في وزنها وحروفها.
       فهذا القرآن إذن أنزل بلسان عربي مبين ولا مجال إلى فهمه إلا من حيث يفهم الكلام العربي فأساليبه عربية، ومفرداته عربية، وألفاظه عربية.
       وهذا ما عبر عنه أبو إسحاق ألشاطبي بقوله:" إن هذه الشريعة المباركة عربية، والله تبارك وتعالى صرح بأن الحكم في الإسلام حكم عربي، كما قال تعالى في سورة الرعد: (وكذالك أنزلناه حكما عربيا (82) ومعنى هذا أنه حكم نزل بلغة العرب ويجب أن لا يحاول فهمه إلا من حيث يفهم كلام العرب بدلالات كلام العرب.
     ومن الجهل وقصر النظر أن يكون قصدنا من هذا الكلام المصطلحات المستحدثة في هذا العصر كعلاقة اللغة بالجنسية أو القومية ودعاوي الفصل ما هو قومي عربي وما هو مسلم لا قومي.على اعتبار أن اللغة مسألة قومية والدين رسالة سماوية تهم كل الذين يدينون به، بقطع النظر عن جنسياتهم وقومياتهم في سائر أقطار الدنيا، وبدت هذه الحجة كافية ـ ظاهريا ـ لبعض المتربصين بوحدة الأمة الإسلامية (83) كي يدقوا إسفين الخلاف والتعارض بين الإسلام ولغة القرآن، أو بين الناطقين بالعربية وغير الناطقين بها من المسلمين.
     ويفند الدكتور أحمد بن نعمان هذه الحجة من خلال النقاط التالية:
   1ـ إن اللغة ـ بالفعل ـ هي أكثر ارتباطا بالقومية من الدين بصفة عامة ومن الإسلام بصفة أخص لأنه دين للبشرية قاطبة كما هو معلوم، وأن الدين واحد، بينما لغات العالم متعددة،    ولكن هذا الأمر إذا كان صحيحا بالنسبة للغات الأخرى، فإنه غير صحيح مع اللغة العربية بالذات، لأنها مرتبطة بالإسلام ارتباطا عضويا" كما أسلفنا...
   2 ـ إن هذا الوضع المتميز للغة العربية جعلها ذات وظيفة مزدوجة سيرتها بالمنظور القومي (ألائكي) لغة قومية للعرب وحدهم، لكنها بالمنظور الديني الإسلامي لغة قومية لسائر المسلمين. بقطع النظر عن جنسياتهم السياسية   " إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون"(84) ولا وحدة ثقافية حقيقية لأي أمة بدون وحدة حقيقية في دينها ولسانها.
  3 ـ الانتماء القومي لأي شعب في الدنيا لا يرجع إلى كون هذا الشعب منحدرا بالضرورة من عنصر أو عرق واحد، وإنما يرجع إلى الانتماء أو الاندماج الإرادي لهذا الشعب في الثقافة المتبناة، ولا دخل في هذه المسألة لخرافة السلالة والعرق التي أبطلها العلم فضلا عن الدين الإسلامي بالذات، الذي نهي عنه عن حمية الجاهلية الأولى.
    4 ـ إن أكثر من 90% من أفراد المجتمع العربي الحالي، أي المجتمع الإسلامي الناطق بالعربية هم خارج الجزيرة العربية، وبالتالي فهم مسلمون قبل أن يكونوا عربا.
       وبعبارة أخرى فهم عرب لأنهم مسلمون وليسوا مسلمين لأنهم عرب، ولا عروبة ـ عندهم ـ بدون إسلام؛ أي ما كان للعالم العربي الحالي ولا للحضارة الإسلامية المعروفة في الشرق والغرب أن يوجدا لولا أمثال عقبة بن نافع، وموسى بن نصير، وطارق بن زياد، وعبد الرحمن بن رستم، ويوسف بن تاشفين، وابن تومرت.. وغيرهم من الذين عربهم الإسلام فأوجدوا ما يعرف اليوم بالعالم العربي، وبعبارة أخرى أدق العالم الإسلامي الناطق بالعربية(85).
     لقد أوردنا هذه الفقرة لنبين مدى تهافت الأفكار القومية الناتجة عن الغزوات الفكرية المدمرة والتي تظهر في آلاف الكتب والدراسات العربية. فزيادة على محاربة الإسلام باسم القومية (للائكية) لدى بعض العرب غير المسلمين, فإنك تلاحظ أيضا محاربة العربية ظاهريا باسم الإسلام، وباطنيا باسم النعرات العرقية والنزعات القومية، والسياسات..التي ظهرت كإحدى بواكر الغزو الفكري والثقافي لوحدة المجتمع الإسلامي.
    ومن غير المعقول أسلمة من يكره اللغة العربية ويحاربها حتى وإن تخفى وراء الشعارات المعروفة ”نحن مسلمون وكفى”، ونحن عرب ولا يهم أن نكون يهود أو نصارى أو مسلمين...
    والمخرج الوحيد لتفادي هذا الغزو الانشطاري المدمر لوحدة الأمة الإسلامية يمكن بوحدة اللغة إلى جانب وحدة الدين. ولذالك يجب أن توضع هذه اللغة فوق مستوى القوميات شأنها شأن كتابها المقدس القرآن الكريم.(86)
    وإذا كان بلدي موريتانيا معقل اللغة العربية والعلوم الإسلامية قد أفاقت أخيرا بعد سبات عميق بتخصيص يوم للغة العربية تحت اسم اليوم الوطني للغة العربية على غرار توصيات الدول العربية بعد مناشدة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم فما ذاك إلا أننا أصبحنا محكومين للافرانكفونبة من الإدارة والتوظيف إلى التعليم والمناهج من ذالك مشروع إصلاح التعليم المفترض الذي يبدوا أنه أصبح واقع, فمن المعروف أننا كطلاب أكثر ما يشدنا إلى المواد هو الضارب, وقد نجح النظام الحالي مشكورا الى اعادة الثقة في التربية الاسلامية حيث أصبح ضاربها في المرحلة المتوسطة:3 .وأرجع ضاربها الى: 2
      بعد أن كان لسنوات ضارب :1  ولكن بقي عليه ان يرجع الثقة الى المعهد التربوي الذي كان يؤلف الكتب وأن يأخذ المعهد التطورات والتحديات الجديدة بعين الاعتبار.. .
    كما يجب عليه ان يرجع الاعتبار الى اللغة العربية  بدلا من تهميشها وجعلها لغة ثانية عمليا؟؟
    ومالم يحدث شيء من هذا فان التعليم سيبقى فريسة للفرانكفونية كما هو مشاهد اليوم في غياب المثقف وانصهار شرائح المجتمع الأخرى في بوتقة السياسة من أجل منافع معينة باتت معروفة للجميع..
   وقد تكون إعادة الثقة للغة العربية حسب رأي في موريتانيا (بلاد شنقيط) أبسط من غيرها من الدول الأخرى فما على الدولة إذا كانت جادة في مسعاها إلا أن تفعل مادة الدستور التي تنص علي أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية وما يندرج حول هذا القانون بالتعامل به في الإدارة والتوظيف والتخاطب الرسمي....الخ
   ثم إعطاء ضارب للغة العربية كما أعطت ضاربا لشقيقتها التربية الإسلامية وتدريس المواد العلمية بها,,,
     ونحن هنا لا نسحب البساط من الإصلاح المفترض, كلا, فهو يبقى خيار الأمم والشعوب لكن ما بحمل على الريبة هو لماذا لفرانكفونية بالذات لماذا لا تكون الانجليزية مثلا؟ أو الألمانية أوالصينية؟ ومن الواضح لغير لعميان ما يعانيه التعليم لفرانكفوني نفسه في عقر داره.. !!!
    ويمكننا أن نقول في ضوء هذا كله، إن العيب في أبناء اللغة وليس في اللغة، وإن التنمية اللغوية مرهونة بالجهد الذي يبذله هؤلاء الأبناء في الواقع وبين الناس....
      فهل يستفيق الأبناء الجدد بعد انهزامهم ويدافعوا عن لغتهم التي هي لسان دينهم وعنوان هويتهم الثقافية ورمز سيادتهم الحضارية مستلهمين تضحيات الخلف الذين حافظوا على لغة الضاد بسبب أنها لغة القرآن ولغة تأدية الشعائر الدينية بعد ما حوربت من أعدائها لنفس السبب.!!
   (*): المقال مأخوذ من فقرات مختارة من كتابنا دين الفطرة: استنطاق الرياضيات والفيزياء بلغة انسانية,المرابط ولد محمد لخديم, تصدير: الأستاذ الدكتور محمد المختار ولد أباه, رئيس جامعة شنقيط العصرية والشيخ الدكتور أمين العثماني عضو اللجنة العلمية والتنفيذية للأكاديمية الهندية بدلهي الهند, ومن تقديم:الأستاذ الدكتور:أحمدو ولد محمد محمود,رئيس قسم الفيزياء بكلية العلوم والتقنيات جامعة التكنلوجيا والطب,والمفكر الاسلامي,سمير الحفناوي جمهورية مصر العربية,الطبعة الأولى الأكادمية الهندية بدلهي سنة 2010م الطبعة الثانية:دار المعراج,دمشق/بيروت سنة 2014م.

21. يناير 2016 - 8:23

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا