خطاب الترحيل ودورة المجلس الوطني للحزب الحاكم والأغلبية البائسة / د.محمد المختار دية الشنقيطي

في مقال نشر لنا سابقاً تحت عنوان:علامات الدولة الفاشلة نقاش في الصميم وبدون وديعة تناولنا فيه مظاهر وعلامات الدولة الفاشلة وتحديداً في الجوانب السياسية والأخلاقية، وكما هو الحال والواقع عندنا، وهي المظاهر التي تشملنا بآثارها وتأثيراتها السالبة ضغطاً في المعاش وبؤساً في الخيارات

 وحرماناً من نعمة الموارد التي تبدد شمالاً (معادن الحديد والنحاس والذهب) وجنوباً (المياه العذبة والأراضي الخصبة) وشرقاً ووسطاَ (الثروة الحيوانية ومنابع الأنهار والأودية) وغربا (الثروة السمكية الهائلة والمتنوعة)،ثروات هائلة مابين منهوبة ومعطلة ومبددة وتزويرا لواقع هذه الموارد والثروات الكبيرة والمتنوعة وتضليلاً في المعلومات والحقائق المتعلقة بالدولة والموارد وتسييرها وهي حقائق اعترف بها ضمناً الرئيس في خطابه القصير الأسبوع الماضي في الترحيل ؟
فالمجلس الوطني للحزب الحاكم ووزراء الحكومة والنواب والداعمون في الأغلبية المحكومة وليست الحاكمة ولا الحكيمة يتبارون في الإشادة بمستوى التنمية وبالانجازات المتحققة والورش الكبرى القائمة والنهضة التنموية التي يشهدها البلد وعلى جميع الأصعدة والمستويات ؟!
والمواطن يصرخ من شدة العطالة وضغط البطالة وارتفاع الأسعار وضياع التعليم وفساده ورداءة وندرة خدمات الكهرباء والماء والدواء والنقل واتساع دائرة الفقر واستفحال مهددات الوحدة الوطنية ومنذ بدأ التلاعب واللعب الممنهج  يؤسسها ومقوماتها ومن لحظة إذاعة البيان العسكري الأول 1978م والذي كان من سوء حظه وسواد طالعه أنه جاء في ظلمة وظلم الحركات العرقية وأيديولوجيات البحث عن الهوية الضائعة وأفول نجم الانقلابات العسكرية في العالم مع نهاية الحرب الباردة وانهيار المعسكر الشرقي النموذج للانقلابات العسكرية في العالم الثالث أو التالف.
ما من شك أن ذلك البيان العسكري الموتور والمشؤوم والذي جاء نتيجة للفشل الذريع والهزيمة النكراء في حرب الصحراء كان البداية الحقيقية للحرب على مقومات وحدتنا الوطنية كما كان الآفة  الفعالة لتخريب ما أنجز من مكاسب اقتصادية وتعليمية، بل وعلى مستوى المؤسسات التي تعبر عن وجود الدولة والمجتمع، وحل محل ذلك كله العصبية الجهوية والمحسوبية القبلية، وانتشر الفساد والرشوة وسرقة المال العام، وساد الغبن وقنن الظلم، فعلت صرخات المظلومين، ولم تعد الدولة مأوى وملاذاً للمحتاجين ولا خادمة للفقراء والمسكين، وإنما وسيلة ثراء وابتزاز بيد العسكريين المتسلطين بها على رقاب المواطنين يؤدبون الخصوم ويركعون المخالفين ويشيدون اصطبلات للعسكريين الحاكمين فضاعت الدولة وانهارت قيم المجتمع في التعايش والتي كانت سائدة وضامنة لمستوى من السلم المجتمعي، ورغم ما كانت تنطوي عليه تلك القيم من غبن فاحش وظلم بين لشرائح بعينها إلا أنها كانت توفر قدراً كبيرا من الأمن والاطمئنان الحافظ لوحدتنا الوطنية ونسيجنا المجتمعي؟!
فمنذ ذلك الانقلاب العسكري المشؤوم والبائس وعسكرة الدولة وفيئات المجتمع المتسيس لم تعرف البلاد انجازاً وطنياً يذكر، ولا تأسيساً لمشاريع تنموية في أي مجال من مجالات التنمية العشرة المعروفة علميا وعالمياً عكس ما تدعي السلطة وتروج له الأغلبية بكل أبواقها وأساتذة التضليل والتزوير والدجل والنفاق في حكومتها وأحزابها، وكما سيظهر ذلك جلياً من خلال استعراضنا لتلك الأقطاب التنموية وتنزيلها على واقعنا ؟.
فالتنمية المستدامة هي مفهوم عام وتعبير شامل يتناول كافة بني المجتمع ويشمل جوانبه المادية والمعنوية، وليست التنمية مجرد بناء طرق لا تتوفر فيها مقومات ولا معايير الطرق الحضرية ولا هي ادعاء عملية نمو اقتصادي مشكوك فيه علمياً ومكذب واقعياً، وإنما هي عملية لها إبعاد حضارية واجتماعية، وللعلم فإن إستراتيجيتها وفي المقام الأول هي إستراتيجية حضارية شاملة لجوانب كثيرة من أبرزها وكما يقول خبراء التنمية :  
1- التنمية الروحية: وتعني توفير البعد العقائدي أو الأيدلوجي للتنمية ذلك البعد الذي يتضمن كافة جوانب الحياة ويحدد للفرد حريته وحركته واختياراته. وأول ما توفره التنمية الروحية هو التعاون علي المصالح الوجدانية للمجتمع، ولا أعتقد أن فرداً من أفراد الأغلبية المحكومة وغير الحاكمة ولا الحكيمة ووزراء حكومتها العاجزة والفاشلة يجرؤون على دعوى أن هذا المستوى من التنمية حاصل فيه ما يمكن ذكره أو نقاشه أحرى تقديمه كمنجز ؟.
2- التنمية الذاتية وتعني الاعتماد علي قوى العمل المحلية والمواد الخام الأولية المتوافرة في البيئة وعمليات الإنتاج والمعرفة المحلية وتطويرها وفقا للتكنولوجيا المستوردة، وهنا يتولى الواقع المنهار الحوار العلمي والجواب الشافي للأغلبية والمعارضة على حد سواء ولرجال الأعمال الوطنيين ورأس المال العربي وحتى الاستثمار الأجنبي دور في الحوار والإجابات الشافية الكافية عن الانجازات ؟ .
3 – التنمية النفسية: بمعني تنمية طموحات المواطنين بالصورة التي تدفعهم نحو التطلع نحو المستقبل والسعي لتحقيق حياة أفضل وتعد احد الأبعاد الأساسية للتنمية المستدامة. لأنه واقعيا لا يمكن تحقيق أي انجاز ما لم تكن هناك طموحات دافعة إليه، وهجرة المواطنين وعطالة الدكاترة واعتصامات المهندسين والأطباء والقانونيين خير من يشارك في الحوار كذلك، ويتحدث عن مستوى التنمية النفسية؟ .
4- التنمية الإدارية والتشريعية: وهي الجهود التي يجب بذلها باستمرار لتطوير الجهاز الإداري في الدولة سعيا وراء رفع مستوى القدرات الإدارية عن طريق وضع الهياكل التنظيمية الملائمة لحاجات النفس والتصورات القانونية لضبط حركة الحياة . وهي التطوير الشامل للجهاز الإداري للدولة لرفع مستوى قدراته الإدارية لتمكينه من القيام بوظائف الدولة بشكل عام وبوظائف التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتنمية في كافة المجالات بشكل خاص، ولعل مستوى التخلف الإداري والفساد المالي سرقة ورشوة وباعتراف إعفاءات مجلس الوزراء  للمسئولين من المهام وما يتسرب من مفتشيات الدولة لخير دليل يعبر عن الواقع الفاشل والبائس بالنسبة للتنمية الإدارية والتشريعية .
5 – التنمية البيئية: فما من شك في أن  ثورة الإنسان التكنولوجية قد أحدثت نقلة هامة علي المستويات المادية للمجتمع الحديث وفي مقابل ذلك أدت إلي الإسراف في استنزاف الموارد الطبيعية، والإنسان في تطوره مع البيئة اخذ يطور تعامله هذا، إلا أن انشغاله بأن يأخذ من البيئة قدر المستطاع جعله ينسى كيف يحافظ عليها بدءا باقتلاع الأشجار وانتهاء بكوارث التلوث والتصحر وما تبع ذلك من كوارث صحية  لا تخطر على بال وصار الإنسان يبحث كيف يمكن أن يتخلص من الدمار الذي يهدده بسبب ظلمه للبيئة، ولنا أن نتساءل عن البذل والانجاز في هذا المجال والتلوث والكوارث والأمراض الفتاكة تطارد سكان العاصمة مكب النفايات المحلية(الأوساخ والقاذورات) والخارجية(الخردوات والسيارات) المتهالكة والتي تمثل مصانع تلوث للهواء والإزعاج  الدائم. ولهذا لم تعد التنمية في حد ذاتها هي المشكلة وإنما المشكلة هي التنمية المتوافقة مع البيئة الصالحة لعيش للإنسان، ونساءل كذلك عما فعلته الدولة ووزارتها فيما توافق خبراء العالم على أنه الحل المتاح والذي يشمل جانبين :
أولا : في التوعية البيئية من خلال وسائل التربية والإعلام بهدف جعل الفرد واعيا بالعلاقات البيئية ولدوره في صون البيئة وتعريفه بوسائل العمل الخلاق لحمايتها وهذا الجانب يحتاج إلي المشاركة الجماهيرية أي إسهام الناس جميعا .
والجانب الآخر يتمثل في السعي نحو ربط التنمية بالبيئة بحيث تصبح التنمية البيئية الطريق الصحيح لتحديد طرق التنمية المناسبة والتي تحتم ضرورة بناء التكنولوجيا البيئية والمحلية من خلال الاعتماد علي النفس  فالتنمية البيئية بهذا الشكل تعني استغلال العدد الضخم من السكان في الإنتاج وتصبح القوى العاملة المحلية اقل تكلفة وأكثر فائدة من استيراد التكنولوجيا المتطورة جدا في عمليات الزراعة والبناء .
6 – التنمية العلمية والبحثية والتكنولوجية : فالتنمية التكنولوجية هي: الجهود المبذولة لإتاحة معلومات أو معرفة جديدة يمكن استخدامها بكفاءة في العمليات الإنتاجية ولها تأثير ملحوظ علي التكلفة وعلي نوعية المنتج وكمية الإنتاج وجودته، وهذا ما لا نرى له أثرا ولا حتى نسمع عن كونه من مقررات الدراسة ولا من استراتجيات الدولة وخططها الاستثمارية في التعليم الضائع والمتخلف .
7 – التنمية البشرية: تعرف التنمية البشرية طبقا لما ورد في تقارير التنمية البشرية الصادر عن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة بأنها عملية توسيع اختيارات الناس وهذا الاختيارات نهائية بطبيعتها غير أنها تتحدد من الناحية الواقعية بمحددات اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية بالإضافة إلي ما يمكن إن يكون متاحا من سلع وخدمات ومعارف لتلبية هذه الاختيارات التي يمتد مجالها من الحاجات إلي الطعام والشراب والسكن والتعليم والصحة والبيئة النظيفة إلي أخره... إلي التوعية في المشاركة في كل ما يجري في المجتمع، ولعل انسداد الأفق السياسي وندرة الخدمات وارتفاع وتيرة  الأسعار وصعوبة وندرة وسائل المعاش وسبل الدواء  وغياب فرص العمل وروح المبادرة لخير شاهد على مستوى التضليل الممارس وأصدق دليل على فشل النظام والحكومة والأغلبية المحكومة وغير الحكيمة .
8 – التنمية الاجتماعية: هي تغيير الأوضاع الاجتماعية القديمة التي لم تعد تساير روح العصر بطرق ديمقراطية تهدف إلي بناء اجتماعي جديد تنبثق عنه علاقات جديدة وقيم مستحدثة ويسمح للأفراد بتحقيق اكبر قدر ممكن من إشباع المطالب والحاجات، وهنا يتقدم اتساع الفقر وارتفاع مستويات البطالة وتدني التعليم واتساع دائرة التخلف لتصدر المشهد وفضح أبر كندا الانجاز والعطاء والبناء ؟ .
9 – التنمية السياسية: وهي تعبئة الجماهير وتفاعلهم مع النظام القائم وعدم وقوفهم موقف اللامبالاة وتتسم بدرجة من المشاركة الشعبية الواسعة، والمشهد السياسي والأفق المسدود فيه حتى بين ما يسمى بالأغلبية الداعمة، فضلاً عن المعارضة والمجتمع المدني لبيان لا بيان بعده إلا بيانات وزراء الحكومة وأعضاء الحزب الحاكم في تبرير ارتفاع أسعار المحروقات والمواد الغذائية والدوائية الأساسية ونفي وجود أزمة في الوحدة الوطنية والحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلد .
10 – التنمية الاقتصادية: وهي التي تؤثر علي الجانب المادي للتنمية فتهتم بطريقة تحسين وتنظيم استغلال الموارد الاقتصادية بغية تحقيق زيادة في الإنتاج الكلي من السلع والخدمات بمعدل أسرع من الزيادة في السكان. وتشمل كافة المجالات الاقتصادية الزراعية والصناعية والمالية والتجارية... وغيرها، وهكذا تكتمل أنواع التنمية العشرة والتي هي الإطار الجامع لهذه الأنواع بشكل عام، وفي هذا المقام يكفي بيانا حالة شركات المناجم ومطاردة رجال الأعمال وإفلاس بعض المؤسسات المالية الوطنية وتلاشي الصناعات الخجولة والضعيفة التي عرفها البلد.
مشاهد لمؤسسات الدولة وواقع التنمية في البلد وتردي أحوال المواطن حية وصارخة ووا قع ناطق لا يمكن إخفاؤه ولا التستر على مهدداته وتأثيراته الصارخة والمؤلمة مهما علت نبرة التضليل والتزوير والتخويف الممارسة على المواطن المسحوق في وجوده والمطحون في معاشه وبعد تضيع هويته ومقومات وحدته وعوامل بقائه واستمرار وجوده .

24. مارس 2016 - 15:24

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا