تحالف المؤامرة والفساد نظام العسكر والانقلاب على التعليم المحظري وإفساد التعليم الحديث ؟!/ محمد المختار دية الشنقيطي

من المعروف في عالم التطبيب أنَّ الطبيبَ الماهرَ لا يتسنى له وصف الدَّواء المثالي، حتى يقوم بتشخيص داءِ المريض، ومعرفة جذور المرض وأسبابه،ومكونات الدواء وخصائصه، وعلى ضوء معرفة ودراسة أسباب الانحراف وفساد الحياة العلمية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وحتى العملية عندنا، 

تتبلور وتتحدَّد لنا آليات وأدوات العلاج العلمية والعملية الفعالة والممكنة !!! .
يقول العلماء في مجالات السياسة والإدارة أن من خصائص وميزات الدول التي تهيمن فيها السلطة الفساد والاستبداد العسكري وحلفائه من الأيديولوجيين المدنيين التائهين، استشراء الفساد في مختلف مفاصلها.
ونظراً لأنّ الفساد ينشأ ويترعرع كما يقول خبراء المنظمات الدولية في أدوات وبني سلطة الاستبداد الفوقية، وبطانتها والموالين والقبليين المقربين وكل الداعمين لها.
ومن هناك تصبح العلاقة بين الفساد والاستبداد في الأنظمة العسكرية عضوية، ويصبح كل شخص أو هيئة أو فئة غير فاسدة عدواً لسلطة الفساد الحاكمة، والتي تبني وتّولد شبكة أخطبوطية لحماية نفسها، وترويع من يتجرأ على انتقادها، ويصبح أي تغيير أو إصلاح بمثابة نافذة تهدد مصالح الفاسدين المحميين بآلة القمع السلطوية، التي تعمل على نشر ثقافة الفساد وتقديس السلطة التي تحميه،.
ويساعدها في عملها ودفاعها ذلك وسائل الإعلام التي تهيمن عليها، وأبواق بعض فقهاء السلطان ومثقفي القصور وأصحاب الأقلام المأجورة, والتي تصور الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمواطنين على أنّه في أفضل حال، فلا أزمات اقتصادية، ولا سياسية، أو ثقافية ما دم أولياء نعمتهم يغدقون عليهم الامتيازات والهبات والعطايا.
وتمتاز المجتمعات التي تحكمها الأنظمة العسكرية وتلك المزيفة الموشاة والمموهة بالمدنية وشكليات الديمقراطية بالركود والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وتحريف الدين وتزويره، والتفاوت الكبير في الاستفادة من خيرات البلد وتوزيع الثروة ووجود الدخل. وسيطرة الفئة الطفيلية الفاسدة القوية في النفوذ والتأثير والقليلة في العدد وهي التي تستحوذ على معظم الموارد والثروات من الأراضٍي والعقارات والأموال، والخيرات مع الجاه والنفوذ، وتتحالف مع السلطة السياسية التي تحول البلاد إلى مزارع خاصة بأفراد الحاشية والقبيلة !! .
بينما تعاني الغالبية من الشعب وصغار الموظفين من الحرمان والفقر فضلاً عن غياب مشاركتها السياسية الفعلية والفاعلة, وهكذا مع تعمق الفجوة بين الأغنياء والفقراء، تغيب الحريات، وتموت العدالة، ويتدني وضع حقوق الإنسان وتنعدم الروح الإبداعية الخلاقة وتنهار القيم المجتمعية الأصيلة لصالح قيم الانحطاط  وتخلف الرأس مالية المتوحشة ؟!.
ومن هناك تتدهور التنمية والتي لا يمكن تحقيقها إلا بالتعليم العلمي الفعال والجاد المنطلق من الهوية والذات الحضارية والقادر على الإجابة على كل التساؤلات الوطنية والملبي لكل الحاجات والتطلعات الإنسانية في الحياة والله جل في علاه  يقول وقوله الحق:{ هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} .
وبالعلم:{ يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات}العلم النافع وهو الأمر المفقود في نظامنا وتعليمنا بسبب ما أصابه من عطب التحريف وظلم الفساد والإفساد الممنهج والذي ناله ظلماً وفساداً على يد نظام العسكر وباسم الإصلاح والتطوير في ظل هذا النظام"العسكمدني"الذي تآمر ودبر وفكر وقدر وخطط وانقلب خيانة للدين والوطن والعباد على قيمنا وتعليمنا المحظري ولم ينتج لنا تعليماً حديثاً بديلاً عنه، وإن أقام لنا الدنيا وأقعدها ببيوت من زخرف التراب والحديد باسم التعليم الذي يخرج كل سنة من سنواتنا العجاف أفواجاً من المتعالمين الذين لا يحسنون تدبير شأن عام ولا جبر كسر إبرة استوردناها من تلك البلاد التي يجلبون لنا منها رذائل أخلاقها، ولا يميزون بين دواء صالح من آخر منتهي الصلاحية ولا بين تربة دابلة وأخرى فاسدة، وفي أكبر عملية ظلم للتعليم وتزوير للمتعلمين ؟!!.
على هذا يكون من الواجب علينا شرعاً ولازم وطنياً محاربة كافة أنواع الفساد وكشف مظاهر الظلم وباعتبار ذلك استحقاقاً وطنياً وواجباً يُمليه دين الله - تعالى - وشريعته، ويُمليه واقع الأمة البائس أيضًا، وما يحدق بها من أخطار وأهوال تُهدد كيانها، وتعجل أسباب زرع ونضج زوالها إن لم يتدارك ذلك المصلحون بالعمل الصالح المبدع والجاد والمسئول في الأخذ على يد المفسدين وأطرهم إلى الحق والعدل أطرا ؟!....
والحق جل وعلا يرغب الناس في الخير والإصلاح  وينذرهم من عاقبة الفساد ويخبرهم على لسان نبيه إنذاراً وتهديداً من سوء عاقبة الظلم والاستبداد ويدعوهم للتوبة والمغفرة ويعدهم بالعطاء والإصلاح وكما جاء في الحديث القدسي فيما يروى النبي – صلى الله عليه وسلم فعنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:" يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبـَادِي كُلُّكـُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُـهُ فَاسْتَكْسُونِـي أَكْسُكُمْ.
يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِــي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مـِنْ مُلْكِي شَيْئًا.
يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُــلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِـيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ" مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه.
ما من شك أن الدين هو جوهر العقيدة ومرتكز الفطرة ومنطلق البناء والتنمية، والتدين سلوك يفضي في النهاية إلى تحقيق متطلبات الإيمان والعمران والتوازن بين الواجبات والمحظورات الدينية، إما تطبيقاً والتزاماً، أو إفراطاً وامتهاناً.
وهناك فرق كبير بين الدين كمبدأ ثابت بتعاليمه وأحكامه وتعاملاته، وبين التدين كسلوك لفهم وتطبيق ذلك، وبالتالي يتفاوت الناس في الالتزام والتطبيق لمتطلبات هذه العقيدة من خلال مفهوم التدين، ومن هنا يبلغ هذا التفاوت درجات مختلفة لمستوى الاقتراب من درجات الورع والنزاهة والزهد والالتزام معايير ومواصفات رجال الصلاح والبناء، إلى ضدها من التفريط والإفراط أسباب ومعالم مصائبنا وأدوات تهديم قيم الدين ومناهج التعليم وأسباب ومقومات العيش الكريم{ ان الله لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون}.
وفي الحديث النبوي الشريف:" الظلم ظلمات" ومن أخطر صنوف الظلم في حياتنا والتحريف لقيم ديننا ما أوقعه النظام العسكري على تعليمنا وخاصة المحظري منه، والذي استعصى تحطيمه وتهديمه وتحريفه أو النيل منه على الفرنسيين وظل شامخاً قائما بدوره ووظيفته محفوظاً وحافظاً للعباد والبلاد الوجود والمكانة العالية والمقاومة في وجه الاستعمار الفرنسي ومد الدولة عند الاستقلال بالأطر والكوادر الكفء والفاعلة وفي كل المجالات  فكان ذلك عند الحكام الجدد من العسكريين وحلفائهم من المرتزقة اللا متدينين، والمعاديين لقيم الدين من قادة الحركات السياسية الأيديولوجية بمثابة الجرم والإدانة الكافية التي يستحق عليها ذلك العقاب في ظل الأحكام العسكرية المتعاقبة ؟.
المحظرة أو المحاضر جمع محظرة أومحضرة وهي: مؤسسة حضارية تعليمية إسلامية اختصت بوجودها بلاد شنقيط "موريتانيا" فلا مثيل ولا نظير لها في العالم الإسلامي، وهي الوسيلة والأداة عند القوم من الشناقطة  لنقل المعارف العلمية و إرساء أسس قيم الدين الإسلامي والأستاذ الخليل النحوي يعرفها "بأنها جامعات شعبية بدوية متنقلة تلقينية فردية التعليم طوعية الممارسة صبغتها البساطة وقد تشبه الكتاتيب في شكلها الخارجي، وهي مغايرة لها في الشكل والمضمون، إلا إن الباحثين يؤكدون أنها حققت لطلابها مستوى علميا لا يقل عن مستوى الجامعات العريقة ولهذا تسمى جامعة الصحراء" بتصرف.
خصائص المحظرة: أولاً:  المحضرة جامعة تقدم للطالب معارف موسوعية: على درجة عالية من الدقة والضبط في مختلف فنون المعرفة حيث تدرس: القرآن الكريم حفظه رسمه وتجويده و تفسيره وبقية علومه، والحديث متنه مصطلحه رجاله، العقيدة وعلم الكلام والتصوف، الفقه فروعه أصوله وقواعده، السيرة و التاريخ والأنساب، اللغة و الأدب النحو و الصرف و العروض القوافي و البلاغة،المنطق الحساب و الهندسة، الجغرافيا و الفلك و الطب وأسرار ودلالات الحروف.
ثانياً: تستقبل كل من يرد عليها من جميع المستويات الثقافية والفئات العمرية و الجنسية و الاجتماعية فهي تستقبل المبتدئ فتعلمه كما تستقبل العالم فتجدد له معارفه وتوسعها و تعمقها ويرتادها الطفل والشيخ والمرأة( وإن بنظام) والفقير والموسر فتبذل لكل طالب ما يريد من ضروب المعرفة حسب مستواه الثقافي وهوايته وطاقة استيعابه وهي لا ترد طالبا لعدم وجود مقاعد شاغرة ولا تغلق أبوابها لقلة عدد الطالبين المنتسبين إليها فلا حد أدنى ولا أعلى للعدد الذي يقوم به نظام المحضرة بل ينقص العدد ويزيد تبعا لصيت الشيخ وعلمه وشهرته ومدى تفرغه وتوفر محيطه على دواعي أسباب حماية ونمو وتطور المحظرة والذي عد وجودها في مجتمع الشناقيط من علامات الرفعة والمكانة العلية.
هذه هي المحظرة بكل مكوناتها وخصائصها،الخاصية الشنقيطية الموريتانية المعروفة بتلك المقومات والمواصفات قبل تخطيط ومكر وخبث التحريف غدرا وخيانة ونكاية من أبناء وطنها غير البررة والمدانين بتصرفاتهم اتجاهها ؟!.
فزورت حقيقتها من طرف النظام العسكري وحلفائه وأعوانه من سماسرة الحركات السياسية المعادية لقيم المحظرة وتعليمها، وباعتبار ها  تخلفاً ورجعية إن لم تكن في نظرهم عدواً للحضارة والتقدم والمدنية، فبدءوا بتحريف شكلها وطبيعتها، وذلك بإطلاقهم وإخراجهم لجزئية من مكوناتها(تعليم القرآن) واعتباره هو المحظرة وما هو في الحقيقة إلا جزء ممهد لها وإطلاق اسم المحظرة عليها تزوير وتمويه في الشكل والمضمون وحتى الشيوخ، ثم ألغيت كل مقرراتها وعبث بقيمها تجاهلاً وإهمالا بل حرباً بمسميات مختلفة وعبثاً وتزويراً حتى وصلوا بها إلى نسخة الفقيه  المقبول أمريكيا وفرنسيا الشاب الوزير ول أهل داود (المحاظر النموذجية) التي ترعاها الدولة وهي في الحقيقة ما هي بالمحاظر الشنقيطية المعروفة بمناهجها ومقرراتها وقيمها وشيوخها، وإنما هي كتاتيب أو مدارس لتعلم القراءة والكتابة والسعي لتعلم القرآن وهذا عمل مقبول وسعي مشكورغير مبخوس في ذاته وإن كان تحايلا لتزييف المحظرة وتغيبها وتمويها للحرب المشنونة على مقرراتها وقيمها وحتى شيوخها ومحيطها منذ سيطرة العسكريين وتحالفهم أو احتوائهم لقادة الحركات السياسية( الكادحين والقومين والإسلاميين) ؟!.
فكان المبتدأ في المكر والتخطيط للوقيعة بالمحظرة هو تفريغها من المنهج العلمي والمضمون القيمي والمعنوي وحتى المادي لها الأمر الذي أدى إلى العزوف عن  دخولها ومتابعة الدراسة  فيها ؟.
ويُعَدُّ العزوف عن الدراسة في المحظرة من أهم الأسباب المباشرة لضياع قيم المجتمع المستمدة من ثقافة ومناهج الدراسة التي كانت سائدة في المحظرة الأمر الذي أدى إلى انحراف ناشئة ما بعد المؤامرة على مناهجها وعليها كمؤسسة مجتمعية تعليمية يطلب العلم فيها لذات العلم وباعتباره سلماً لا للوظيفة وإنما للرقي إلى هرم المكانة في المجتمع ؟.
بعد ما تحقق الانقلاب على المحظرة كمؤسسة بر تقوم على إنفاق وجهد شيخ علم فقيه يساعده تطوعاً في الإنفاق محيطه العائلي وعلى مقرراتها متون علمية تحفظ وتشرح وعلى منهجها قيم وسلوك يتربي عليه الطلاب ويفرضها المجتمع ويرعاها سيق المتعلمون عمليا وهدفا إلى تعليم في مدارس فيها الانحراف ظاهراً والسلبية سلوكا مسيطراً؛ يلمحه القادم والزائر  بشكل بارز وبنِسَب متفاوتة هرمياً من طور تعليمي إلى آخر، فتجد التلاميذ في المرحلة المتوسطة يعزفون عن متابعة مشوارهم الدِّراسي في الثانوية، ومن تابع تعليمه منهم لا يُكمله، وأبرز صورة لظاهرة العزوف عن الدراسة تتجلى واضحةً فيما بعد الثانوية، فالغالبية لا تلتحق بمقاعد الجامعة والتخصصات العُليا، والرعية على قلب الأمير والأمير تأمر من غير حاجة للعلم والتعليم مقدماً بذلك للرعية درسا بليغاً على طريقته العسكرية"البيان بالعمل"أن العلم ليس طريقاً سالكاً للمال والوظيفة ولا هو قيم محمودة لذاتها كما كان متعارفاً عليه في التعليم المحظري ؟! والطالب في هذه البيئة يدفع ليرسم لنفسه آفاقًا مستقبلية مادية صرفة، وحصر فكره حول تلك الوظيفة، وكيفية الحصول عليها، وما لم يصل إليها فلا يرى جدوى من مُزاولة التعليم، طالما أنَّه لا يُتيح له تقلد تلك الوظائف المهنية المرسومة أمامه .
وفي هذه البيئة يجد الطلاب أنفسهم كذلك غير مُواكبين للدُّروس المقررة في التخصصٍ بسبب مُخالفة هذا التخصص لميوله ورغباته التي كان ينشدها، فينتج عن هذا العزوفِ انقطاعٌ كلي عن الدراسة.
وفي هذه البيئة يغيب أهم شرط من شروط نجاح العملية التربوية غياب التوعية الأسرية، ونقص إرشاد الأولياء لأبنائهم حول أهمية الدراسة والتعليم، وافتقار المتمدرسين ليد العون في مَجالات تخصُّصهم الدراسية؛ مما يُعبِّد الطريقَ للأبناء باتِّخاذ قرارات حاسمة بترك الدراسة دون استشارة أهاليهم .
عقبة أخرى في هذه البيئة الجديدة تواجه الطالب وهي طول الفترة التي يستغرقها الطالبُ في الدِّراسة؛ حيث تلْمِسُ من غالبية الطلاب نُفْرَتهم من أطوار التعليم المتعددة، ورغبة الكثير منهم في اختصارِ الزَّمن، وترك مقاعد الدِّراسة متى هُيِّئت له ظروفُ وأسبابُ الحصول على وظيفة.
العامل الأخطر والضاغط هو نِسَبُ البطالة المتزايدة في خريجي الجامعات مما شكل حافزًا مُهمًّا لترك الدراسة بالنسبة للمتمدرسين، وقد يرتقي هذا الإحساس ويتنامى عندما يكون شقيقُ المتمدرس أو أحد أقربائه يُعاني من شبحها ..
العمل الأخطر الثاني وهو المتعلق بعلاقة الطالب بالقائمين بمهمة التعليم؛ وهو أمر جديد ومخالف كذلك لما هو معهود ومتعارف عليه في المحظرة، إذ تَجد عَلاقةَ المدرِّس بالطلاب فاترة إلى أبعد الحدود، وتَلْمِسُ شساعةَ الهوةِ بين المعلم والمتلقي؛ حيث يغيب التفاعُل مع الدروس التعليمية، وتضيق قنوات الاتصال - إن وجدت - بينهم، فليس هناك إشعار بقيمة العلم والتعليم، وفي ظل غياب جو ومناخ مناسب يرغب الطالبُ في الدراسة، ويبعث فيه الإحساس بقيمتها أو تعليق آماله عليها، فعادة ما تكون عملية التعليم روتينًا مُمِلاًّ لا روحَ فيه بوسع الطالب أنْ يستغني عنه متى استطاع إلى ذلك سبيلاً وما دامت الغيات والأهداف"المال والوظيفة" غير مضمونة فلا معنى للارتباط بالتعليم والتعلم .
وعندما ينشأ المتعلم هذه النشأة العقيمة من العلم والتعلُّم، فإن حدة الجهل تزداد ويرتفع منسوب الأمية بينهم، فيكونون قد هيئوا لأرضيةً خصبة لضياعهم وانحرافهم،وبعد ما ضيعت قيمهم ومؤسسات تعليمهم"المحاظر" فيصبحون أهدافًا سهلة لسهام إبليس وأعوانه وقبيله من علمانيين وشيوعيين وقوميين وإسلاميين مزورين أو مزورين لا فرق؟!! ،
والمحصلة النهائية لكل ذلك التزوير والمكر الخبيث بالتعليم الذي مارسته النخبة من تحالف انقلاب" المؤامرة والفساد: العسكر والكادحين والقوميين والإسلاميين" تحول التعليم إلى سبيل للعطالة وطريق سالك للنفاق والشعوذة السياسية وانقلب أهله إلى أدوات سلبية في المجتمع تُسهم في تخلفه وتقهقره إلى الوراء فضاع التعليم المحظري ولم نحصل على ثمار التعليم الحديث ؟!
ورحمه الإمام ابن القيم إذ يقول:"فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم لفرائض الدين وسننه فأضاعوهم صغاراً، فلم ينتفعوا هم بأنفسهم ولم ينفعوا آباءهم كباراً.وفي الأثر المأثور:" كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" 

18. أبريل 2016 - 8:24

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا