أمورٌ ربما غابت عن المعارضة الموريتانية / باب ولد سيد أحمد لعلي

لكي تستطيع المعارضة وغيرها من الفاعلين المدنين التأثير على النظام وعلى شخص الرئيس وجره بالتالي إلى حوار جاد وبناء يُحدث التوافق الوطني ويصلح ذات البين بين الفرقاء السياسيين ، عليهم أن يحاولوا تفسير شخصية الرئيس وتفهمها ووضعها في سياق عام ويتعاملوا بمقتضى ذلك من أجل المصلحة العامة .

صحيح أن ستُ سنوات من القطيعة السياسية تكفي وصحيح أيضا وبكل موضوعية أن الحكم الحالي ما هو  بالمستبد ولا هو بالحكم الغاشم الظالم ، لكن المشكلة منذ بداية الحكم هي مشكلة الحكم الأحادي وانفراد القطب الواحد بتسيير الشأن العام وإقصاء الآخر المناوئ أو المعارض ، وهذا سلوك وطبع سياسي لا يستطيع من خلاله أي مغفل القول بأن ما يجري في موريتانيا الآن حكم ديمقراطي ، فإن كانت التعددية موجودة فإن حجم الإقصاء فاق حجم المشاركة كثيرا ، بغض النظر عن كل ما هو إيجابي آخر في الشأن العام.
وبناء على ذلك يمكن تلخيص أهم مميزات شخصية الرئيس في شكل نقاط أساسية تميز الرجل – ولد عبد العزيز- في حكمه أو ميّز الحكم في فترته  ...
1- لا يختلف إثنان في كون ولد عبد العزيز هو منفذ ومدبر انقلاب 2005 وقد يفهم المتلقي أو الناظر من خلال ذلك أنه الواقف وراء التعديل الدستوري أنذاك ، من حيث أن أول اسم ذكرته وسائل الإعلام في ضحى انقلاب 03/08/2005 هو اسمه قبل أن يعلن ليلا عن اسم ولد محمد فال رئيسا للمجلس العسكري في تلك الفترة ، وقد كشفت المخابرات بعد ذلك أن ولد احمد فال كان يحاول تمديد الفترة الانتقالية لكن الكرة لم تكن في مرماه ، بل إن اللعبة يديرها من كان خلفه يوما وفي إمرته ، وحتى يرد دين الرجل عليه رأسه وتركه يودع القصر على أمل العودة من جديد ، ليبرم القبضة من خلف إرادة أول رئيس مدني منتخب ويدير البلاد كلها بجرأة اكبر من الجرأة السابقة  
2- منذ تأسيس كتيبة الأمن الرئاسي والرجل على رأسها تقريبا ، تخرج من المغرب إبان حكم أو في أول حكم ولد هيداله ، وعمل في أطار فترة ، لكن أطول فترة شغل تلك التي قضاها على رأس كتيبة الأمن الرئاسي مما يدل أنه عايش أحوال القصر وخبر البيت الذي من خلاله تدار جمهورية موريتانيا ، وربما نشأت بينه وبين البيت الرمادي قصة حبٍ ترجمها فيما بعد في انقلابه على من كان يعتبره ثقته الوحيدة وأمنه على أمنه الخاص لينفرد بالبيت ويفرض نفسه عليه بشكل أو بآخر عليه ، وهذا يدل على أنه أكثر إنسان درس وخبر التعامل مع ذلك البيت (القصر الرمادي)
3- شخص ولد عبد العزيز شخص جريء لا يفهم في المحاباة ولا المجاملة إلا قليلا ، ولا يسمع إلا من نفسه أو قلة ثقة عنده وربما هذا بحكم الضرورة والانشغال ، وهذا ما أثبته تاريخ الرجل ومعاملاته مع مختلف الظروف والصعوبات التي مر بها وهذا أمر يجب أن تعترف به المعارضة وتجعله نصب أعينها في التعامل معه ، فعندما كان من المفترض أن يواجه ولد عبد العزيز أزمة حقيقة قد تعصف بالبلاد إبان انقلابه اللاشرعي على أول رئيس مدني منتخب "سيدي ولد الشيخ عبد الله" ركب عزمه ولم يأبه لكلام الناس ولا لموقف الجميع من الانقلاب ، فدخل أكواخ الفقراء وأعرشة الصفيح ولوى أذرعت  كل الخصوم بعدم السماع أو التبالي بهم ، فاستطاع بذلك أن يقضي على غضب المواطن البسيط ، وعندما تفاقم الوضع أكثر جاء الرئيس السنغالي السابق بمبادرته التي أعادت الأمور إلى نصابها وسمحت بإقامة انتخابات توافقية ، وعندما نجح الرجل حال بينه وبين المعارضة حاجز اللاثقة واللاحب في سبيل الوطن ، يضاف إلى ذلك صموده أمام كافة الأنشطة والمحاولات التي قامت بها المعارضة من أجل التغير أو فرض التغيير ، فمع الزخم الكبير الذي صاحب بدايات مشوار خطاب الرحيل ، تمتع الرجل على ما يبدو بالرزانة التامة ولم يمنع المعارضة من الحشد وتنظيم المهرجانات واكتفى بالمباغتة والتخطيط ، من خلال إدخال بيرام ولد عبيد وحركته في المشهد  من خلال إحراقه الكتب الفقهية وهي سابقة من نوعها في المجتمع الموريتاني الأمر الذي حتم لفت الانتباه عن المعارضة والاهتمام بأمر بيرام وجزائه المستحق ، وخرج الرئيس العادل وخطب أمام الملأ بتطبيق الشريعة وتحدث عن الخطوط الحمراء التي لا يجب لأحد المساس بها في حكمه ، وبارك الجميع ذلك وعادوا إلى ديارهم راشدين  وسُجن بيرام نتيجة لتلك الظروف في الوقت الذي لفت انتباه المواطن البسيط عن خطاب المعارضة وبين تلك الأزمتين خرج ولد عبد العزيز منتصرا وغانما

يتضح من هذه النقاط أن الرجل يتميز بخصائص منها الجرأة والتخطيط  حيث يكون في الإمكان شق فج من حيث لا يحتسب الخصم والعبور منه بطريقة تكسر كل توقع وتبرك الخصم ، بالإضافة إلى ذلك عندما أبطل فحوى خطاب الترحيل ونجح في اعتماد نتائج الانتخابات التي قاطعتها معظم الأحزاب المعارضة ، حاول أن يشحن الفضاء السياسي بتهيئته لحوار وهمي تصب كافة معطيات التحضير فيه لصالحه هو....
واعتقد أن مسألة الحوار هذه كان يراد لها أن تجر المعارضة نحو ومستنقع 2019 وتفاصيل أمور تتعلق بتحديد الوجهة بعد ذلك وتفصيل المضبب في الوقت الحالي ، لكن حماقة الوزراء الذين طالبوا بتعديل الدستور في وقت غير مناسب حتمت على المسيرة المظفرة شق أو محاولة شق فج مختلف ، ستتحدد معالمه في زيارة النعمة في الأسابيع المقبلة التي بات الحزب الحاكم يعكف على التحضير لها ...
فكما يخطط النظام ويعد بصمة وبحكمة تامة يجب أن يكون فعل المعارضة ذا بعد سياسي أعمق من الأول وعلى مستوى من الندية له في ضوء المصلحة العامة والمحافظة على المكتسبات الاجتماعية والقانونية .
 

20. أبريل 2016 - 18:07

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا