المجالس الجهوية الموريتانية بين توطيد اللامركزية وترسيخ قوة الدولة العميقة / يربان الحسين الخراشي

أكد رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز خلال المهرجان الشعبي الأخير في مدينة النعمة أن الحكومة ستقدم إلى الحوار المرتقب مقترحا يعرض على استفتاء شعبي ويقضي بإلغاء مجلس الشيوخ باعتباره يعرقل المسار التشريعي، كما يقضي بتشكيل مجالس جهوية لتنمية الولايات.

صحيح  أن المجالس الجهوية  قد تعلب دورا مهما  في إعداد، وتنفيذ، ومتابعة المشاريع الاقتصادية ،والاجتماعية، والتنموية على المستوى الإقليمي مما قد يدفع عجلة التنمية الإقليمية المفقودة  ويخلق أقطاب تنمية تسمح بالقضاء على التفاوت التنموي المناطقي الحالي.
وصحيح كذلك أن هذه المجالس يمكنها أن تساهم في إرساء، وتوطيد، وتعميق مسلسل اللامركزية  ،والاستقلالية الإدارية، و خلق نخبة محلية مما سيمكن من تحديث هياكل الدولة، و ترسيخ الحكامة المحلية، وتعزيز سياسة القرب  من المواطن.

وهذا ما يجعل من تركيبة، وكيفية اختيار أعضاء هذه المجالس التحدي الأكبر، والحلقة المهمة المفصلية في نجاحها!مما يتطلب منا الوعي التام بالرهان الذي يشكله هذا الخيار الاستراتيجي.

  فإذا كنا سنكون أمام نفس الأشخاص الذين  كانوا ولا يزالون يتنقلون من حزب إلى آخر، ومن نظام إلى آخر، ومن تحالف إلى آخر  وغدا من مجلس إلى آخر........ أولئك الذين هم قرب السلطة دائما وأبدا بصفة مباشرة أو غير مباشرة، والذين هم في الغالب من  دون مؤهلات فكرية وثقافية وأخلاقية ولا حتى سياسية . مؤهلهم الوحيد والوحيد فقط هو القرب من السلطة مهما كانت تلك السلطة ومهما كان مصدرها؛ عندها لن تكون هذه المجالس إلى حلقة متقدمة من ترسيخ قوة الدولة العميقة حيث الجهوية والقبلية والزبونية والمحسوبية والفساد الإداري والأخلاقي، بل قد تكون بداية انتكاسة خطيرة لتطور المسلسل الديمقراطي في بلادنا.
وهذا ما يطرح أكثر من تحدي على مستقبلها فهل ستكون هذه المجالس هياكل لامركزية  وخلايا إنماء قاعدية أم ستكون هياكل جماهيرية وخلايا إفساد جهوية تنخر في جسد الدولة الهش أصلا؟

أما آن الأوان أن يدرك النظام الحاكم، والمعارضة معا أن الأيام التي كانوا يتبادلون الأدوار فيها  بقصد أو من غير قصد على خداع  الشعب  عن طريق المسيرات الكرنفالية، والخطب الحماسية، والوعود الوهمية،والأرقام الفلكية  قد ولت!

الشعب الموريتاني اليوم يقف على جبل أحلامه المتكدسة منذ أكثر من نصف قرن  يراقب عن كثب الجدل الحاصل بين النظام الحاكم والمعارضة حول الحوار ومستقبل السلطة  ولسان حاله يهتف لا بالمثل الحساني  القائل "ال اقلب هو صاحبن" بل يهتف بالمثل الصيني القائل ( 坐山观虎斗 ) (ويضرب هذا المثل في ثقافة أحفاد سون وو صاحب كتاب فن الحرب 545-470 ق.م  لمن يتخذ موقف المتفرج من صراع دائر بين طرفين وينتظر فرصته بعد ضعفهما معا).

الشعب الموريتاني اليوم ينتظر اللحظة التاريخية لتخلص من النظام، والمعارضة معا بعدما يُضعف كل منهما الآخر، وتنهار قواهما،  وبعدما فشل النظام في تحقيق طموحات الشعب في الرقي الازدهار والأمن التي تزداد يوما بعد يوم في عالم يزداد  تعقيدا، وفشلت المعاضة أن تكون معارضة وطنية و منصفة وناصحة.  بل غرقا معا في بحر تبادل الشتائم، وتحريف الخطابات، وإحياء النعرات القبلية والإثنية.
فلا النظام الحاكم الذي ولد من رحم العسكر ديمقراطيا ولا المعارضة التي ولدت من رحم اللاديمقراطية ديمقراطية.

10. مايو 2016 - 17:39

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا