هل الترقية بالكفاءة أم بالسياسة؟ / د. أحمد ولد محمد السالك ولد الداه

إذا كان التعيين في الوظيفة العمومية يخضع لمبدأين أساسيين وجوهريين تقوم عليهما وتستند إليهما دولة الحق والقانون وهما: مبدأ تكافؤ الفرص ومبدأ المساواة بين الأفراد أمام تولي الوظائف العامة، وذلك نظرا لما يمثلانه من أهمية خاصة ويحققانه من عدالة بين الموظفين. وإذا كانت الإدارة أيضا يجب عليها أن تترك باب الوظيفة العمومية مفتوحا على مصراعيه بكل عدالة ومساواة أمام المواطنين على أساس المؤهل والكفاءة دون التمييز بينهم.

وإذا كانت النصوص الدستورية والتشريعية هي الأخرى لا تجيز بأي حال من الأحوال التمييز بين المرشحين لتولي المناصب العامة استنادا لاعتبارات العقيدة السياسية أو الدينية أو الانتماء العرقي....، حيث تعتبر الترقية من أهم الحقوق الوظيفية التي يعول عليها الموظف العام، نظرا لما تمثله من استجابة لرغبته وطموحه في الصعود والارتقاء داخل الهرم الإداري وتولي وظائف ذات مهمات ومسؤوليات أهم في المرفق الذي ينتمي إليه .

وإذا كانت هذه الحقائق من الثوابت والمسلمات التي تعترف بها معظم أنظمة العالم، وتعتبرها أهم ركائز التنمية المستديمة لما تحققه من شفافية تؤسس للحكم الرشيد ( الحكامة الجيدة)، فإن الموظف العمومي بالمصالح التقنية والفنية الموريتانية سيجد نفسه في حيرة من أمره خلال مساره المهني لا يعرف أي الطرق سيسلك لتحقيق هذا الطموح وينال هذا الحق الأصيل ( حق الترقية)، فهل ينتهج مجال السياسة بالمفهوم الشعبي الذي يعني التملق والنفاق؟ أم يعتمد على الكفاءة ويبذل أقصى جهد وإبداع وابتكار وتجديد ممكن في جو من التنافس الشريف بينه ونظرائه، خاليا من أي نفاق إداري أو مجاملة أو مجاراة لرئيس سواء كان مصيبا أو مخطئا على حساب المصلحة العامة؟. أم أن الأجدى والأنفع بالموظف العمومي أن ينتهج مجال السياسة بهذا المفهوم الخاطئ، ويختصر الطريق على نفسه ويوفر الجهد ويعتلي المناصب الإدارية والسياسية تلو الأخرى بحق أو بغير حق .

فالأمر لا يكلف سوى المهارة في ارتداء زي من التملق والنفاق والكذب والجرأة على التحدث باسم الشعب تحت أي شعار : مجموعة قبلية ، جهة، مدينة، قرية، تيار، حراك ، شباب، نساء، مبادرة....الخ، لا يهم الحرج الأخلاقي الذي قد يزعج ويشوش في بداية المشوار فالعبرة بالنتائج وما ستحققه من صعود إلى الأعلى، وهي أن تكون مسئولا كبيرا في الدولة و تتمتع برأي ودور في صنع القرار، تستطيع من خلاله خلق وجاهة تزيل عنك كل ما علق بك من دنس وعار النفاق ستورثه لا محالة لأبنائك شئت أم أبيت.

وأكبر دليل على ما نقول أنه إذا شاءت الأقدار لبعض الموظفين أن يحصلوا على تدريب لمتابعة التكوين والدراسة في نفس السلك وفي نفس المستوى، فإن المفارقة المؤلمة والحقيقة المرة أن يحصل بعض هؤلاء الموظفين المتدربين نظرا لشطارتهم وتأثيرهم على دوائر القرار والنفوذ بالبلد على الترقية وتغيير الإطار إلى سلك أعلى، والحصول على الامتيازات المادية والمعنوية لذلك، في الوقت الذي نجده فيه البقية الأخرى من زملائهم معلقة لا هم يستطيعون نفسيا وأخلاقيا ومعنويا أن يرجعوا إلى إطارهم القديم، وليست لديهم وساطة أو شطارة تمكنانهم من انتزاع حقهم الذي يكفله لهم القانون.

وهكذا سنجد أنفسنا أمام صدق ومصداقية المقولة الشهيرة التي يوصف بها حال الجهاز الإداري الموريتاني والاتصاف بصفاتها والتي تقول: أن الترقية إذا جعلت منوطة بالوساطة والمحسوبية فلن يعمل أحد: لا من ليس له وساطة لأنه يعلم سلفا أنه تنقصه وسيلة الترقية، ولا المحظوظ ذو الوساطة لأنه يعلم أيضا أن وسيلة الترقية شيء آخر غير التفاني في العمل، وهكذا تضيع المصلحة العامة بين اليأس والاستهتار.

ونحن هنا نذكر السلطة الإدارية الموريتانية العليا بأن عجلة الإصلاح والتغيير تنطلق من هنا، ذلك أنه عندما يشعر الموظف العمومي باحترام القانون وإعمال مبدأ المكافئة الذي سينصفه ويمنحه ترقية تمكنه من ولوج الوظائف العليا والبتالي الاستقرار الوظيفي الذي هو أساس الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للموظف بصفة خاصة والمجتمع بصفة عامة، وما الهزات الاجتماعية والثورات التي يشهدها محيطنا العربي إلى نتيجة طبيعية لمختلف أنواع الظلم.

 

11. مايو 2016 - 14:56

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا