نحو خطاب سياسي ناضج / عثمان جدو

لئن كان الخطاب السياسي الناضج يتميز بأنه خطاب قائم على الإقناع للجهة الموجه لها وتلقي القبول والاقتناع بمصداقيته من خلال العديد من الطرق والوسائل المدعمة بالحجج والبراهين ؛ فإنه يعتمد كثيرا على الوسائل اللغوية التي تحمل جملا تعبيرية ذات دلالة بلاغية وأبعاد بيانية تقدم الأفكار المقصودة بصورة منطقية صحيحة تستهوي المتلقي وتنعش ذهنه 

وتجعله ينجذب إلى ما يقدم في هذا الموقف أو ذاك المقام بصورة تفاعلية تواصلية تحدث ارتباطا شرطيا يترتب عليه مستوى الانجذاب والتفاعل في المستقبل .

إن ما تمت ملاحظته في الساحة السياسية خلال الأيام القريبة الماضية من توظيف واستغلال للخطاب السياسي ؛ أخذ أبعاد متشعبة ومتباينة أبانت في مجملها عن مستوي الخلاف غالبا والاختلاف أحيانا الذي تحكمت في متجهه بشكل واضح الخلفيات والمشارب الفكرية والارتهانات السياسية .

صحيح أن الاختلاف سنة كونية محمودة -لا تفسد للود قضية -وغالبا ما تتوج إثارة المواضيع بأسلوب مختلف تتزاحم فيه الأفكار ويتم فيه تبادل الرؤى ومقارعة الحجة بالأخرى إلى الوصول إلى الصواب وتصحيح المشوه من الأفكار وتجاوزالضار من العقليات ، على خلاف الخلاف مجرد الخلاف الذي يرفض الآخر ويبعث على التعنت وإقصاء المخالف وإن خالف ذلك الانصاف والاعتراف بما هو أهل للاعتراف ! .

لقد وقع كثير من المتحدثين -موالاة ومعارضة- في المحظور حين كالوا الشتائم للمختلفين معهم في الطرح والتفسير والقراءة ، ولم يحصن الرئيس -حينها- مقعده ولم  تصن له رمزيته ولم يشفع للعالم علمه وللعامي براءته ..

قد نتفق جميعا على أن ما وصلنا إليه من حرية تعبير مكسب عظيم ينبغي أن يصان كما ينبغي أن يدوم نعيمه ؛ لكن تحييد استغلاله عن مساره السليم قد يوصلنا إلى نتائج عكسية ، وطبعا واهم حد التيه من يظن أن استخدام الألفاظ النابية الجارحة التي تبعث على الفتنة التي مبدؤها الكلام ؛سيوصله ذلك إلى مبتغاه .

إن مشعل نار الفتنة النائمة التي قد تستيقظ بكلمة واحدة لا تحتاج إلى صراخ ؛لن يكون بمقدوره إطفاؤها أني ومتى شاء .

من المؤسف جدا أن صراع القادة الأقوياء لا يتضرر منه إلا الضعفاء ؛ فمن السهل جدا أن يغادر صاحب السلطة سلطته وينجو بجاهه وماله -مهما كانت الطريقة -والأسهل من ذلك -كما هي العادة- أن يرجع رموز المعارضة إلى بيوتهم ويشغلون مكيفاتهم الهوائية عند رفع أول سوط في وجوههم وترك المواطن البسيط يكتوي بنار أفكارهم وتوجهاتهم ومواجهة السياط بدلا عنهم والتعرض للاشواك التي لن يتجاوزها نصيبه وإن كانت هناك ثمار وما أقل ذلك تقاسموها دونه بل دون أن تتسرب إليه رائحتها أو تصل يده إليها ..!

علينا جميعا أن نفهم أن الحوار -بشكل عام- هو الحل الحضاري الناضج وهو الأسلم لتجاوز العقبات وحل المشكلات وبه يدرك ما لايدرك بغيره إذا توفر الصدق وعمت النزاهة وحسنت النيات .

وعلينا أن نستحضر قول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في أن أهون عبادة وأيسرها على البدن هي : "الصمت وحسن الخلق" ، وقوله -صلى الله عليه وسلم- (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت )، وطبعا رب كلمة تقول لصاحبها "دعني" والرجل يملك الكلمة قبل أن يقولها فإذا قالها ملكته ،
وعلينا أن نعي أن الصمت فن راق من فنون الكلام..

15. مايو 2016 - 15:24

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا