القمة العربية في انواكشوط ، ''قمة الأمل'' / محمد يسلم يرب ابيهات

 القمة العربية في انواكشوط ، ''قمة الأمل'' ...

عمق الرمزية.. وألم الواقع العربي.. و سقف التوقعات الممكنة...
لعل من نافلة القول أن انعقاد القمة العربية، في دورتها السابعة والعشرين في موريتانيا، تشكل بالنسبة لنا في هذا البلد العربي القصي، مصدر اعتزاز وفخر، ويمكن اعتبارها إنجازا 

تاريخيا بكل المقاييس، إذ لم يسبق لبلادنا أن استضافت قمة عربية، منذ استقلالها وتخلصها من الاستعمار الفرنسي، سنة 1960م.
فالرمزية والدلالة لا حدود لها، خصوصا إذا علمنا ما يمثله العمق العربي لبلادنا، شنقيط المنارة والرباط، كبعد؛ في هوية، وتاريخ، وانتماء هذه البلاد؛ وجدانيا، وثقافيا، وروحيا، واجتماعيا، واقتصاديا. فتنادي العرب إلي العاصمة انواكشوط، ومجرد اجتماعهم في هذه الربوع، يعتبر بحق تحقيقا لحلم طالما راود أبناء هذا القطر العربي الأصيل، الذي لا يماري في عروبته إلا جاهل للتاريخ، أو متحامل حقود.
ولعل التذكير بالدور التاريخي الذي لعبه الرئيس الحالي، فخامة رئيس الجمهورية، السيد محمد ولد عبد العزيز، علي الصعيد الإفريقي والعربي، هو من نافلة القول أيضا. إذ يعلم المتابعون و المراقبون لشأن هذا البلد، أنه لولا الهمة العالية، والإرادة الصادقة، والبصيرة الثاقبة، وتدبير الشأن بحنكة وحكمة، داخليا وخارجيا؛ عبر استتباب الأمن في البلاد، وتحصينها ضد الإرهاب، وتهيئة بنيتها التحتية لكي تكون في مستوي هذا الحدث وأمثاله؛ والدور الدبلوماسي الديناميكي والفعال، علي الصعيد شبه الإقليمي، والإقليمي، والقاري، والعربي، والدولي لهذا الرئيس؛ لولا كل ذلك، وبكل موضوعية وإنصاف، لما أمكن لبلادنا أن تستضيف قمة من هذا الحجم، وفي هذا الظرف العربي الخاص، الحرج، الدقيق، الحساس والمعقد.
تلك إذا مسلّمة من المسلّمات، التي لا يسع المقام الخوض في نقاشها، وستبقي الكلمات الخالدة التي قال فخامته ꞉ '' نستضيف القمة العربية، لأن ذلك من حقنا، ولأننا مستعدون لاستضافتها، وستنعقد القمة العربية في بلادنا، ولو تحت الخيام...’’ خالدة ؛ وهي كلمات يجدر أن ترسم بماء الذهب، قالها مخاطبا لنظائره العرب. هي عبارات ستبقي محفورة في ذاكرة كل موريتاني، له أدني حظ من الانتماء إلي هذا الوطن، وإلي هويته العربية العريقة، عراقة ''الضاد''  علي لسان أبنائه، سليقة وملكة؛ وفوق رماله وكثبانه، مذاكرة وتدارسا؛ إنشادا للأشعار وترنما، صبابة وحداء؛ و في ''محاظره'' –تلك الجامعات العتيقة- إتقانا وتفننا؛ وتحت أطناب كل خيمة فيه، بداهة وانسيابا؛ وفوق ''ظهور العيس'' التي اتخذها أبناؤه مطايا ينشرون، و''يبينون'' بها ''دين الله تبيانا''، جهادا وإشعاعا حضاريا، منقطع النظير...
ولأن ''العزائم'' تأتي علي قدر ''أهل العزم''، و''المكارم'' تأتي علي ''قدر الكرام'' ، والعهدة في ذلك علي المتنبي، فيحق لنا القول، وعلي لسان كل مواطن في هذا البلد، شكرا سيدي الرئيس، فأنت بحق من ''الكرام'' وأنت بحق من ''أهل العزائم'' وأنت بحق ''عظيم''، وقد تحققتْ في عهدك، وبإرادة منك وإصرار منك لا يكل؛ تحققتْ مكانة ''عظيمة'' تتبوّؤها بلادنا، باستضافة هذه القمة؛ وسيجعلنا ذلك، قبلة العرب ومحط رحال القادة والوفود العربية، وستتوجه أنظار العالم العربي كله إلينا، وستحظي بلادنا باهتمام الصحافة الدولية والعربية والإفريقية، طيلة انعقاد هذه القمة، التاريخية، بالنسبة لنا كموريتانيين، وذلك بجميع المقاييس والاعتبارات. فشكرا سيدي الرئيس، وهو شكر مستحق، لا تفيه العبارات حقه.
وغني عن القول كذلك، أننا كموريتانيين، نشعر بالفخر والاعتزاز، ونحن نستضيف هذه القمة التي نقول من خلالها للعالم أجمع، وبأعلى صوت، إن موريتانيا لم تعد الدولة العربية الفقيرة، التي تنتظر ''الفتات'' من المساعدات و''الصدقات'' من الهيئات، والمنظمات والدول؛ ولم تعد القطر العربي الضعيف الذي ''إذا غاب لا يستحق الانتظار، وإذا حضر لا يستشار''؛ بل أصبحت دولة وازنة، سائرة في طريق النمو بخطي حثيثة وجبارة، تعوّل علي قدراتها وسواعد أبنائها، أولا وقبل كل شيء، ثم علي التعاون الدولي المحترم لسيادتها وقيمها، والعربي منه في مقام الصدارة، في تنمية اقتصادها ومقدراتها، وتقدمها، ونموها، وازدهارها.
موريتانيا اليوم، وبإرادة من زعيمها وقائد مسيرة بنائها المظفرة، دولة لا تستجدي، ولا تمد يد المسكنة والمهانة ؛ بل أصبحت دولة تنمو وتزدهر، تبني وتشيّد، تنتج وتصنع، تتوق إلي الاكتفاء الذاتي في مجالات عدة، وتجاري نظيراتها، بل تبزّها أحيانا كثيرة، في التقدم الأمني، والاقتصادي، والسياسي، والإعلامي، والثقافي. وتشارك شقيقاتها من الدول العربية في التمارين والمناورات العسكرية. إنها الدولة ''الأولي'' عربيا في حرية الصحافة، والدولة العربية التي ''هزمت'' الإرهاب ودحرته، وأخرجته صاغرا مذموما، بقوة وبسالة أبطال جيشها الأشاوس، دحرته برا وجوا وبحرا، وأخرجته من كل شبر من التراب الوطني. هزمته كذلك بتجربة رائدة من خلال ''حوار فكري'' عميق ومفتوح، قاده علماؤها المحققون، مع مدعي ''التطرف باسم الإسلام''،  مستعيدة بذلك هيبة الدولة ومكانتها، ومعيدة للمواطن أمنه و سكينته، و طمأنينته، بعد أن عاث الإرهاب فسادا في ربوعها.
موريتانيا اليوم، وهي تستضيف القمة السابعة والعشرين لجامعة الدول العربية، دولة عربية وازنة، تحظي باحترام وتقدير نظيراتها من الدول العربية، وتستحق علي جميع أشقائها في الدول العربية، والبلدان الصديقة من العالم كله، كامل الدعم والمواكبة والتشجيع علي درب البناء والعمران والتنمية والازدهار، والرقي والتقدم؛ حتى تصل إلي المستوي اللائق والمرضي، وفق ما نتمناه ونصبوا إليه جميعا، من تقدم وازدهار، لكل قطر من بلدان عالمنا العربي الممتد من المحيط إلي الخليج.
موريتانيا اليوم، وهي تستضيف القمة السابعة والعشرين لجامعة الدول العربية، دولة عربية حديثة، لم تعد ''إقليما من أقاليم مراكش''... ، وإنما ''الجمهورية الإسلامية الموريتانية''، ولم تعد كذلك تكتفي بلقب أرض ''المليون شاعر'‘...، بل تتوق إلي تصبح، علاوة علي ذلك، أرض ''المليون مهندس''، وأن تكوّن آلافا من شبابها في الطب، والزراعة، والبيطرة، والتعدين، والمواصلات، والطيران؛ وتطمح إلي تكوين آلاف العلماء في الرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، وعلم الأحياء، والجيولوجيا، ومختلف ميادين المعرفة الحديثة. وهي تستحق لذلك كامل الدعم من أشقائها العرب. 
هذا من ناحية حجم الدلالة، وعظم الرمزية لهذه القمة، بالنسبة لنا كموريتانيين، يحصل لنا، ولأول مرة في تاريخ بلادنا، شرف استضافة قمة عربية. ولعمري إنها لرمزية ودلالة، بإمكان دبلوماسيتنا الفعالة، استغلالها للتأكيد علي ضرورة الحضور، حين توجه الدعوة إلي أي زعيم وقائد عربي، لأي بلد عربي عضو في جامعة الدول العربية. وذلك بأن توجه الدعوة إليه قائلة : ''إن عظم الرمزية والدلالة التاريخية لهذه القمة بالنسبة لبلادنا تجعل حضوركم ضروريا'' و''لن نقبل تخلف أي قائد وزعيم عربي عن هذه القمة، نظرا لعظم، وتعدّد دلالاتها بالنسبة لبلادنا، فعليكم إذا تفهم معاني هذه القمة، وتشريفنا بالحضور مهما كلّفكم ذلك''.
فذلك ما يتمناه كل مواطن موريتاني، من حضور جميع القادة العرب، حتى يحصل لقمة انواكشوط، الحجم والزخم اللذان تستحق، لكونها تعقد في بلادنا لأول مرة، ولكون الرمزية والدلالة بالمستوي الذي ذكرنا.
أما من حيث الظرفية والتوقيت الذي تأتي فيه هذه القمة، فالشعور السائد لدي كل مواطن عربي، من المحيط إلي الخليج، وهذا أمر واضح، هو شعور بالأسى البالغ والألم الشديد جراء التشرذم والضياع، والمعاناة. فسوريا تنزف، والدم العربي يسيل فيها أنهارا، واليمن ينزف، والدم العربي فيه يجري أنهارا  كذلك ...، العراق ينزف، ويسيل فيه الدم العربي أنهارا كذلك...،  و ليبيا الحبيبة كذلك تنزف...، وفلسطين، قبل ذلك كله، وبعده، لا تزال تعاني ''ويلات'' الصهاينة وغطرستهم، وتجبّرهم، وذلك منذ ''وعد بلفور'' ، وإلي يومنا هذا ... و مناظر ''المهاجرين'' السوريين، وهم يتسللون خلال الدروب، علي مشارف بلدان أوروبا الشرقية، وعلي حدود ألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا...مناظر تدمي القلب، وتعصرنا أسي وحزنا وكمدا، ... وتجعل المواطن العربي البسيط يتساءل: ''أين الدول العربية'' ''أين العرب'' و''لماذا لا تفتح الحدود مشرعة، في كل بلد عربي، من المحيط إلي الخليج، لاستضافة هؤلاء المهاجرين''..
واقع بشع، بشاعة الحروب وفظاعتها، علي كل شعب قدّر له يوما أن يقاسي ويلاتها وآلامها؛ تدمير وتهجير، حرق ونسف، تفجير وتفخيخ، إرهاب ورعب ودمار... فلا حول ولا قوة إلا بالله...
لكن كل ذلك يجب أن لا يفقدنا الأمل في عودة السلام إلي ربوع الشام، وأرض اليمن، وبلاد وادي الرافدين، وبلاد المجاهد الكبير عمر المختار... وتسوية ''القضية الفلسطينية'' قضية العرب والمسلمين الأولي... ولنا فيما حدث من مآسي، جراء حروب بيْنية طاحنة، كتلك التي جرت بين الدول الغربية خلال الحرب العالمية الأولي والثانية، وما عانته شعوبها من ويلات، خير دليل علي إمكانية العودة، عودة الأمل في البناء والعيش في هدوء واستقرار، وعودة الأمور إلي مسارها الطبيعي في كل تلك البلاد، نظرا لما نراه ونشاهده اليوم لدي هذه الشعوب الأوربية من تقدم وازدهار...    
والواقع العربي، مهما بلغت الأوضاع فيه من مستويات التردي والتدهور، والصف العربي مهما وصل إليه من تصدع ، ومهما بلغت فيه المواقف من تعارض، وتباين، وحتى تناقض أحيانا؛ يجب أن يكون ذلك، وعلي العكس من التدابر والقطيعة، محفزا قويا، ومدعاة أكيدة إلي الاجتماع، واللقاء، والجلوس إلي طاولة واحدة، والتبادل، والحوار، والنقاش، وتغليب منطق العقل والحكمة؛ وخير فرصة لذلك، هي بالتأكيد هذه القمة، التي تنعقد علي أرض قطر عربي يحترم جميع الأشقاء، ويقف، فيما يخص القضايا العربية البينية علي الأقل، علي نفس المسافة من كل الأطراف، وهو مستعد للإصغاء إلي رأي ووجهة نظر كل بلد علي حدة، وإعطاءها  كل ما تستحق من التدارس والنقاش والعناية، والإثارة والنقاش المستفيض حتى يتسنى لكل الأطراف الإعراب عن وجهة نظرها، بدون غمْط لحق، أو هضم لدور، أو تهميش لطرف. وحتى يستفيد الجميع من بلورة موقف عربي واضح من مجمل القضايا، العربية والدولية، موقف يتسم بالدقة في النظر، والعمق في التحليل، والمقدرة علي استشراف المستقبل، والتعامل مع المستجدات بحكمة وتبصر.
وذلك بالتأكيد ما يحتاجه عالمنا العربي اليوم، كحد أدني من السعي إلي تدارك الواقع الحرج، ومعالجة حكيمة، هادئة، رزينة ومتّزنة، لمجمل القضايا العصيّة والدقيقة، والمعقدة، والمفرطة في الحساسية. كل ذلك مما يؤكد عظم المسؤولية وجسامتها، تلك التي تقع اليوم، علي القادة العرب، وعلي قادة الدول الوازنة علي وجه الخصوص، والتي يجب أن تلعب بحق دور الشقيق، الذي يحرص علي مصلحة أخيه، قبل مصلحته الخاصة. فذلك لعمري السبيل الوحيد إلي بعث الأمل في الأمة من جديد، وتمكين المواطن العربي البسيط من رؤية بصيص الأمل في الظلام الدامس؛ وتلك هي السبيل الأقوم، والطريق الأسلك إلي مواساة الأمهات العربيات، الثكالي، والأيتام العرب التائهين ، الهائمين في مشارق الأرض ومغاربها، بحثا عن مأوي وعن وطن... وإعادة الأمن والأمان إلي كل شبر من الوطن العربي الغالي.
وعلي قدر المصاب، يكون عظم المسؤولية، لمن يريد النهوض وعدم الاستسلام للمصاب، مهما عظم؛ فعلي كل القادة العرب، الذين نأمل حضورهم جميعا في قمة انواكشوط، أن يعوا جيّدا هذه الحقيقة. فقدرنا كعرب، ليس الحرب، والتفجير، والدمار، والإرهاب والتطرف؛ وشعوبنا تستحق مستقبلا أكثر سلما وأمانا، واستقرارا، وازدهارا... ولن يتم كل ذلك إلا بقدر ما يتمكن القادة العرب في هذه القمة من تجاوز الخلافات، ونكران الذات، والتضحية، والتسامي، وعمق النظر، وعلو الهمة والشأن، والتضحية من أجل قضايا أمتنا العادلة... إدراكا بأن المصير واحد، والتحديات مشتركة، والأعداء المتربصون بهذه الأمة كثر... ، فالحكمة، الحكمة، والروية، الروية، والسداد، السداد، يا قادة أمتنا العربية...
ثم إن البلدان العربية، مهما كان إلحاح الواقع الصعب والمرير الذي تعانيه، لديها من المشاغل والاهتمامات الاقتصادية، والعلمية، والتربوية والتكوينية، والثقافية وحتى الرياضية، المشتركة، ما لا يمكن إغفاله. بل قد يصبح التصدي له والإسهام في تحقيق مكاسب علي هذه الأصعدة، وفي هذا الظرف الحرج بالذات، خير دليل علي أن الأمة لا تزال حية، ولا تزال مصممة علي مواصلة التعاون فيما بينها.
وعلي ذكر ضرورة ديمومة التعاون الاقتصادي، والعلمي والتكويني، علي وجه الخصوص، يمكننا أن نخلص إلي المقترحات التالية، التي نسوقها هنا، كسقف آمال بسيطة، مشروعة، واقعية، ومهمة، بالنسبة لبلدنا؛ والذي نعتبر أي إسهام في تنميته وتقدمه، إسهاما في تنمية وتقدم عالمنا العربي ككل.
1-يمكن العمل علي غرار ما قامت به الدول الأوروبية القوية اقتصاديا، في نهاية القرن الماضي، من استثمارات هائلة، في إسبانيا، التي كانت وقتها تعتبر القطر الأوروبي ''المتعثر'' اقتصاديا، أو ''ألأقل نموا'' لكي لا نقول الأفقر، حيث تم استثمار مليارات الدولارات، في هذا البلد دعما لاقتصاده، ولتمكينه من اللحاق بمصاف الدول الأوروبية المتقدمة الأخرى. فتم اختيار قطاعات واعدة، كالبناء، والبنية التحتية بشكل عام، والمواصلات، والطاقة المتجددة والبديلة، وقطاعات البحث العلمي والتكوين، وكذا قطاع السياحة. فتمكنت إسبانيا، في حدود مرضية ومقبولة، وإن سجلت إخفاقات هنا وهناك، وفي ظرف عقدين من الزمن، من اللحاق بنظيراتها الأوروبية، وإن لم تساويها. فاستفاد الشعب، والشباب الإسباني من تلك الاستثمارات، وعادت بالنفع العميم علي أوروبا ككل. فأملنا، أن يدرك القادة العرب ما للاستثمار في موريتانيا من أهمية، وما تحتاجه موريتانيا من رؤوس أموال لتشييد بنيتها التحتية، وتنمية قطاعات حيوية ، كالزراعة، والطاقة البديلة، والمواصلات، والصيد البحري، وقطاع المعادن، والسياحة، غني عن الإيضاح. ومعروف لدي الأخصائيين الاقتصاديين ما لأهمية رأس المال العربي، في القطاعين العام والخاص، والخليجي منه، علي وجه الخصوص، من أهمية، إذا تم استثماره في بلد ذي موارد طبيعية معتبرة، ومساحة كبيرة، ويد عاملة رخيصة، وتكاليف معقولة، كموريتانيا. 
2-تعتبر اللغة من أهم المقومات الحضارية لكل أمة، واللغة إحدى الرافعات المهمة، إن لم تكن الأهم، في أي عملية تنموية. وخير مثال في هذا المجال، ذلك الذي ضربه الشعب الياباني، ومن بعده الصيني. فهذه دول اعتمدت لنهضتها العلمية، لغاتها الوطنية، لكي يكون النفع شاملا، سابغا، عاما، عميق الأثر ومؤكد النفع. هذا مع انفتاح كبير علي اللغات الحية الأخرى، وخصوصا اللغة الانجليزية، لغة العلم والبحث الحديث. فقد تم، ويتم بشكل دائم، نقل كل ما يصدر في مجال البحث العلمي الرصين، الجاد، الموثوق به، والمعتبر عالميا، إلي اللغة اليابانية. ولو لم تكن العناية كاملة باللغة اليابانية، في المقام الأول، لما تمكن الأخصائيون اليابانيون، من نقل المعارف العلمية في العلوم البحتة، وفي مجال التكنولوجيا الحديثة، الميكانيكية منها، والرقمية علي حد السواء، إلي لغتهم القومية. فأية لغة تنحسر في مدها، ولا تستخدم في مجالات الحياة العصرية والحديثة، هي لغة يحكم عليها بالموت البطيء. وأية لغة خاملة، جامدة، خامدة، منحسرة المد، لا يمكن نقل العلوم إليها، بالتأكيد. فعلي قادتنا العرب إدراك ذلك، والعمل علي إنشاء ''أكبر مجمع للغة العربية والترجمة'' في بلادنا، يعني بالحفاظ علي اللغة العربية، ونقل كل المعارف إليها، وتوحيد المصطلحات العربية، ويكون هذا الصرح العلمي تابعا لجامعة الدول العربية. ويكون كذلك في منأى كامل عن السياسة، والتسييس، والتجاذب السياسي؛ عبر صياغة معاهدة إنشاء لهذا المجمع، تنص علي ذلك صراحة. فيكون قادتنا العرب، بهذا الجهد الجماعي، قد أوفوا لغة ''الضاد'' بعض ما تطالبهم به من حق، ويكونون بذلك قد أسهموا إسهاما معتبرا في تهيئة الأجواء لخلق بيئة حاضنة للنهضة العلمية العربية التي نأمل. والتي لا يمكن، ولا نريد، ولا نتمنى، ولا نرجوا  لها أن تتم إلا من خلال لغتنا العربية، اللغة المعجزة الخالدة. تبقي الترتيبات العملية لإنشاء هذا المجمع، وتفاصيل إنشاءه، مجالا أكيدا للبحث والدراسة من طرف الأخصائيين. وتجدر الإشارة هنا إلي أن اختيار بلادنا لاحتضان هذا المجمع، الذي نأمل أن ترصد له إمكانيات مادية معتبرة، سيكون اعترافا من طرف أشقائنا العرب بالدور الذي لعبه أسلافنا الشناقطة، في الحفاظ علي اللغة العربية، حيث لا يزال اللسان العربي يحفظ ويصان ، في فصاحة العرب البدو الرحل ''بعلمهم وتراثهم''،  الفصحاء الأقحاح، ، صرفا من كل الشوائب، ويتدارس في تقديس وهيبة كاملة في ''محاظرنا''.
3-بما أن التكوين المهني، المتوسط منه علي وجه الخصوص، يلعب دورا بالغا في النهوض الاقتصادي بالبلدان، وذلك نظرا لقصر مدته- سنتان أو ثلاث بعد الباكلوريا، علي العادة- ، من جهة، ونظرا لتركيز الدراسة في تخصص معين طيلة فترته، للإحاطة بالجوانب النظرية والتطبيقية لمجال التخصص المستهدف، فإن أملنا كبير في أن تدعم الجامعة العربية جهود بلادنا في هذا المجال، عبر تقديم دعم مادي وفني – بأطر التكوين من أساتذة ومدربين- وتقني، من خلال توفير المعدات اللازمة لذلك. وإذا استطاعت الدول العربية أن تباشر إنشاء معاهد لـ''التكوين المهني المتوسط''، في كل ولاية من ولايات موريتانيا-وهي، بالمناسبة، اثني عشر ولاية - بتوفير الكادر المكون والتأطيري، والمعدات، والمناهج اللازمة، لكان ذلك إسهاما غاية في الأهمية والجدارة، لدعم بلادنا في مسيرة بنائها؛ ويشكل نمو موريتانيا وتقدمها العلمي والاقتصادي، إسهاما أكيدا في تقدم ونمو عالمنا العربي ككل.
هذه، باختصار شديد، تمنيات مواطن موريتاني بسيط، يضع سقفا أكيدا لتوقعاته وتمنياته، وكل ما يؤمله ويرجوه لبلده، وأمته، نظرا للظرف الحرج، الحساس، الاستثنائي والخطير الذي تمر به أمتنا العربية.
ونظرا لكون الوضع العربي الحالي علي ما ذكرنا من الدقة ، يتأكد حضور جميع القادة العرب لقمة انواكشوط، فعلي قدر عظم المصاب، يكون عظم المسؤولية لكل من يريد النهوض وعدم الاستسلام لليأس والتشرذم، والانقسام والتجاذب. فهذه قمة انواكشوط، تدعو جميع القادة العرب إلي أن يكونوا علي قدر المسؤوليات الكبيرة، والتحديات العميقة التي تواجه أمتنا العربية.
وهذه ''هند'' الموريتانية... تنادي كل قائد عربي، صادحة، في عراقة وفصاحة معهودة، : ''نحن بنات الطارق...نمشي علي النمارق... إن ''تنجحوا'' نعانق، أو ''تفشلوا'' نفارق...'' . فالحذر، كل الحذر من الفشل في ''قمة الأمل''، فكل الشعوب العربية تنتظركم...،  ينتظركم كل يتيم ولطيم، كل أرملة وثكلي، ومشرد و مهاجر، و جائع ومريض، و..''فلسطين '' تنتظركم ...و سوريا...واليمن...والعراق...وليبيا.. و مستقبل الأمة العربية برمتها، ... ووو؛
فالفشل ممنوع، ممنوع، ممنوع...
والنجاح في قمة انواكشوط هو بارقة الأمل التي لا غني عنها...
فالنجاح إذا ضروري ومؤكد، يا قادة العرب..

12. يوليو 2016 - 15:29

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا