الصحــراء والخلافات منطقة المغرب الكبير الكبرى / باب ولد سيد أحمد لعلي

لا أعرف هل قُدر لنا أن نحي في مأساة الفرقة والتجزئة ونشهد على أكل بعضنا لحوم البعض؟ أم أننا شعوب لا تعرف كيف تحلمُ وتحقق أحلامها في يقظة ؟ ومهما يكن لقد وُأدت في مهدها كل بادرة خير تسعى إلى توحيد جزء من الوطن العربي وضمه مع جزء منه آخر ،بصفة عامة وتوحيد ما سُعي إلى توحيده 

وجعله دُولا في مؤسسة عامة لها اقتصاديات موحدة و اكتفاء ذاتي بتعاونها مع بعضها البعض بضفة خاصة حسب ما كان مقررا في محاضر تأسيس منظمة دول المغرب العربي ...
حلمنا سنوات وعشنا في حلمنا الوهمي حسب ما أكدت لنا الأيام والسنين ، فلا زالت مشكلة العلاقات بين الجزائر والمغرب تتعقد وتتفاقم يوما بعد يوم ، ولا زالت موريتانيا تتأرجح بين المغرب والجزائر مقتربة من إحداهما في بعض الأحيان ومبتعدة عن الثانية في أحيان، وأهم ما يذكي التباعد والحساسيات بين هذه البلدان الشقيقة الثلاثة هي القضية الصحراوية ومشكلة النزاع عليها وحل ملفها الذي يبدو أنه في حالة منيعة من الاستعصاء.
لقد كان المختار ولد داداه يعتبر الصحراء جزء من الدولة الموريتانية وقاد هو والمغرب بعد اعتراف المغرب بموريتانيا كدولة 1969 حربا سماها المختار حرب إعادة توحيد اللحمة الوطنية تلك اللحمة التي فرقت بينها قوتين استعماريتين مختلفتين ، من جهة ومن جهة ثانية تعتبر المغرب الصحراء جزءا من أراضيها كما كانت تعتبر موريتانيا في السابق جزءا منها ، وعلى الخط الثالث الموازي هناك الجزائر التي تعتبر علاقاتها مع الصحراء علاقات اقتصادية أكثر من أي شيء آخر ، فلا يوجد أكثر من مرفأ تيندوف يمنع الجزائر من التخلي عن مشكل الصحراء وعدم الدخول في شأنها .
وبخصوص علاقة موريتانيا بالصحراء فإن ما يربط البلدين أكثر مما يفرقهما ، فالشعب الصحراوي ليس إلا جزء من الشعب الموريتاني بنفس الخصائص الاجتماعية ونفس القبائل ونفس الأسر حتى ، ولا يمكن التحدث عن المسألة حديثا موضوعيا أكثر من ما كان الرئيس الموريتاني الراحل المختار ولد داداه يرى ويعتقد ،"نحن شعب واحد فرقت بيننا إرادتين استعماريتين مختلفتين" وقد اعترفت الأمم المتحدة بذلك حيث أعتبر الحكم الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في عام 1975  أنَّ سكان الصحراء يرتبطون اجتماعيا بموريتانيا ارتباط الجزء بالكل.
لقد كانت موريتانيا تخوض حربا سمتها حرب إعادة التوحد ودعمت الجزائر البوليسارو بل وساهمت في تأسيسها من اجل الحفاظ على مصالحها الاقتصادية وحالفت المغرب موريتانيا من أجل الحصول على جزء من غنيمة الأرض المتنازع عليها ، وبين هذا وذاك كابد الشعب الصحراوي ونزح إلى الفيافي يتلقفه التيه ويحيط به الجزع والخوف من كل جانب ، واستمرت الحرب مدة قتل فيها الأخ أخيه وضاعت الأرحام فيها وتشتتْ ولا أحد يأبه لذلك ، الكل لا يبصر سوى مصالحه ...
وبخصوص الموقف الموريتاني من القضية ، فقد كانت "موريتانيا المختار" كما أسلفتُ ترى الصحراء جزءا من موريتانيا وهذا ما يراه ويعرفه معرفة اليقين كل موريتاني ويقتنع به وإن بقيت تلك القناعة تخامر النفس في السر ولا تتعدى حدود الخلجات إلى ذرى البوح ، ثم بعد أن ضرب نواكشوط واستطاعت البوليساريو من خلال خطتها التي ركزت فيها على الحلقة الأضعف يومها "موريتانيا" من إرباك الجيش الموريتاني مما جعله يأخذ بزمام المبادرة وينقلب على المختار ولد داداه ، ليمر الملف الصحراوي بقترة مظلمة في دوائر القرار الموريتاني حتى عام 1981م ذلك أن لجنة الخلاص العسكرية التي حكمت بعد ولد داداه كانت تتجاذب بها مواقف عدة لا تخلو في مجملها من تأثيرات سياسات دول الجوار .
وفي عام 1981 زار العقيد الليبي موريتانيا وموريتانيا في تلك الفترة تحت حكم ولد هيداله من أجل ضم الصحراء لموريتانيا وتسوية الملف لكن تدخلات من ضباط سامون في اللجنة العسكرية على رأسهم العقيد ولد الطايع جعلت السلطة تأخذ قرارا حاسما في القضية الصحراوية وتعلن الحياد الإيجابي ، ليقال بعد ذلك القرار مباشرة الوزير الأول الموريتاني سيد أحمد ولد بنيجارة الذي كانت تربطه علاقة حسنة مع الزعيم الليبي ويعين خلفا له العقيد ولد الطايع ، وبعد ما استقر الأمر لولد الطايع مدة 21 سنة تعزز قرار الحياد الايجابي ، وتقاربت المغرب أكثر مع موريتانيا.
هل كانت موريتانيا على حق في إدعائها ملكية الصحراء ؟
أظن الوقائع التاريخية تؤكد ذلك ، فالساقية والحمراء وواد الذهب هما جزء من أرض شنقيط أو أرض البيظان كما هو الحال بالنسبة لأقليم أزواد ، إنهما نقاط ومواقع اختار المستعمر أن يركهم دون حسم أمرهم ليبقى في المغرب الكبير ما يعرقل صفو الاستقرار فيه ، فلا شيء أهم من أن يعي الساسة ذلك وأن يسعوا إلى تكثف الجهود من أجل لم الشمل كما نص على ذلك ميثاق تأسيس المغرب العربي الذي بقي حبرا على ورق ومجرد سحابة صيف وريح عابرة مرت ولم تعد ، وبقيت الدول الأعضاء فيه ثائرة بينها الشكوك والهواجس واللاثقة ولم يأبه به أية دولة عضوة غير تونس التي نصت عليه في دستورها 2014 ، حيث أكدت على أنها دولة عربية تنتمي إلى دول المغرب العربي الكبير ، أما بقية الأعضاء فحدث ولا حرج ، فليبيا حالها يغني عن سؤالها ، ويكفي العلم بالصور الذي تبنيه الجزائر على حدودها مع المغرب ، وأن تعلم بقصة "لكويره" التي تقع تحت الحماية الموريتانية عسكريا وتحشد المغرب لها الحشود لإثارة فتنة وأزمة بينها وبين موريتانيا من خلالها ، فلكويره أو "عين الذهب" أرض موريتانية ولا يمكن أبدا تنازل موريتانيا عنها إلا بشروط قوية إن أمكنها ذلك ، وأبسط دليل على ذلك قربها من القلب النابض لموريتانيا ومدينتها الاقتصادية "نواذيبو"، ناهيك عن الأزمة الدبلوماسية السابقة القائمة منذ ما يقارب 5 سنوات .
وعلى العموم فإن موريتانيا مظلومة ويجب أن تنصف ، مظلومة منذ أخذت منها القوى الاستعمارية جزءا من أراضيها وحفرت فيه الخلاف والمشاكل وجعلته نواة لكل شر وبؤرة توتر تتحكم في لهيب الشرارة المذكي بين المنطقة بأكملها ، ومظلومة حينما أرادت المغرب أن تقلص دورها وأن تطلب منها التخلي عن دعم إخوة أشقاء وأهل كرام,
وتضييق الخناق على موريتانيا في هذه القضية قد يدفعها إلى مراجعة موقف الحياد الإيجابي ، وهو ما لن تحمد عقباه المغرب وقد يأتي بنتاج ليس في صالحها مطلقا مثل وقوف الجزائر في صف واحد مع موريتانيا بالإضافة إلى البوليساريو ،وعزل  المغرب وحيدة بموقفها في المنطقة علما أنها تود ن تنضم إلى الاتحاد الإفريقي في هذه الفترة ، وهو ما قد ينجم عنه تسوية عامة في الملف الصحراوي لصالح موريتانيا والجزائر على حساب المغرب 


 

15. أغسطس 2016 - 11:00

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا