بين الوسطية المعيبة والتطرف الأخرق (ح1) / سيد محمد ولد أخليل

أولا : ما سأسطره لك هنا هو الحقيقة التي أصبح مجرد الحديث عنها في هذا الزمن الأغبر عيبا لا يليق بالمثقفين المتحررين الديمقراطيين.
ثانيا: تبا لهذه الغفلة التي طمرت اليوم شعوب المسلمين وحكامهم، وستنتهي – لا قدر الله - بإشعال النار في بلدانهم إن لم يهبوا من رقادهم الطويل!

ثالثا: سأضطر إلى تقسيم هذا المقال إلى جزئين على غرار مسلسلات المقالات المكسيكية بسبب طوله لا بسبب الرغبة في تكرار الحديث الممل عن فكرة بائتة..

طالعت مقالا لأحد المحامين تحدث فيه عن مخرجات الحوار الديمقراطي، وفترة ما بعد الحوار، واضعا عنوانا كبيرا جدا لهذه القضية الديمقراطية السخيفة، وهو "خرجنا من الجهاد الأصغر، إلى الجهاد الأكبر!"، بل وجعله مسلسلا مكونا من ثلاث حلقات ! على غرار مسلسلات كتاب مواقعنا المملة التي لا تقدم ولا تؤخر..
في الوقت الذي يعاني فيه العالم الإسلامي من الغزو الغربي الظالم بمختلف وسائله بما فيها الدسائس والأذية المباشرة، نقرأ مثل هذا المقال الذي أقل ما يقال فيه أنه يغرد في واد والحق يغرد في واد آخر !!
ورغم احترامي لكاتبه، والثناء على وسطيته، التي لا أقصد بها وسطية الإخوان الديمقراطيين المفلسين وإخوتهم من المتظاهرين المشؤومين، بل أقصد "الدين الوسط"، دين الإسلام الصحيح الذي ليس فيه وسطية ولا تطرف، وكل ما خالفه فهو إما "وسطية ديمقراطية" معيبة ناقصة، أو تطرف بدعي جاهل، وسأسرد لك علامات هذين الوجهين القبيحين بالتفصيل الممل، لكن قبل ذلك سأتحدث عن العفو الرئاسي الذي صدر من الرئيس المصري عن الزنديق "ابن البحيري" الذي حكم عليه القضاء المصري بسنة سجن نافذة، وبتهمة لا أبشع منها، هي تهمة "ازدراء الدين الإسلامي" ! نعم، فالرجل وقع في الصحابة وعلماء الإسلام وكل ما له صلة بالتراث الإسلامي العريق مقلدا في ذلك أغبياء الإلحاد الذين لا يغردون إلا بالإعتراضات العقلية التي تثبت أنهم بلا عقول، ومع هذا عفا عنه الرئيس قبل أيام قليلة من خروجه من السجن ! فما معنى هذا العفو ؟
ألا يعني كما قال الزنديق نفسه على أكثر من قناة أن الرئيس موافق على منهجه الضال ؟! أليس ضربة للشعب وللمسلمين عامة، عندما يعفو رئيس الدولة نفسه عن زنديق مثل هذا، واضعا رأسه بجوار رأسه ؟!
أم هي إشارة السوء من أصحاب المذهب الصوفي المحيطين بالرئيس السيسي ممثلين في أسامة الأزهري الصوفي صاحب ابن الجفري الصوفي الخرافي، اللذين ناظرا ابن البحيري قبل سجنه مناظرة مضحكة أثبتا فيها أنهما ليسا على شيء قبله، لسبب بسيط هو أن الباطل لا يمكنه مقارعة الباطل.
فلعلها مشورة ابليسية من الحاقدين على مذهب الحق السلفي النقي أمثال هذا الأزهري والجفري الذي يوسوس له.

ألا يذكركم هذا بعفو صاحبنا عن السيد الحقوقي الذي يتحدث الان في القنوات الفرنسية، مصرا على فعلته متعللا بأنه ليس ضد مالك ولكنه ضد خليل والدسوقي وغيرهما من علماء المذهب الذين جاؤوا بعد مالك، وينسى المسكين أن المذهب مترابط الأصول والإجتهادات، ويصب في مجمله (عقيدة وفقها) في منبع الإسلام الأصيل البعيد عن البدع والضلالات التي يرى منها المسلمون اليوم الويلات والهنات.
استشهد الحقوقي بأن المرابطين أحرقوا كتب الغزالي في التصوف، والإحتجاج هنا لا محل له، لأن دولة المرابطين السلفية (المحسودة بالمناسبة من طرف أغلبية الضالين اليوم) حاربت كل أهل البدع من أشعرية ومتصوفة ووثنية ولا دينية، ولم تميز بين أحد وأحد، لذا فإن إحراق كتب اهل البدع – أو ما فيها – مما هو مخالف للإسلام في حقيقته وإن زينه أصحابه (لأن كل محدثة وبدعة ضلالة) أمر مدحه الكثير من علماء الإسلام الذين جاؤوا بعد المرابطين، أما هذا الحقوقي فقد أحرق الكتب التي لها علاقة بالإسلام، والتي هي مجرد اجتهادات لفقهاء المذهب في هذه البقعة من القارة، نحسبهم جميعا تحروا الصواب، وقد يخطؤون لم لا، ولكن لم يقل احد من العلماء بحرق كتب المخطئين في أي مذهب من مذاهب الفقه المعروفة، ولم يفعلها أحد عبر التاريخ !
إن مثل هذه الإجتهادات لا تحرق كتبها ولكن يرد عليها بالعلم، بقال الله وقال رسوله وقال صحابته، لا قالت أمريكا وفرنسا ومنظمات حقوق الحيوان ! وأين العلم من هؤلاء الخارجين المتظاهرين ؟!
لقد أطلق رئيسنا سراح هذا الحقوقي بعفو رئاسي، كما أطلق السيسي سراح ابن البحيري، فهل يطلق سراح ولد امخيطير أيضا بعفو رئاسي ؟ على كل حال للرئيس الحق في ذلك، ولكن ألا تلاحظون أن ضغط هؤلاء الكلاب الصليبيين على حكامنا المسلمين قد زاد جدا ؟ ولكم أن تتذكروا موقف الرئيس السابق مع الفرنسيين عندما نجح في الضغط عليهم، ولعل ذلك كان سبب سقوطه، فأين لنا برئيس لا يخاف غير الله، قف في وجوههم القبيحة ؟ إن المسلمين في أمس الحاجة إلى حاكم يقول "لا" لهؤلاء الكفار، لا نريد عهركم وفجوركم، ولا نفاقكم، ولا حتى بضائعكم وأولها هذه الديمقراطية السخيفة التي لا تقارن من قريب أو بعيد بشرع ربنا، ولو عرف المسلمون وحكامهم دينهم حق المعرفة بعيدا عن البدع وأهلها المتاعيس المشؤومين، لما قبلوا هذه الديمقراطية لحظة واحدة.
هؤلاء الكفار – هذا تعريفهم – الذين لا نرى منهم كل يوم إلا الدسائس والتفجيرات والغزو لدولنا، وضرب نسائنا وأبنائنا بالقنابل، تارة تراهم في مالي، وتارة في سوريا، وتارة في مصر، وتارة يتجهون إلى الحرمين في السعودية كأنهم ما خلقوا إلا لأذية المسلمين، وذلك هو الواقع فهم جنود ابليس الذي لا شغل له في هذه الدنيا إلا محاربة أهل الحق من المسلمين !
وأقول لهذا الحقوقي الذي لاحظت في كلامه صدقا في ابداء ما يعتقد، وتلك ميزة لأن أكثر هؤلاء لا ينسون كلمة اسمها "الصدق"، أما هذا فقد كان واضحا في تعبيره عن رأيه في القناة الفرنسية، وقال ما يعتقده، وإن اختلفنا معه فيه، لذا أقول له لا تكن السبب والعلة التي يقفز بها هؤلاء الكفار على إخوتك المسلمين السود منهم قبل البيض، فهؤلاء الفجار يخدمون اجندة ابليس الذي يعترض أصلا على الأذان، ويتمنى لو حطم كل بقعة يرفع فيها وتقام فيها الصلاة !
وأقول له إن النزول إلى الشارع ليس هو الحل، بل هو الشعلة، والإعتراض على الرئيس واتهامه اعتراض على سلطة الدولة، وإني لأعجب من هذه الديمقراطية الرعناء، كيف يعترض أحد المغمورين على الحاكم ويخرج إلى الشارع زاعما السلمية  مناديا بسب الدولة وجيشها وحاكمها؟
إذا اعترض المجهول على الحاكم وخرج إلى الشارع فمن الذي سيقبل بحكمه في خلافه مع الدولة الصغيرة الحاكم الدكتاتوري؟ فكروا ولن تجدوا جوابا إلا الغرب ! فالدولة بقضائها وجيشها ورئيسها – مهما كان، المهم أن لا يكون كافرا أو يأمر بمعصية، هذه قاعدة الإسلام -، أصبحت مجرد بعرة في نظر ذلك المعارض أو الحقوقي أو المتظاهر العاطل عن العمل المسفه للرئيس ولقبيلته بل المتهم له بأبشع التهم، وتأمل في اتهامات هذا الحقوقي للرئيس والدولة واسأل نفسك إذا كان الخصم فوق الدولة والقضاء فما المنتظر من هذه الخصومة ؟ وهذه إحدى سيئات هذه العاهرة التي تسمى الديمقراطية.

وبالمناسبة أوردت بعض المواقع خبر معاتبة الددو لأحد المدونين على نشره لرأي ه في ولد امخيطير، وهو أن توبة الساب لا تقبل عند أكثر العلماء، ولكنها تقبل عند بعضهم، وهو رأي له أهله ومصادره، والأمر في قضية ذلك المخلوق متروك للقضاء ، فهو وحد الذي له الحق في تقرير ما يراه، وعلى العوام القبول بذلك ولزوم منازلهم، وعلى الدولة ضرب كل من يخرج منهم إلى الشارع معترضا على قفاه سواء قبل الحكم أو بعده.
ولا يجوز لأحد لا للددو ولا لغيره أن يتحدث في القضية إلا إذا عرض رأيه كما في هذه الحالة، ولا يجب للقضاء أن يتأثر لا بالددو ولا بمن هو فوقه ممن هم خارج القضية، لذا لا داعي لكبت الآراء أو التذبذب فيها حتى يكون للعوام رأي وللخواص رأي، فالحق واحد لا يتجزأ، وهؤلاء كلهم سقطوا عندما وضعوا أيديهم في أيدي أهل البدع وضحكوا لهم بدل الإعتراض على بدعهم بالتي هي أحسن من الضحك لها، رحمة بالعوام الذين يموتون على الضلال في كل يوم تحت أنظارهم، لقد سقط هؤلاء سقوطا شنيعا ولن ينفعهم في رأيي الصراخ في خطبهم ومحاضراتهم بضرورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولعنهم للعالم الساكت عن البدع وهم أول الساكتين عنها إن لم يكن فيهم شيء من قذرها!
وبالعودة إلى موضوعنا، أوضح لك شذوذ هذين المصطلحين: مفهوم الوسطية، ومفهوم التطرف:
أما التطرف فعلامته وأهله واضحون، خذ مثلا: الوهابية والخوارج الدواعش والإخوان، والصوفية والشيعة والليبراليون الديمقراطيون، وأنظر أيهم فيه هذه الخصلة وهي الحرص على هداية مخالفه إلى ما عنده بعيدا عن البغضاء والشنآء، وستعرف صاحب الحق.
وانظر أي منهم منغلق على نفسه كالقفل كأن طائفته أو طريقته لها دين إسلامي خاص بها لا يعني غيرها، لا يدعو إليه علنا على المنابر وفي المحافل، بل يصطاد الناس ويأخذ عليهم البيعة البدعية في الستر والظلام، تعرف من على الباطل.
وانظر أيضا من منهم يعبد الله بعبادات وأقوال لم يعرفها الرسول صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، أقوال مصدرها شيخه أو محدثه أو زوجته، لا تجدها في كتب الإسلام الأول الذي اكتمل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وسطرت كتبه موثقة ومعروفة لدى العلماء، تعرف من على الباطل أيضا.
الحق واضح والباطل  واضح، ولكن التطرف الذي هو سمة كل المنحرفين، لابد من وجوده في المبطلين، لذا يقتل الشيعة والخوارج أعدائهم دون رحمة (لأنهم يكفرونهم ويستبيحون بذلك دمائهم وأعراضهم)، ولن أفصل في ذبائح الدواعش والشيعة فهي مشهورة معروفة، توجد لها فيديوهات مرئية على اليوتيوب كفى بها دليلا، أما جرائم الإخوان الذين اغتر بهم معظم الشباب المسلم اليوم، فلشيخهم القرضاوي فيديو على اليوتيوب، يدعو فيه إلى قتل القذافي وكل من أعانه من الجنود والعوام ! ويذكر أن ذلك قربة إلى الله، وأن دمه في رقبته والعياذ بالله، أما تكفيرهم للسيسي فمشهور، وهو عند شباب الفيسبوك الجاهل المعجب بمنهجهم اللاإسلامي الديمقراطي البراق الذي لا يهدفون من ورائه إلا إلى تحصيل الدنيا وبناء المنظمات الربحية والتنافس على غرف الجنة، أقصد على غرف البرلمان.
تحدثنا عن الحد الأول وهو التطرف، والآن نتحدث عن الحد الثاني وهو الوسطية، أما الإسلام الأصيل فيقف بين هذين المسخين،  فهو "دين وسط"، وكلمة "وسط" في اللغة تعني الخيرية والعلو، أما وسطية هؤلاء الدعاة والشيوخ السياسيون المنافقون (الباحثين عن الدنيا) الذين تلاحظ خمود حسهم الإعلامي لقلة فائدتهم، كقنوات مثل اقرأ والمجد والرحمة والناس وغيرها من القنوات التي أصبحت اليوم جثث خامدة بلا حس أو نور لإبتعادها عن منهج الحق، ولعبها السياسي المقيت بالدين، ومؤازرتها لأهل الباطل من الإخوان الذين ابتلعوها، فلا تجد من بينها قناة واحدة تتحدث بإسم الدين الصحيح رغم أنها إسلامية، وتتعرض لكل المبتدعين والصليبيين الظالمين إلا قناة واحدة، تضع كل أهل البدع والكفر في خندق واحد وتهاجمهم بقوة أهل الحق التي خبت في هذه الأيام، وبأدلة الناصح الذي يتمنى الخير للجميع، وهي قناة "البصيرة" المصرية لصاحبها الدكتور الرضواني الذي إذا كتبت اسمه في جوجل سترى مدى الحملة الشيطانية عليه، اما إذا تابعته وتابعت ما يعرض في قناته فستدرك أنه على حق يعكس خصومه.
وتحاول قناة صفا ووصال أن تسيرا على ذلك النهج، ولكنهما حصرتا مشكل الإسلام والعالم الإسلامي في الشيعة وحدهم، كما أنهما قناتين مخترقتين من طرف الإخوان والسروريين (السلفيين الديمقراطيين المؤمنين بالديمقراطية والحزبية، قللهم الله)، لذا قلت فوائدهما، ولم يعد ظاهرا في عالم القنوات الإسلامية إلا قناة البصيرة وحدها في زمن تتكاثر فيه قنوات الصليب والمجوس على الأقمار التابعة للدول الإسلامية كالنايل سات مثلا !..
ويبدو أن أعدائنا رقصونا في البداية، حيث تجاوزت قنوات الرقص والغناء المفتوحة في بيوتنا (التي أصبح من بينها اليوم قنوات تدعو للمقويات الجنسية عن طريق دعايات شبه جنسية تدخل بيوت كل المسلمين)، ثم أتبعوا الرقص بالمسلسلات المكسيكية والتركية الطويلة الخبيثة حتى أفسدوا أخلاق المجتمعات، ثم بعد ذلك غزونا بقنوات الشيعية التي هي أكثر بأضعاف مضاعفة من القنوات الإسلامية السنية على النيل سات، وبين ذلك وذلك تسيطر قنوات العلمانية والليبرالية والفجور السينمائي والفني على قمري العربسات والنايلسات، بل إن القنوات الرسمية لأكثر دول الإسلام مبنية على تلك الوسطية الليبرالية، وستعجب إذا علمت أن القناة السعودية الأولى مبنية على تلك الليبرالية في بلد لم يكن يسمح للمرأة بتجاوز حدودها !
ومع هذا نتساءل أين الحقيقة، وقد مكنا من رقابنا إذاعات وفضائيات بريطانيا وفرنسا وكل الصهاينة، والفضائيات التابعة لأتباعهم الذين يزعمون أنهم مسلمون، وقد باعوا دينهم بدنياهم والعياذ بالله.
وفي أثناء كل ذلك كانت الديمقراطية والحقوق والحريات السخيفة حاضرة بقوة في كل القنوات، وحمل اللواء الغربي الصليبي قنوات إخبارية هي الأقوى عربيا، حدثتنا عن أعدائنا كما لو كانوا آباءنا، حريصون على نهضتنا وتخليصنا من حكامنا الدكتاتوريين، ولا تهدف من وراء ذلك إلا إلى تمهيد غزوهم لنا فكريا وواقعيا كما هو حادث اليوم ! ورغم ذلك ما زال البعض يتكئ أمام هذه القنوات الفاجرة الكذابة كخشبة مرمية على السرير 24/24 ساعة !
إن من نتائج وسطية هؤلاء اللئام التي ينادون بها: اللين والخنوع والتخنث الذي نراه في أبناء المسلمين اليوم، حتى أنهم يعطون الدنية في دينهم، تأسيا بقول الإخواني الجاهل "نجتمع فيما اتفقنا فيه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه"، وهذه قاعدة إبليسية أصيلة، معناها أن المحق والمبطل في الإسلام شيء واحد ! لكل منهم أن يفعل ما شاء، وليس لأخيه أن يعترض عليه من منطلق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة في الدين ! حماية لجنابه من الفساد الذي يطغى عليه اليوم بسبب هذه الوسطية، على أصحابها من الله ما يستحقون، ولو عرف المسلمون طريق سلفهم في الرد على أهل البدع والضلالات، ونبذهم حتى يتوبوا، والحذر من الكفار، حتى ان منهم من حرم رد السلام على المبتدع ! لعرفوا أن واضع هذه القاعدة الإخوانية شيطان رجيم!
بسبب هذه الوسطية، أصبحت الثوابت عند أولئك الوسطيين غير ثوابت! وأصبح الإسلام نوعا من المسيحية الديمقراطية، ولتعرف ذلك أنظر إلى الغزو الديمقراطي لسائر بلدان المسلمين، لقد أصبحت الديمقراطية يا أخي دينا آخرا يكاد المسبحون بحمده أن يستبدلوا دينهم به ! نسي أولئك الوسطيون أنها فكرة بشرية ناقصة بل خبيثة، روج لها أعداء دينهم من قبل في بلدانهم حتى محو بها آثار تدينهم الفاسد تماما ، ثم فرضوها فرضا على الحكومات والأفراد، خصوصا المسلمين !
وللعقلاء أن يعودوا بالذاكرة إلى الوراء ليروا كيف تم دس هذه الديمقراطية فيهم بتدرج، إذ لم تترك للإختيار بل فرضت بما تعني الكلمة من معنى، وتعرض كل من يرفضها أو يخالفها من الحكام والعوام للإنتقاد، بل وللقصف أحيانا (كمعمر القذافي رحمه الله) ! وتم الترويج له كدكتاتوري وشيطان مريد، وتم الترويج للديمقراطية كبلسم شافي مخلص من كل المشاكل، هي التي أوقعت مصر وتونس وسوريا وليبيا فيما نراه اليوم من دمار !
إن الديمقراطية اليوم أصبحت دينا في أعناق العقلاء فما بالك بالسفهاء ! وللبعض عندنا مقالات كالمسلسلات المكسيكية موجودة في مواقعنا، يتحدثون فيها بأسلوب الدعاة إلى الله وملائكته ورسله، جاعلين عناوينها: "للإصلاح كلمة تتعلق ب..... !!
وآخرون" يختتمون مقالاتهم الديمقراطية بحفظ الله بلدنا !! أو "لقد نصحت لكم وإني لمن الناصحين"، ولا يعلم السياسي الوسطي المسكين أنه من الطالحين !
أصبح الجميع يسبحون بحمد الديمقراطية بدء بالرئيس وانتهاء بالبواب الغير تعيس !
الديمقراطية التي أقل ما يقال فيها أنها فكر أجنبي دخيل لا يمكن أبدا تطبيقه بحذافيره في بلاد الإسلام التي تتبع منهج الرب وحده، ولدى أهلها ثوابتهم الشرعية التي تقوم على شرع ربهم الذي خط لهم من أجل إقامة حياتهم وآخرتهم، لا هؤلاء النصارى الذين يحاربون الإسلام منذ عهوده الأولى وحتى اليوم زاعمين أن الإسلام هو الذي يعتدي عليهم، وتأمل في زعمهم الحالي حول داعش التي يكذبون بها على شعوب العالم كله بل وعلى المسلمين من أجل القضاء على الإسلام، والتي لم تتحرك دولة إسلامية واحدة لبيان بطلان أكذوبتها الواضحة، على الأقل من خلال نشر مكثف لقنوات إسلامية باللغة الإنجليزية (ولغات الكفار) تبين الإسلام الحقيقي البعيد من البدع والتدعش، للناس، وتستقطب تعاطفهم بدل ترك المجال للأكاذيب المخابراتية الماسونية التي تستقطب نقمتهم على المسلمين، ولكن لا، لم نر إلا قنوات المسلسلات والأفلام والرقص والفجور، والأخبار والحوارات العلمانية التي لا تسمن من جوع، وقناة الخنزيرة التي خربت العالم العربي، أما القنوات الموجهة لغزو الكفار بالمنطق والدليل وهما ما لا يعدمه المسلمون أبدا، فشبه معدومة، وأعتقد ان هذا هو خطأ دول الخليج بل حكام المسلمين كلهم، الأكبر، وخصوصا السعودية، لأنه كان بإمكانها أن تقوم بذلك الغزو الإعلامي لتوفرها على المال، ويا ليتها قامت به، إذن لعرف كثير من أولئك الديمقراطيون في العالم الغربي ما هو الإسلام الصحيح، ولربما عرفوا أيضا أن حكوماتهم الفاجرة التي يحكمها الصهاينة تكذب عليهم من أجل الفتك بالمسلمين.
المسلمون أيضا لديهم أخلاقهم التي تتناقض مع أخلاق الديمقراطية المنحطة كصيانة النساء ومحاربة الفسق والفجور والضرب بيد من حديد على كل سفيه تسول له نفسه الخروج في مظاهرة على أهل الشوكة مهددا بذلك تماسك بنيان الدولة، وفي الماضي كان الثائر الطامع يخرج إلى البراري والقفار، ويحارب أمراء المسلمين فينتصر عليهم أو العكس، أما اليوم فالثائر المعارض الديمقراطي الإخواني الحقوقي الشبابي العاطل عن العمل، يخرج إلى الشارع بجيش من البسطاء الذين غرهم بشعاراته الزائفة المبنية على الديمقراطية، ويحاصر القصر الرئاسي !!
وفي التاريخ قصة الأمير الأندلسي "الحكم الربضي"، وفيها ألف عبرة لمن يعتبر، وملخصها أن أحد جنود الأمير في العاصمة قرطبة، خرج إلى حداد من أهل الربض (الربض: ضاحية المدينة) وكان حيا عظيما في جنوب العاصمة نما بعد إصلاح جسر روماني قديم يفصلها بواسطة نهر عن جانبها الآخر، وكان سكانه كثر وهم أهل حرف وصناعات مهرة، ويقع أيضا بقرب قصر الإمارة، فاختلف الجندي مع الحداد، فسب الحداد الجندي، فطعنه الجندي بسيفه فقتله، فثار سكان الربض على الجندي وقتلوه، ثم ازدادت حدة نقمهم على الحكم الذي كانوا يكرهونه، وانطلقوا مسرعين في مظاهرة حاشدة يريدون ذبحه في قصره، وحاصروا القصر من كل جانب. وأقبل الخادم على الأمير يحذره منهم، فأمره بتقديم "الغالية" وهي عطر ثمين، فاستغرب، وكان يعتقد أنه سيطلب درعه وسيفه، وقدمها له، فصبها على رأسه وقال "اليوم يُعرف رأس الحكم من رأس غيره!" في إشارة إلى تصميمه على مقاتلة المتظاهرين، وأمر قائده بحفظ القصر بكل ما أوتي من قوة، لحين تنفيذ خطته، وسرب أحد قادته في خفية إلى الربض، وكان حيا عظيما، وأمره بإحراقه عن آخره، ولما رأى المتظاهرون النار تلتهم ممتلكاتهم أسرعوا بالعودة لنجدة أسرهم وإنقاذ أموالهم، وهنالك اعترضهم الجنود فوقعوا بين فكي كماشة، جنود القصر وجند الربض، وقتلوا عن آخرهم، أما المتبقي من سكان الربض فقد نفاهم "الحكم" من الأندلس، فكان جزء منهم أصل حضارة مدينة فاس الأندلسية في المغرب، واحتل بعضهم جزيرة كريت البيزنطية فكان ثغرا للجهاد متقدما يحول بين مهاجمة الروم لبقية بلدان المسلمين، ويغير في نفس الوقت على ممتلكات الإمبراطورية القريبة منه.
أعرف أنك كديمقراطي ستصيح مستنكرا "ولكن، هذا دكتاتوري لعين!" ؟! ولكن فكر في أوامر الله تعالى بطاعة الحاكم التي فيها صلاح الرعية وإن قتل وفجر إلا أن يكفر ؟ ألا ترى أن قتل القذافي رحمه الله أو سجنه لرجل أو لمئة من منافسيه على حكمه (وكل المعارضين منافسين على الحكم، لا مشاركين وكفى باسمهم "معارضين" دليلا على ذلك)، خير من الخروج عليه وتدمير ليبيا كلها كما هو واقع الآن، ويبدو أن حكامنا لا يقرؤون التاريخ مثلنا، وإلا لكان مبارك فعل بالخارجين عليه ما فعله الحكم بالربضيين، وسيكون مصيره إلى ربه، سيتخاصم بين يديه مع كل الخارجين عليه، ولا يمكنك بأي حال من الأحوال تبرئة هؤلاء الخارجين من المسؤولية الخروج لأن الله سبحانه وتعالى يأمرهم في آيات قرآنية صريحة بعدم الخروج مهما كان إلا أن يروا كفرا، ولم نسمع بأحد من حكام المسلمين أعلن كفره !!
ومن المعروف أن الخوارج هم أول وأبغض طائفة من أهل البدع خرجت على المنهج الإسلامي الصحيح، وما هؤلاء الدواعش إلا نتاجا لخوارج هذا الزمن وهم الإخوان (راجع تعريف الخوارج وقارنه بالفكر العفن الموجود عند الإخوان، وتأكد من إخوانية أسامة بن لادن والظواهري والبغدادي الحالي من خلال اليوتيوب فالأدلة موجودة).
وبالمناسبة أليست تركيا الإخوانية أخبر منكم في الديمقراطية وأطمع في الإنضمام إلى جنة أوروبا ؟ لماذا يتعامل أردوجان بكل صرامة مع هؤلاء الخوارج الإنقلابيين الذين كانوا سيذبحونه من أجل السيطرة على الحكم ؟ الجواب: لأنه يعلم أن الديمقراطية وحقوق الحيوان المعتدي  التي يروج لها إبليس النصارى، مجرد شعارات يرفعها أولئك الغربيون الفجرة القتلة  ليكذبوا بها على أنفسهم وعلى العالم، لذا تراه يضع خطا أحمرا أمام كل من تسول له نفسه أن يخرج على الدولة، وبهذا وحده ستطول مدته إن قدر له الله ذلك، ما أقل فائدته.. 
الديمقراطية هي الوسطية بعينها، فمبادئها تعكس الوسطية التي تتبعها الأحزاب وجماعة الإخوان الديمقراطيين الذين يلعبون في السياسة بإسم الإسلام هم وسلفيو الديمقراطية الذين يتكسبون مثلهم من هذه الألاعيب التي ستكون ضحيتها كل دول المسلمين، وفي السابق كنا نرى من يحرم العمل بالديمقراطية من علماء ودعاة المسلمين، أما اليوم فلا نرى منهم إلا ذوبانا في أهدابها، وركوعا لها، وتضحية بمبادئ الإسلام الأساسية وأولها "الحكم للإسلام" ب"الحكم للشعب"، وانظر ماذا فعل الشعب الذي معظمه جهلة وسذج، لقد لعب به أهل المكر والمال ووجهوه حيث يشاؤون، بل وأخرجوه إلى الشارع من أجل مقاتلة الجنود وإسقاط دول المسلمين في زمن لم تعد فيه حرمة للحاكم المسكين الذي هو صمام الأمان للمجتمعات مهما كان، وأكرر مهما كان !!
الديمقراطية هي الوسطية في قبول الآخر على ما فيه من معائب ! فالإخوان مثلا لا يجدون حرجا في وضع أيديهم في أيدي الملحدين والشيعة وكل أهالي البدع أمثالهم (والأمثلة أكثر من ان تحصى، انظر تعاطفهم في بلدنا مع كل حقوقي مارق وإن حرق كتب الإسلام، وانظر مآدبهم المقامة ليل نهار في سفارة الشيعة الإيرانية، وانظر وانظر)، أما غيرهم من القوميين (الذين أعجب من تحجر رؤوسهم على فكر سخيف مبني على تقديس زعماء عرب تم ذبح معظمهم، ولم يبن على "قال الله وقال رسوله"!).
ولو كان فيهم رجل رشيد يقول: يا إخواني الشياطين، تريثوا، لم لا نعدل بعض مواد الديمقراطية قليلا لتكون تبعا لديننا لا العكس ؟ لقلنا لا بأس، ولكن أبدا، ذلك خط أحمر لأن امريكا المقدسة ستغضب، أما غضب رب العالمين فلا يهمهم في شيء، ومنهم من يصلي في المسجد ويطمع في الجنة، هدانا الله وإياه !
الوسطية هي قبول المخنثين والسفهاء والعاريات الكاسيات !
الوسطية هي حصر الدين في البيوت والمساجد بدل طاعة الرب في جعله منهج حياة !
الوسطية هي قبول هذه الإذاعات الماسونية التي تحدثنا بالعربية عن الزواج المثلي، وانصار المسيح من المسيحيين، وهل نوافق أو نعارض حكم بلداننا بالشريعة الإسلامية المتخلفة في نظرهم !!
إن كل من ينادي بهذه الوسطية يهز وسطه بين المخمورين الصليبيين الذين يطبلون له ضاحكين مدخنين، وسيذبحونه في يوم من الأيام على أرضه، لن يرضون عنه إلا إذا اتبع ملتهم وترك الإسلام، وأنا على يقين أن بعض الإعلاميين والليبراليين والملحدين في مصر وغيرها، قد اتبعوا تلك الملة منذ زمن بعيد !!
يتبع في الجزء الثاني والأخير
 

21. نوفمبر 2016 - 23:06

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا