أطار: عين على الزيارة! / د. دداه محمد الأمين الهادي

 أكدت مصادر أطار المتعددة أن أطر المبادرات المنتشرة انتشار النار في الهشيم لم تحشد للزيارة، بل تدثرت بوجوه الغرباء على المدينة، الذين تقاطروا من كل حدب وصوب، وهذا ما يعكس أن المتكلمين في لقاء الأطر كان معظمهم من خارج المقاطعة، ويعذر الكثيرون في ذلك إن كانوا آدراريين، لأن الزيارة 

على العموم لآدرار، لكنهم في ذات السياق لا يعذر معظمهم لأن الرئيس سيزور باقي مقاطعات آدرار، وحينها سيسكب أهلها ما في جعبتهم، فالرئيس قادم إلى شنقيط وأوجفت، وبعد حين ستحل جحافله بوادان في مهرجان المدن القديمة، وكان الأولى بالمنبرين للخطابة أن يتركوا لأطار حرية التعبير والرأي في مناسبة لا تتكرر كثيرا.
       المبادرات الأهلية في أطار تجاهلت معظم الأطر والمثقفين، وقامت بالتسويف في مواجهة مطالبهم المتكررة بالإشراك والمشاركة، رافضة فكرة دعم الشباب، ضاربة بها الجدار، أما الحوار الذي تنبني عليه الحياة السياسية، فقد عزفت المبادرات عنه أيضا، مفضلة وضع الأصابع بالآذان.
       وعلى أية حال فقد كشفت الزيارة عن حقائق مذهلة، موجودة وثابتة، وتم التعبير عنها بسلاسة وانسيابية، فآدرار تئن تحت وطأة الفقر والجوع والمرض، ولم يبق لها شيء من الصبر، تدثر به وجهها أمام صاحب الفخامة الزائر، ولذا مثلت مداخلة خدجة بنت اكليب البلسم الشافي لجراح العطشى للموضوعية والشفافية، فنطقت الجوهر المكنون، فأطار جوهرة الشمال تعاني العطش، وهي صادية تماما، ويشرب أهلها كدرا وطينا، وملحا أجاجا، وهو ما ينعكس سلبا على صحة ساكنتها، التي تتخبط في المشاكل، حيث تردي الأوضاع على كل المستويات، وحيث موسم الهجرة من الشمال في أشده.
      زيارة آدرار كانت مهمة ليرى الموريتانيون، الذين يعتقدون بوجود خصوصية في الاهتمام بآدرار بعلاقته القوية بالقصر، أن آدرار لا يمتاز بشيء عن باقي موريتانيا الأعماق، وإذا كان الحال في أطار بالسوء الذي بدا واضحا من مداخلات المشاركين في لقاء الأطر بالرئيس، فإن زيارة انتيركنت ستبين للعيون الكثير من خفايا مسكوت عنها، فما يوجد في قوادم أوجفت النائية عن قلبه ينم عن مأساة حقيقية، تطلى بين الفينة والأخرى بأوجه القادمين مع رياح الزياة، الذين يخفون بؤس الداخل الموريتاني بغلاف العاصمة.
      لقد أثارت المطالبة بالمأمورية الثالثة كامن الشجن، فتعالت هتافات مناوئة للطرح، وضج المكان، ويعكس طرح المأمورية تناقضا صارخا مع إرادة راسخة لدى القيادة بالرحيل، ذلك الرحيل الذي تحدث عنه الرئيس بنفسه، واعتبره السفير الأمريكي عملا غير مسبوق، لكن الساسة والعامة لا يزالون يندفعون في الحديث عن مأمورية أخرى، ويوحون للشعب بفكرة مفادها عدم الإيمان بواقع التخلي عن السلطة، المراد من قبل القيادة الوطنية.
       مناوئو المأمورية الثالثة انطلقوا في العالم من أمريكا إلى أوروبا، مدعومين بملفات حقوق الإنسان، لكأنهم يريدون –ولا مانع من هذا الفهم-تدخلا عسكريا ينهي قضية المأمورية، في حين يرى المحللون غير المنحازين للسلطة بأن زيارات الداخل هي التي تدفع للمأمورية الثالثة، حيث أن الجماهير –تريد فعلا-دفع الرجل للترشح ثالثة، والبقاء في السلطة، كما حدث مع جمال عبد الناصر بعد النكسة.
       الرئيس بصفته أحد المحنكين سياسيا فإنه بالضرورة لا يصدق دعاة المأمورية، وهو ينظر للأمور من منظور المتبصر بحب الموريتانيين للرئيس أيا كان، فالجالس على الكرسي أيا كان فهو معبود جماهيري، والساقط من الكرسي في أحسن الأحوال هو النسي المنسي، والمشكلة الراهنة اليوم تكمن في وجود مناوئين للنظام يريدون جر بعض رموزه للمحاكم الدولية، وقد تحركت فعلا جحافل من منظمات وأحزاب في الخارج لتضييق الخناق على النظام، معللة مطالبها بكون البلاد مختطفة، ولا أحد يعرف الرؤية الأوروبية والأمريكية لطبيعة المصير.
       المرابطون في عين المكان بزيارة أطار، سرب بعضهم معلومات غريبة، بأن بعض رجال الأعمال تلقوا تهديدات قوية من رجل الأعمال المغترب المعارض القوي محمد بوعماتو، الذي لم يرقه موقف المطالبة بالبقاء في السلطة، واعتبره تزلفا سيعاقب أصحابه في الوقت. بماذا؟ وكيف؟ ... لا أدري.
       ويمكن الحديث عن رئيسين في أطار لأول مرة، فمن قبل حدثت في نواكشوط أيام كانت مشكلة الرئيس محمد عبد العزيز، والرئيس سيدي الشيخ عبد الله في أشدها، أما اليوم فهي تحدث بشكل ملفت وغريب، حيث أن شائعة قوية ترى في رئيس الحزب سيد محمد محم خلفا للرئيس الحالي، وهو ما انعكس في نمط الاستقبالات الرئاسية للرجلين، علما أن رئاسة ولد محم شائعة متداولة في مشارق البلاد ومغاربها، وأغلب الظن أنها لا تتعدى ذلك إلا لتسبب لرئيس الاتحاد متاعبا هو في غنى عنها.
       يذكر أن آدرار يعاني من شح في الأطر، ومن قلة التعيينات، ومن تحاسد وتباغض قويين بين الأعيان والأطر، وبخاصة في أطار وأوجفت، حيث تسيطر بعض المجموعات التي تسعى جاهدة لوأد طموح الطامحين من أبناء عمومتهم، فقد تجد مسؤولا بمثابة الأجرب، يحضر الزيارة متفردا بذاته، هاربا من ذويه وأقاربه وأسرته، لعلة حرصه على أن يظل صاحب الحل والعقد في فصيلته، مناقضا سنة الحياة في التشارك والاتحاد.
        ويصفتي مواطنا أطاريا أوجفتيا فإني أثمن الزيارة، والفت انتباه الرئيس إلى أن شباب المقاطعتين مهمش إلى أبعد الحدود، وهذا بسبب الأطر الحاسدين الحاقدين، وبسبب الاقصاء الممنهج الذي سقطت فيه الدولة بدراية وعلم، وبغيرهما، ونحن ندعو القيادة إلى إعادة النظر في قضية التهميش المشار له، فإذا كان سببه وسطاء السوء –وهم في كل عائلة وأسرة وقبيلة- فيجب إبعاد وعصيان الوسطاء، وإذا كان سببه المواقف السياسية والآراء، فأنتم ناديتم مرارا بحرية الرأي والتعبير، ولا يعقل أن يشكلا عائقا في وجه الشباب الطامح في عصر أعلنتموه عصر حقوق.
       وفي المحصلة فإن ثمة نقاط مهمة تتكشف:
- الزيارات مهمة للمكاشفة والمصارحة، لكن لا بد من النأي بها عن اللوبيات، والطابور الخامس، الذي يريد للرئيس أن لا يسمع صوت المواطن المبحوح، ويمنع المواطن العادي من الكلام، في حين يمنحه لجماعة خاصة، تتكلم أينما حل الرئيس وارتحل؛
- المبادرات على كثرتها منبتة عن الجماهير، فلا تعمل إلا بفترة الزيارة الرئاسية، فهي وليدة الزيارة، وتتواءم معها وجودا وعدما.
- لا بد من تفعيل الرقابة على المشاريع، وإلا فإنكم سيادة الرئيس ستتفاجؤون حتما بالبون الشاسع بين المنجز في الواقع، وبين ما تريدون إنجازه، فالفرق بين الإثنين يذهب لسماسرة المتاجرة بالوطن من المفسدين.
- أن معظم الأحزاب مشهدي، وغير موجود، ويرتكز –كما يلاحظ من خلال الزيارات- على الشائعات، والتعاملات الكيدية دون وجود حقيقي في الساحة.

 

 

28. نوفمبر 2016 - 10:10

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا