للإصلاح كلمة تتعلق بحداد اللغة العربية الدائم عند كل عيد استـقلال / محمدو بن البار

كلمة الإصلاح كعادتها في كل سنة تدعوا كل موريتاني وطني في كل عيد استـقلال لحضور تعرية اللغة العربية أمام مواطنيها الموريتانيـين ساعة نزعها للباس حدادها السنوي لا للاستراحة منه ولكن لتجديد لونه الذي يزداد كل سنة سوادا على سواد فهو الآن أسود مربادا نتيجة قرارات المسؤولين في وطنها 

  فـلونها كقـلب الفاسق الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه(لا يعرف معروفا) من قضية وجوب تعـلم هذه اللغة (ولا ينـكر منـكرا ) من إزالة اهانـتها إلا ما أشرب من هواه من كتابه رطانة لمواطنيه يتيـقن أنها هي لغة المستعمر الذي يشتمه هذه الأيام وبوصفه بالشيطنة والاستـعمار ومع ذلك لا يصدر من مكتبه إلا ما هو مكـتوب على الشمال على قاعـدة ضرب المثـل الموريتاني ( مكرهن بـيـك يا شيخ امحل عند لبن نعاجك ) .
إن هذه التعـرية التي تحدث للغة العربية كل عيد استـقلال من نزع لباس الحداد لتجديده بأسود منه ففي نفس الوقت تـنزع بذلك الوطنية والشهامة والرجولة من قـلب المسؤولين في هذا الوطن لتحل محلها الغـش والخور وضعف الإرادة إلى آخر النعوت المميـتة للإنسان وهو حي .
والله إن هذه السنة لكانت فرصة للمواطنين الذين يطالبون دوما بعدم دفـن هذه اللغة وهي حية في وطنها في تعرية وكشف سوآت المسؤولين الموريتانيـين الواقـفين ـ بالقامات القصيرة في قضية اللغة العربية ـ على قمة أخذ القرار في موريتانيا ـ إبان انـعقاد الجامعة العربية ليذهبوا بأولئـك القادة العرب ليطـلعوهم أن إدارة هؤلاء القادة عـندنا لا تمت إلي العروبة  وإلى لغـتها بصلة وسيجد أولئك القادة العرب أن أكبر غـش وأطوله تاريخيا هو ما يقوم به المسؤولون الموريتانيـون لأمتهم ولوطنهم من تاريخ أول سنة للاستـقلال إلى سنة 2016 سنة انعـقاد هذه القمة .
فمن المعلوم أن الانضمام للجامعة العربية شرطه استعمال هذه اللغة في الدوائر الرسمية والعمل بها رسميا وكتابة ذلك في الدستور .
وإن أكبر فضيحة أيضا للموريتانيـين وأكثر غشا هي كتابتها في الدستور المقروء للعالم وعدم رؤية المواطنين لمضمون هذا المقروء في الدوائر الرسمية .
فهذه إهانة محلية للمواطنين الذين يرون النص مكتوبا ولا وجود لمضمونه في الدوائر الحكومية وهو لا معنى له إلا بكتابته فيها وهي أيضا مغالطة للمواطن العربي الذي يظن أن هذه الدولة التي تصف نفسها شعبـيا بأنها مليون شـاعر فهي مليون مغشوش عليه في قضية كتابة اللغة الفرنسية في الدوائر الحكومية وإبعاده للغة العربية عن هذه الدوائر .
ومن المضحك المبكي والمفارقات والمتـناقضات هذه السنة 2016 أن السلطة التـنفيذية وكأنها تـنـتفض ضد الاستعمار وتحيـي من مقاومة الوطنيـين له ــ تـقرر وزارة التعليم أن أساتـذة اللغة العربية غير معنيـين بالاكتتاب في هذه السنة وأن عليهم أن يقبعوا هم وشهاداتهم داخل دهاليز الحرمان والإبعاد عن تعليم بني جـلدتهم بلغة دينهم وآبائهم ، وكأن مادة العلوم والتـقنيات لا تستوعبها إلا لغة هذا المستعمر . فـتعالوا معي لنقرأ هذه الآيات هل موضوعها علمي أو أدبي يقول تعالى(( ألم تر أن الله يزجي سحابا ثم يؤلف بـينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد )) وقوله تعالى (( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلـكه ينابـيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مخـتـلفا ألوانه ثم يهيج فتريه مصفرا  ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولى الألباب ))
إن هذا المستعمر الغاشم الذي أهلك العباد والبلاد ونقوم هذه الأيام  بإحياء جهاد أوائـلنا الأبرار الأخيار ونـذكر شهادتهم تحت فوهة بنادقهم ونذكر مقاطعة آبائـنا الكرام لثـقافـته وفي نفس الوقت نحن نطرد أبناءنا الممتـلئين من ثـقافة تلك المقاومة ونـقرب الممتـلئين ثـقافيا بلغة ذلك المستعمر القائل لآباء وأجداد هذا الشعب الأبي ، تـلك اللغة التي هي أقـل استعمال في اللغات الحية في العالم لأنها لا يتـكلم بها إلا المستعمر نفسه والدول التي استعمرها التي لا لغة لها مكتوبة ، ومن أسوأ ما أورثوه لنا مسؤولينا من أول رئيس (1960) إلى الرئيس الحالي سنة 2016 هو تحنيط إدارتـنا للغة هذا المستعمر البغيض حتى في رسائلها الصادرة والواردة منها وإليها .
إلا أن الرئيس الأول كان على طريق التعريـب وهذا الرئيس يترك وزارة التعليم تجدد طريق العودة إلى التـفرنس.
فمن عند الكاتب الخاص والكتابة العامة إلى المدير والأمين العام وحتى إلى السيد الوزير نفسه الجميع تجدهم من أصحاب الشمال حتى ولو كانو جميعا لا يكادون يفقهون قولا من الفرنسية إلا بقـدر تلطيخ الأوراق بها بكتابتها بأسلوب لو رآه المستعمر لمات غيظا على ركاكة وتميـيع  مستعمره للغـته .
ومن شاء أن يتـيقن من هذه المعلومة  الخطيرة فـليذهب إلى الكتابة العامة التـنمية والمالية ووزارة المياه ووزارة المعادن الخ ، ومن هناك يذهب إلى الإدارات العربية التي عربها بعض الرؤساء الوطنيين مثـل وزارة الشؤون الإسلامية وقصر العـدالة .
فهاتان الإدارتان عندهما السجلات العربية النظيفة شكلا ومضمونا وتـشمل تسجيل الرسائل الصادرة والواردة والمستعجلة والقرارات إلى آخره .
ونظرا إلى التـباين الواضح في الإدارات وكتابـتها على اليمين أو الشمال فنحن دولة واحدة وتحكمها سلطة واحدة ، وإذا قام تمرد أو عصيان على التعريب فعـند السلطة التـنفيذية من القوة ما يردع ذلك التمرد الغير الوطني الذي يعارض استكمال هذا الاستـقلال .
فمن المبكي غير المضحك بل يقـتـل غما أنه في السنين الماضية عندما تشجع الوزير الأول السابق وأصدر أمرا خجولا بتعريب الإدارة طار شعاع من عدم الوطنية وأحرق ذلك الأمر في مهده وكأنه سرقة ضبط صاحبها متـلبس بجريمة فلم يستطيع ذلك الوزير الأول الدفاع لا عن أوامره ولا عن لغة شعبه ودينه بـل استسلم استسلاما غير موروث من أوائـله  .
وهذا الشعاع لم يطر من شريحة واحدة بل طار من كل من لا يزن السيادة بميزانها العادل فاستسلم الجميع لبقاء اللغة الفرنسية في حضانة الإدارة الوطنية التي لا أصل لها ولا فرع في هذا الوطن .
وإنه كان أضعف الإيمان عـند ذلك الوزير أن يقول لكل من يستطيع قراءة اللغة العربية أن عليه أن لا يصدر شيئا من مكتبه إلا باللغة العربية ، فالكتاب هم المحررون لجميع الكتابة في الإدارة فإذا كان الوزير أو المدير يفهم اللغة العربية فليوقع على أوامره المكتوبة له بلغـته العربية ، وإذا كان لا يفهم اللغة العربية فـليرخص له بالكتابة بالفرنسية في إدارته للأشياء التي لا تعني السيادة ، وبإذن الله سوف يكون هذا الصنف من الناس أقـلية قـليلة من مواطني هذا البـلد وليس بعد هذا من الوطنية حبة خردل.
ولا أظن بعد هذا الترخيص أن يعترض أي مواطن على هذا الإجراء المنسجم مع الدستور والواقع الديمقراطي إلى آخره .
وإنه من العجب الغريب أن قضية انـتهاك الإدارة وتـفرنسها من طرف الوزراء وأعوانهم لم يسأل عنه البرلمان أي وزير وإن أقوى سبـب لعدم المساءلة هذه هو أن هذا البرلمان الحالي هو إما من الأغلبـية وأولئـك مفعول بهم وإما من أحزاب أصحابها أشربوا حب اللغة الفرنسية حتى ولو في قطاعهم الداخلي ومؤتمراتهم ولو كان ذلك على حساب مواطنيهم ومنـتـسبـيهم
وهذه الجريمة المستمرة وهي كتابة الوثائق التي تعني سيادة هذا البـلد مثـل القوانين والمراسيم والقرارات  باللغة الفرنسية كان من المفروض مناقشـته في الحوار الشامل الذي قيم به مؤخرا ، فقضية اللغة العربية واستعمالها في المكاتب وتعلمها في المدارس حان الحين أن يعقد له حوار خاص به حتى  يعرف الموريتانيون هل عندهم لغة رسمية؟ وما معنى رسميتها؟ وماذا يعطيها دستور كتابتها من الحضور في الدوائر الحكومية ؟ وهل هناك وثائق لا يمكن إصدارها إلا بها؟ أو لا  خصوصية لأي وثيقة بلغة خاصة تصدر بها .
فإن هذا الاستهزاء المستمر للغة العربية عند المسؤولين الموريتانيـين جعل الشاب الموريتاني لا يعرف هوية الدولة التي ينـتـمي إليها فكل عـقد من الزمن تضيع دراسة ذلك الشباب في ذلك العقد .
وهذا التذبذب جاء مع الحكم العسكري ومازال يعيش معه  حتى الآن .
فالعقد الأول من الاستـقلال كانت الدراسة أكثر بالفرنسية ، وعند ما جاء الحكم العسكري في آخر العقد الثاني انفصل التعليم وأصبحنا دولتين إحداهما شبابها يدرس باللغة العربية والآخر يدرس شبابها باللغة الفرنسية ، وبما أن جـل شباب الدولة من الناطقين بالعربية سليقة أصبح أولئـك المعلمون والأساتذة باللغة الفرنسية عاطلين عن العمل .
وعندما درس ذلك الشباب عـقدين من الزمن وتـخرج من الكليات ومن جميع شعـب التعليم الأدبي والعلمي التـقني والرياضيات إلى آخره انـقـلب أيضا العسكريون على ثـقافة هذا الجيل العربي ورد الشباب الموريتاني إلى دراسة الفرنسية مرة أخرى في الشعب العلمية  فأصبح شباب العقدين الماضين عاطل عن العمل ، وآخر جريمة دستورية عـلنية هو إعلان وزارة التهذيب أنها لا تستـخدم العربية مطلقا سواء كانوا عـلميـين أو أدبـيـين لأن العلميـين لا يعرفون تدريس العلوم العلمية إلا بالعربية  والمطلوب الآن تدريسها بالفرنسية .
وهكذا فكان أجدر بالحوار الوطني الشامل أن يطرح قضية اللغة العربية في موريتانيا بعد 56سنة من الاستـقلال وبعد انعقاد الجامعة العربية في عاصمة موريتانيا وأثـناء ترأس رئيس موريتانيا الجامعة العربية.
فإذا كان النـشيد يراد تـغيـيره لأن موضوع كلماته لا تذكر الشعب ولا المقاومة ،فإنه والله لمن غير المناسب أن تـكون دولة عربية تستعمل في مكاتبها لغة أجنبـية مدة طول 56 سنة ومازالت هذه الجريمة المستمرة فيها ، فهذا هو عدم المناسب حقيقة .
ومن المفارقات أن جميع هذه المدة فإن الفرنسية متـقوقعة على نفسها في الإدارات لا تستهوى أي مواطن خارج الإدارات  .
أما الشعب فمازلت ثـقافته العربية تـقاوم هذا التـفرنس مع هؤلاء المتـفرنسين مثـل ما قاوم آباؤه ثـقافة المستعمر أيام الاستعمار .
فالجرائد والمواقع والندوات والحكايات الشعبـية كل ذلك يشـق طريقه عربيا على أديم تـلك الفرنسية الطاغية داخل المكاتب ضد ما هو مسطور في الدستور .
وفي الختام فإني أطرح هذه الأسئـلة على جميع المدونين وأصحاب المواقع ليجيـبوا عليها :
أولا : هل وجود ترسيم اللغة العربية في الدستور له معنى أو لا معنى له ؟ .
ثانيا : هل الآن معمول في الدوائر الحكومية برسميتها أم لا ؟ وعليه فلماذا لم يسأل  البرلمان الوزير الأول عن ذلك ؟
وأخـيـرا أقول كل عام استـقلال وموريتانيا  دون اللغة العربية بخير  واللغة العربية في حداد  (( وقـل أعملوا فسيرى الله عمـلكم ورسوله والمؤمنون ))      

2. ديسمبر 2016 - 7:57

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا