أيهما أولى.. احترام الدستور أم احترام مصلحة الشعب؟ / إسماعيل ولد الرباني

لنكن واقعيين ونلقي نظرة متفحصة على مسيرة الدولة الموريتانية خلال نحو نصف قرن، منذ استقلالها عن الاستعمار الفرنسي وحتى العام 2008، فما الذي تحقق على صعيد البنى التحتية أولا، ورفاه المجتمع ثانيا، وحرية التعبير ثالثا.

ففي تلك الفترة الطويلة كانت خيرات موريتانيا هي هي، وكان شعبها أقل عددا مما هو عليه اليوم،

 وكانت متطلبات الحياة أبسط من تعقيداتها خلال العشرية الأخيرة، وكان رؤساؤها المتعاقبون من مختلف جهات البلد، ومع ذلك:

ـ على صعيد البنى التحتية:

ظلت المدن الموريتانية، وعلى رأسها العاصمة السياسية نواكشوط والعاصمة الاقتصادية نواذيبو، أشبه ما تكون بحي قروي بلا ماء وبلا كهرباء وبلا طرق.

ظلت محاطة بطوق من البؤس يعرف بالكزرات والكبات، في مشهد يندى له الجبين، ويُخجل أصحاب الضمائر الحية كلما زارنا الغرباء.

ـ على صعيد رفاه المجتمع:

ظل الشعب بائسا فقيرا، يشاهد ممتلكاته دولة بين الأغنياء، ويرى صور بواخر الصيد وقطار نقل الحديد وتقارير استخراج النفط، وكشوفات تحصيل الضرائب... لكنهم يسمعون تلك الجعجعة ولا يرون طحينا.

 

ـ على صعيد حرية التعبير:

ظلت الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال منتهجة ذات الأسلوب فيما يتعلق بحرية التعبير، فكان سجناء الرأي أغلب نزلاء السجون الموريتانية، أما انتهاج نظام ديمقراطي حقيقي غير مزيف فظل بعيد المنال، حتى في ظل الحكومة التي ادعت زورا وبهتانا أنها ديمقراطية.

ولتكون اللوحة أكثر وضوحا، علينا أن نعيد النظر لما أصبح عليه الحال، بعد سنة 2008، من خلال التركيز على الزوايا الثلاث سالفة الذكر.

لقد تحولت مدن البلاد وأريافها إلى ورشات تعمل ليل نهار، فتم شق الطرق الحضرية والوطنية، في حين تمت إزالة أحزمة البؤس والفقر التي كانت تحيط بالمدن وخاصة في العاصمة نواكشوط ومدينة نواذيبو، لتمنح القطع الأرضية لأسر لم تكن تطمع بذلك بسبب إهمال الأنظمة المتعاقبة لحقها في الحصول على مأوى مسجل باسمها، تحفظ فيه كرامتها الانسانية، ويقيها حر الصيف وقر الشتاء بعيدا عن الأخبية وبيوت الصفيح، فشيدت بذلك أحياء كاملة تم تزويدها بكافة مستلزمات الحياة.

وبدل مطار يتيم ومتهالك يقع في وسط العاصمة نواكشوط، تم تشييد مطار جديد بالمقاييس الدولة خارج المدينة، وهو المطار الذي تعهدت كافة الأنظمة المتعاقبة بإنجازه وعجزت عن تجسيده على أرض الواقع، كما تشييد ميناء تانيت، ووضع الحجر الأساس لميناء انجاكو متعدد الوظائف.

وفي مجال الطاقة استثمرت الدولة في بناء المحطات الكهربائية بمختلف أنواعها، التقليدية والشمسية والهوائية، حتى أنها أصبحت تصدر الطاقة لبعض دول الجوار.

وفي مجال توفير المياه، انتقلت مدن نواكشوط ونواذيبو ومدن الحوض الشرقي ومكطع لحجار في لبراكنه... وغيرهم من مدن البلاد، من الوضع الكاريثي والعطش المستمر، إلى وضع يستهلكون فيه ما يردون من ماء صالح للشرب بمجرد لمسة زر.

ففي نواكشوط تمكنت الدولة من إيصال مياه مشروع آفطوط الساحلي إلى كافة أحياء المدينة، وهو المشروع المتعطل منذ عهد الرئيس الأول للبلاد، وفي نواذيبو تم تعزيز مولدات ضخ المياه ببلنوار وتوسيع شبكة الأنابيب، وفي النعمة والمدن التابعة لها تم تمويل وإنجاز مشروع آفطوط الشرقي، وفي مكطع لحجار تم استجلاب المياه من مسافة تزيد على 100 كلم، كما تم حفر عشرات الآبار الارتوازية في أكثر من نقطة عبر البلاد، وبذلك ودع الموريتانيون سنوات العطش إلى غير رجعة.

وفي مجال الصحة، تم بناء وتجهيز المشتشفيات متعددة التخصصات في نواكشوط وعواصم الولايات وفي بعض المقاطعات، كما تم اكتتاب واستجلاب الكفاءات الطبية اللازمة، وعرف مرضى الداخل، لأول مرة في حياتهم، أن هنالك جهاز فحص يسم سكانير، لم يكن يوجد منه غير جهاز واحد متهالك في العاصمة.

وفي مجال التعليم، شيدت المدارس والثانويات، واستحدثت مدارس الامتياز والمعاهد المتخصصة، كما شيد الكليات الجامعية وتم توفير كافة مستلزماتها البشرية والفنية واللوجستية، ولأول مرة في تاريخ البلاد يخصص رئيس الجمهورية سنة للتعليم والتكوين.

أما فيما يتعلق بالحريات الفردية والجماعية، فقد تقدمت موريتانيا على كافة دول المنطقة في حرية الصحافة وحرية التعبير، وخلت سجونها من معتقلي الرأي، وتعمل الأحزاب السياسية والصحافة ومنظمات المجتمع المدني بحرية تامة، وتشهد الساحات المسيرات والوقفات الاحتجاجية والاعتصامات والمهرجانات بكافة أشكالها دون أن تسجل أية مضايقات، ما لم تصل حد تهديد الأمن.

كما شهد البلد انفتاحا غير مسبوق، توجه بحوارات مع المعارضة وأدى بعضها إلى نتائج عززت التجربة الديمقراطية، وتم وضعها على المحك في كافة الاستحقاقات الأخيرة (الرئاسية، البرلمانية، البلدية)، وتم تتويجها بالحوار الوطني الشامل، الذي وضع حلولا لكافة الإشكالات العالقة، وأسس لتثمين المقاومة  وانصاف شهداء الكرامة الذين ضحوا بأرواحهم  دفاعا عن هذا الوطن الغالي وإعادة كتابة تاريخ البلد بأقلام أمينة.

وخلاصة القول أن نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز احترم مصلحة الشعب الموريتاني، وأن احترامه للدستور الحالي الذي يفرض مغادرته السلطة بعد أقل من عامين يتناقض مع الاحترام الأول.

وعليه من الآن فصاعدا أن يفكر مليا، ويختار بين احترام الدستور ومغادرة السلطة، بما في ذلك من مخاطرة بالمكتسبات.. وبين احترام الشعب والبقاء فيها لمواصلة مسيرة البناء والتعمير.. فهما ضدان لا يجتمعان أبدا.

8. ديسمبر 2016 - 16:19

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا