السجن.. تلك المدرسة التي تخرج الثوار والمجرمين ! / سيد محمد ولد أخليل

لا أعتقد أنه يوجد ثائر مناهض للحكومة والجيش والدولة، على مر الأزمان، وخصوصا في تاريخنا الحديث، لم يحمل شعلة التحرير، تحرير الشعوب مما يعتقد هو – بمنظاره المندفع – أنها جرائم الدكتاتوريين والحكام الكفار الفادحة !
كلهم جربوا طعم السجن، وتأثروا بظلامه والحقد الناجم عن عذابه (إن وقع عليهم)،

وكانوا في الوقت الذي يتمتع في الوحش الدكتاتوري الحاكم الكذاب - عدوهم اللدود - بما طاب من الأكل والدفء والمجد والنساء، يعانون من وقع السياط والجوع والبرد والناموس.. والوحدة !
لكنهم لم يكلفوا نفسهم يوما عناء التفكير في المقولة التالية: "من أراد الكرسي لعق الصبر "! أو تحميل أنفسهم المجنونة المندفعة بلا كوابح، المسؤولية !

أعتقد، وهذا مجرد رأي أن الحكومات العربية ترتكب خطأ فادحا بزج أهل الرأي من الإسلاميين والسياسيين وأشباههم في السجون (ولا بديل في الوقت الحالي لذلك، لأن أكثرهم يرتكب الجنح التي يعاقب عليها القانون وأولها جنحة تحريض الناس ضد الدولة ونظامها)، لكن بادئ ذي بدء لنحدد المراد بمصطلح الإسلاميين ومصطلح السياسيين.
المصطلح الأول يطلق على الجماعات المنحرفة عن الصراط المستقيم الذي يهدي للتي هي أقوم، وطبعا السجن مكان لكل المنحرفين وإن لم يخل منه الأبرياء (الذين لا أقصدهم هنا بطبيعة الحال).
ومن أجل فهم أصول هذه الجماعات وكيف ابتلي بها الإسلام القوي العزيز الصامد رغم كل ما يحاك له، علينا مراجعة التاريخ بمنظار ورثة الدين الحقيقيين، وهم ما يسمى ب"السلفية"، ولا تفكر للحظة في أنها ما يسمى "السلفية الجهادية"!، فهؤلاء لا يمثلونها رغم كونهم الأقرب إلى أصولها ، كنبذ البدع والتقيد بضوابط الدين في المظهر، وكثرة تلاوة القرآن، لكنهم للأسف من "الخوارج"، وعندما تعود إلى تعريف الخوارج ستدرك أنه كان من بينهم من تعجب الصحابة من تلاوته وعبادته، ولكنهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" ! (والصحابة هم السلف، ويطلق على من اتبعهم دون غيرهم لفظ السلفية، لأن الصحابة يأخذون عن النبي صلى الله عليه وسلم ويتقيد متبعهم بما صح عنهم دون غيره من قصص الرجال والتجليات والبطولات المشكوك فيها) .
وبالخوارج – إضافة إلى إخوتهم الشيعة المجوس – بدأ التفرق في الأمة، أما السلفية فأسسها واضحة مبنية على الإلتزام بالسنة والجماعة (التزاما كاملا)، فهم في مجال الإلتزام بالجماعة لا يخرجون على حاكم المسلمين، ولا يكفرون من يعاونه من أبناء المسلمين كأفراد الجيش والشرطة !، وتأمل في حال خوارج هذا الزمان تجدهم يكفرون حكام المسلمين وجيوشهم بل كل من رضي عنهم ! انظر إلى رأيهم في حاكم مصر، تجد أن كبار علمائهم يكفرونه رغم أنه يشهد ألا إله إلا الله ويصلى ويصوم ! وإذا كان هذا ما يظهر كما يعتقدون، فما أدراهم بباطنه ؟!
أما السلفية فابحث عن عالم واحد منسوب إليها عبر العالم كله (هنا وفي السعودية على سبيل المثال)، يكفر حاكم مصر أو أي حاكم مسلم غيره، ولن تجد !
لقد ظهر في هذه الجماعات المسماة إسلامية من يستحق السجن بل الإعدام بسبب تعرضه للسلطة الحاكمة سعيا إلى الحكم (وإن كانت الحجة إقامة شرع الله، لكنهم لم يقيموه لما حكموا مصر بل زادوه تهميشا، ونصروا إخوتهم من الشيعة بدعوة رئيسهم ليزور مصر لتكون أول مرة يطأ فيها رئيس إيراني مصر بقدميه ! وطبعا خلف ذلك توافقهم في الرؤى معهم، وسهرات إخوانهم في سفارة إيران الموجودة عندنا – يعطينا خيرها - تشهد بذلك).
فهم خطر على الدول، وبعضهم تسبب في مقتل الأبرياء بسبب تلك النظرية الغبية نظرية التغيير بالقوة التي ألبسوها ثوب الإسلام ليأكلوا الدنيا بالدين والعياذ بالله، والتي جرت على المسلمين الكثير من الويلات اليوم.
إن الحكام قديما وحديثا لا يسجنون إلا من يتعرض لهم، ولا يظلمون إلا من ينافسهم في ملكهم المقدر عليهم إلى حين، ولا يمكنهم بطبيعة الحال السكوت عن مجنون يشبه البوق مفوها مبثوثا في الشوارع وعلى قرون المنابر يحرض العوام على الحاكم والنزول إلى الشوارع واحراق الأخضر واليابس، وقلب الكراسي الذهبية على رؤوس الحكام !
من أجل ذلك رموهم في السجن لأنهم سلكوا سلوك المجرمين، بل إجرامهم أشد من المجرمين العاديين لما يترتب عليه من فتن وخراب، فكان من نتائج ذلك ازدياد حنقهم على الطغاة والظلمة – كما يسمونهم -، واشتعال حسدهم لهم، وهذا هو المنتظر من تربية السجون المعهودة !

لقد كان الأب الروحي لجماعة الإخوان ضمن أول فوج من فتيان الثانوية يتم سجنه في مصر عام 1949 م، حسب شهادته في قناة الخنزيرة القطرية التي لا هم لها إلا دعم المظاهرات واحراق بلدان المسلمين، أنجانا الله من شرها !
وأتذكر هنا عندما كان الفهم مشوشا في بداية هذه الثورات الغبية، كان أكثرنا يرى في إغلاق مكاتب الجزيرة في نواكشوط والقاهرة أكبر ضربة للحرية والحق والإسلام ! لكن تبين فيما بعد أن الرئيس معاوية ومبارك كانا أعقل وأكثر إدراكا للخطر من الشعوب الغافلة، مما يدل على بركة طاعة الحاكم مهما كان (وهو الأمر الذي أمرت به الشريعة) !ٍ
لقد كانت كلمات مثل: الطغاة والظلمة، والجهاد ضد المستبدين، والشهادة في سبيل إقامة شرع الله (وهو عندهم الجلوس على الكرسي كما رأينا في مصر)، تدوي في كل مكان، وحتى اليوم لا يزال من الناس من يغتر بها.
فخرجوا من السجن وهم أكثر إصرارا على الخروج بغضا في الحاكم وفي المسلمين الذين وافقوه – هو وجيشه الكافر - على التعرض لهم وسجنهم رغم طول لحاهم.
ونفس العقدة التي حملها الأب الروحي من السجن والحكام والجيوش الإسلامية موجودة عند غيره كوجدي غنيم وأمثاله، بل هي موجودة عند صاحبنا الذي سجنه معاوية، والذي لا يعرف الواحد اليوم هل هو سلفي أم خارجي أم صوفي أشعري أم إخواني ! أم هو مزيج من كل هذه الفرق !
لقد كان السجن أحد أسباب تمسك هؤلاء الثوار بتلك الثورية الجهادية التي جرت على المسلمين الويلات، ابتداء من القرن الماضي، ونشأت من رحم جماعتها الأم جماعة الإخوان جماعات منشقة منها كالقاعدة وداعش، ولا يزال أكثر الغافلين يتمسكون بشعاراتها الزائفة خصوصا النساء المتحمسات الصادقات اللواتي يلهب حماسهم بعض الدعاة المفوهين الكذبة الذين فضحونا بغبائهم !
أما إخوان الإخوان من الدواعش فهم أكثر صراحة ووضوحا في مجال الخروج، ولو رسخوا حماسهم ورغبة بعضهم الحقيقية في نصرة الإسلام الذي يتعرض للكيد من طرف كل دول العالم (وأسوأ شيء عليه للأسف هم أبناؤه ممثلين في أهل البدع والإلحاد والرفض والخروج)، لكان ذلك أكثر مردودية عليهم وعلى الأمة لأن أكثرهم منابذ للبدع وأهلها، ويملك الشجاعة في مواجهة أهلها بالدليل على عكس أكثر العلماء المتقاعسين عن نصرة الدين، والذين سيسألهم ربهم حتما عن سكوتهم عن هذه البدع المتفشية، وعن خشية للناس أكثر من خشيتهم له !
إن السجن مدرسة خطيرة جدا، أعاذنا الله وإياكم منها. ولابد من البحث عن السبل التي يمكن من خلالها تجنب نتائج التخرج منه، وإخراج الناس منه صالحين بدل إخراجهم وحوشا كاسرة.

أما السياسيون وأشباههم من الجهلة بالدين – على الأقل -، فهم أمة من إنتاج المستعمر (النصارى)، حملوا رايته وحفظوا لغته وسنوا سننه وساروا على خطاه، وحققوا له الآمال التي لم يكن يحلم بها وهو محتل لبلاد المسلمين !
ولكي أوضح وجهة نظري، أقول: هل يعقل أن يكون الإعلام في أكبر بلد عربي (مصر) محتكرا من طرف هؤلاء الذين أعرفهم جيدا من خلال مناظرة بعض أشباههم في بعض برامج الكمبيوتر، هؤلاء الملحدين، والمعترضين على السنة والقرآن، والممجدين لخصال الغرب النافع منها والطالح !
فالزنى ممثلا في فعل الشخص لما يشاء متى شاء (هذه حرية عندهم، وقد بدأت دول في أوروبا في الحد منها من خلال معاقبة الذاهب إلى الزانيات، آخرها فرنسا)، فالزنى أفضل في نظرهم القاصر من الزواج باثنتين أو ثلاث أو أربعة ! وقد يسخر الواحد من تشريع رب العالمين، ويسكت عنه !
كذلك ولاية الزوج على زوجته، خير منها عندهم تساويهما، أو حتى علوها عليه ! وأنى لها ذلك ! المسكينة، كيف تعلو عليه بمثل هذه الأرداف ؟!
والإعتراض على قانون النوع عندنا من أسبابه مثل هذه التجاوزات التي تعطي لقانون بشري الأفضلية على توجيهات رب العالمين، وليس القانون سيئا في مجمله بل أكثر نقاطه حافظة لحق المخلوقة المسكينة المسماة المرأة التي أصبحت فريسة بما تعنيه الكلمة في هذا الزمن ! وما دام التطبيق الفعلي للحدود غير موجود فلن توجد الراحة من الجرائم، لكن لحين تحقيق ذلك لم لا يسنون ما ينفع الناس دون التعرض لما أقره الشرع، أي بإختصار هل وصلتنا موجة الرفض العارمة التي تجتاح النخبة المثقفة التي تتحكم في بلدان المسلمين كلها ! تلك النخبة التي يسمونها سياسيين ومثقفين وأدباء وفلاسفة وفنانون وغير ذلك، وتأمل فقط في الوجه التي تظهر في فرانس 24 وقناة الخنزيرة، واسأل نفسك أيعقل أن يمثل مثل هؤلاء الإسلام أو ينصرونه !
ففي مصر مثلا يتحكم الملاحدة والعلمانيون في كل شيء، وعلى سبيل المثال خذ مجال الثقافة والفن والإعلام، وصناعة السينما تجدها عندهم مرتكزة على قضايا الدعارة والخمور والمجرمين، فالفيلم الذي لا يناقش قصة داعرة تصارع المجتمع لتنجو بامتهان الدعارة، أو بلطجي يسعى لنفع أسرته، أو عالم مسلم يغوص في أوحال السياسة مشوها الإسلام، وهي رواية للعلماني المعروف إبراهيم عيسى، ذلك التنويري الثائر على أسس الإسلام الجاهل به المغرد بالشبهات التي سنها له آباؤه المستشرقون ! أصدر رواية تتضمن فكره الأسود فاحتفت به السينما، ونشرتها في فيلم جديد 2016 !
أما مقال مثل هذا، فقد لا يرى النور إلا في موقعي الشخصي (وقد حدث ذلك لمقالات مشابهة سبقته رغم أن الإخوة المخالفين يزعمون أنهم يكفلون حرية الرأي الآخر، بارك الله فيهم)! ونفس الشيء حصل للقناتين الإسلاميتين الوحيدتين اللتين تتعرضان للفرق والطوائف بقوة ووضح في هذه الأيام، وتفضحان الأفكار الدخيلة على الإسلام (قناة البصيرة وقناة منهاج النبوة المباركتين)، فوجئت اليوم بانهما محجوبتين، في نفس اليوم الذي تحتفي به قناة الجزيرة – اللاإسلامية - بالزعيم الروحي لجماعة الإخوان في برنامج "مقابلة" !
فهل أصبح صوت الحق خافتا إلى هذه الدرجة بسبب تحكم هذه الشرذمة من أهل الجهل والضلال والثقافة العفنة في العالم الإسلامي ؟!
إن الأمة الإسلامية ستظل بخير لسبب بسيط، وهو أن الرعاية الإلهية تحوط العوام المساكين بالبصيرة وبركة الإخلاص والدعاء، أما الشياطين المتمكنين (رؤساء الضلال) فتوغلهم في مجال الإعتراض يحجبهم عن العودة، ولا شيء يعجز الله تعالى، فقد رأينا مقدمين في البدع ورؤساء فيها عادوا إلى الحق رغبة وتوبة، رغم ندرة ذلك (وبالمناسبة أدعوك إلى مشاهدة حلقات الساحر السوداني التائب حامد آدم موسى لترى بنفسك ما لم تكن تتخيله، موجودة على اليوتيوب)، أما الإنسان البسيط الذي لا زال في أول طريق الضلال، فهذا الذي لا يريدونه أن يرى قناة البصيرة، ولا حتى مثل هذا المقال المتواضع جدا مقارنة بكلام العلماء !
وعلى كل حال أرى أن بلدنا ولله الحمد لا يزال متمسكا بدينه بدليل قلة أمثال هؤلاء المنحرفين فينا، وضعف انحراف المنحرفين منهم إن وجدوا، فلن ترى من بينهم ولله الحمد من يعترض على ربه أو يرفض دينه من أساسه بل بالعكس هو أول المدافعين عنه رغم سيره في طريق التحرر والعلمانية بسبب إحاطته بعالم من الملحدين وأهل الشبهات يجرونه نحو الهاوية وهو يقاوم ويقاوم، خصوصا بعد انفتاح العالم على بعضه البعض من خلال هذا الإنترنت الرهيب، والذي أنصح كل رب بيت يستخدم روتر (علبة الإنترنت)  لبث الوايفاي أن يضع الآيبيات IP الخاصة بحجب المواقع الإباحية في الروتر لكي يحفظ كل من يتصل بالإنترنت في منزله من دخولها، ولن يستطيع أي طفل أو بالغ دخول موقع إباحي عبر الهاتف المتصل بتلك الوايفاي.
أما على مستوى حاسوبه الشخصي فيمكن لأي مضاد للفيروسات أن يحجب المواقع الإباحية، فهذه البرامج تحدث نفسها دوريا بإضافة كل جديد في مجال الرذيلة إلى قائمة الحجب لديها (وطرق فعل ذلك متوفرة على الإنترنت، يكفي فقط البحث في جوجل).   
إن بعض المتهمات بمحاباة الغرب أشرف من بعض الملتحين الذين يزعمون أنهم إسلاميون، والذين يتخذون منهن وسيلة للصعود والظهور في بلدنا، حتى أصبح الواحد من أولئك المنافقين الملتحين لا يزعم أنه يدافع عن الرسول صلى الله عليه وسلم إلا إذا ذكر واحدة منهن – أو منهم - بسوء، وشوه سمعتها، ووصل إلى الحد الفاصل بين تكفيره لها وتركها ! فلماذا كل هذا النفاق وحب الدنيا وأكلها بالدين ؟ أبلغ بهم الجوع هذا الحد ؟ لماذا الزعم أنهم يحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم وينصرونه وينصرون الإسلام وهم بهذا الخبث والنفاق والكذب و.. التجارة !
لقد خرج "مساجين الرأي" إلى الشارع وهم متشبثون بآرائهم المنحرفة، وأكثر بغضا وكرها لوجه الحاكم وللجيش والشرطة، فما الذي ننتظره منهم ؟ وكيف نتجنب ذلك الشحن الرهيب الذي يتعرضون له في سجنهم من خلال إعادة برمجتهم، فنأتي للعالم بعالم أكبر منه (وكذلك الجاهل)، نخصص له راتبا مجزيا مقابل الحوار والمناظرة الدائمين طيلة فترة مكوثه في السجن بشرط أن يكون من أهل العقيدة الصحيحة (ولو قبل أهل البدع بالمناظرات لعاد أكثرهم إلى الحق، لكن يأبى الشيطان إلا أن يحول بينهم وبين ذلك محولا القضية إلى ثأر بينهم وبين مخالفهم المسكين، كما لو كان قاتلا لأحد شيوخهم أو آبائهم لا يستطيعون احتمال كلامه !).
فيؤثر ذلك المتخصص الناصح على أولئك الخوارج والحقوقيين طيلة فترة سجنهم، ويبين لهم الدين ويصحح لهم ويدعوهم إلى معاني الإسلام الأصيلة (السلام، الإنقياد، حب الخير لكل الناس حتى الكفار، الإنطلاق من كون الدنيا ليست بدار البقاء وأن الرئاسة قدر من أقدار الله لا تنال بالعنف والإقتحام)، وستؤتي المحاولة أكلها على المدى الطويل بعون الله، إضافة إلى الطرق والوسائل الأخرى التي نقضي بها تماما على ذلك الشر الكامن في تلك النفوس والمتفاقم فيها !

13. يناير 2017 - 12:48

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا