القذافي يُجْهِز على «الديمقراطية والسيادة» بموريتانيا / محمد الحافظ ولد الغابد

محمد الحافظ ولد الغابدأثارت زيارة القذافي لموريتانيا جدلا واسعا حول العديد من الإشكاليات والقضايا السياسية، فقد حرص الزعيم الليبي على إعطاء زيارته أبعادا متعددة، فهو من ناحية يحتفل بمناسبة دينية تثير الكثير من الخلافات كما هو أيضا وسيط مكلف من طرف ست منظمات دولية بالوساطة في النزاع الموريتاني وإيجاد حل توافقي 

يقود لإنهاء الأزمة، كما أثار وجود قوات عسكرية ليبية خاصة لحراسته فضول الموريتانيين الذين اعتبروا أن الزيارة بهذا التصرف وجهت صفعة قوية لمصداقية الجيش والأمن الموريتاني، خصوصا في ظل حكم الجيش الذي يسيطر على مقاليد الأمور في البلاد منذ 6 أغسطس 2008.

حكم الجيش وسيادة تحتضر إن وجود قوات مسلحة ليبية تسيطر على شوارع ومقرات في العاصمة نواكشوط ليس حدثا عاديا مهما كانت خصوصية العقيد القذافي الذي يأتي في هذه الزيارة حاملا معه عدة ألقاب سياسية تخفف حدة الكثير من التحفظات التي تحف بشخص الزعيم الليبي في زيارته لموريتانيا، فهو الرئيس الدوري للاتحاد الإفريقي والوسيط «المزكى دولياً» والمكلف من طرف ست منظمات دولية بإيجاد صيغة توافقية للأزمة الموريتانية. غير أن الجيش الموريتاني سيجد أن وجود الليبيين بسلاحهم في نواكشوط كان خطأ فادحا سمحت به القيادة السياسية لأنه أهان سيادة الدولة الموريتانية ووجه لمصداقية الأمن والجيش ضمنيا اتهامات العجز وضعف المقدرة وهي إيحاءات مسيئة لموريتانيا التي تواجه في أعماق الصحراء هجمات الإرهاب العابر للحدود وعصابات الإجرام المنظم (الهجرة السرية والمخدرات)، والنظام الحاكم حاليا في نواكشوط في غنى عنها، خصوصا أنه يمثل المؤسسة العسكرية ويحكم البلاد باسمها. الوساطة الليبية تخنق أمل الديمقراطية ستندب الديمقراطية الموريتانية حظها لكون أمل استرجاعها يعلق على العقيد القذافي أبرز الشانئين لها والرافضين لتطورها عبر تاريخه الطويل، وقد ظهر ذلك بشكل واضح في الزيارة الأخيرة حيث تحدث الزعيم الليبي للفرقاء الموريتانيين المجتمعين تحت سقف واحد لأول مرة عن أفكاره التي تساوي بين الديمقراطية النيابية والانقلابات العسكرية لأن الديمقراطية النيابية في تحليل العقيد معمر القذافي تحتم انقلابا هرميا مستمرا كل أربع سنوات حيث تنقسم البلاد إلى فريقين كل واحد منهما ينقلب على الثاني في الاقتراع وهو ما يشعل فتيل الصراع السياسي بين المتنافسين، وتسوء الحالة أكثر في البلدان الإفريقية ذات المجتمعات القبلية حيث يتحول الصراع السياسي إلى حرب بين القبائل وهذا ما تظهره العديد من التجارب التي كان من آخرها التجربة الكينية التي اقتتلت فيها القبائل بدوافع الصراع السياسي على السلطة والثروة، وليس بعيدا عن ذلك النموذج الديمقراطي الموريتاني في جانبه السلبي المتعلق بالحنين الدائم لدى المؤسسة العسكرية الموريتانية للانقلابات.. وجلس الرجل يسوق الأدلة على ما يقول مستخدما التاريخ الموريتاني والانقلابات المتكررة باعتبارها دليلاً على أن التربة الموريتانية ترفض هذه النبتة الخبيثة المسماة بـ «الديمقراطية النيابية» أو «الديمقراطية التمثيلية». حديث منطقي ينسجم أكثر مع أفكار «العقيد الانقلابي» ولكنه لا ينسجم بأي حال مع دور الوسيط الذي ينبغي أن يتسم بالحياد في صراع الأطراف المتنازعة.. واعتبر العديدون أن الزعيم الليبي تجاوز حدود اللباقة التي تقتضيها الضيافة وطفق يتحدث بدون حدود متجاوزاً مستوى الوعي الديمقراطي السائد وظهر في بعض الأحيان أنه يسخر من موريتانيا، تاريخها وحاضرها ومستقبلها، مفتقدا الحنكة واللباقة المطلوبة للضيوف، بل تحول في رأي الرافضين لأفكاره إلى خانة «الضيوف الثقلاء» بكل ما تعنيه الكلمة. فموريتانيا مهما كانت فقيرة في نظر الزعيم فإنها راكمت بوعي ذاتي تجربة ديمقراطية منطبعة بخصائصها الذاتية وهي بالقياس لجميع الدول العربية تتمتع بمساحة ديمقراطية قوية وغير قابلة للتراجع وفيها أجزاء كبيرة ليست وافدة بفعل التأثير الخارجي أكثر مما هي كامنة في طبيعة المجتمع البدوي القبلي الصحراوي الذي يلفظ الاستبداد وتنطوي تجربته على كوابح ذاتية في إطار التدافع الداخلي تحول دون ترسيخ الأنظمة الاستبدادية والقمعية مما يعني أن موريتانيا مهما بدت غير مستقرة فإنها برؤية أغلب المتابعين تتجه لترسيخ الدولة والديمقراطية ببطء وتعثر يدركه كل ملاحظ، ولكنها تسير باتجاه الديمقراطية بإصرار وثقة تؤكدها العديد من المؤشرات وهذا ما لم يقرأه الليبيون بالذكاء والتفهم المطلوب منهم باعتبارهم وسطاء لأنهم قايسوا موريتانيا لتجارب بعض البلدان الأخرى دون أن يدركوا الفروق العديدة في التجارب الإفريقية والعربية لأنهم لا يدرسون الظواهر بدقة بقدر ما يلتقطون ما يعضد خطابهم التعبوي التبشيري للتدليل على صحة أفكار القائد «المستهلكة» والتي تثير السخرية في موريتانيا أكثر من كونها تثير الإعجاب. وبالجملة فالزعيم الذي جاء وسيطا في الأزمة رحل على وقع انسحابات المناوئين للانقلاب والرافضين لأفكاره في مشهد لم يألفه القائد في زياراته الإفريقية، وربما تكون هذه أول مرة يواجه فيها العقيد الاحتجاج على أفكاره التي تعوّد أن تنال التصفيق بحرارة في العواصم الإفريقية بعدما لم يعد يطربه تصفيق المؤتمرات الشعبية ببلاده فولى وجهه شطر إفريقيا لكسر رتابة الصدود العربي وجمود الشكل الليبي الذي بدأ يواجه انتقادات مسموعة من داخل «الأسرة المالكة في طرابلس»، فصوت ابنه الذي ارتفع خلال السنوات الأخيرة، وإن خَفَتَ محليا فإنه مسموع دوليا وعربيا، وهو يؤكد فشل النموذج الذي بشّر به الزعيم أربعين عاما دون أن يسجل أي تقدم نموذجي للبلاد والعباد في ليبيا على المستوى الإقليمي أو العالمي سواء بسواء.

17. مارس 2009 - 0:00

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا