من أعظم الوطنيات وأكرم فعل الخيرات و أفضل الطاعات تعدد الزوجات؟! / د.محمد المختار دية الشنقيطي

من أعظم الوطنيات وأكرم فعل الخيرات و أفضل الطاعات تعدد الزوجات؟!...
رسالة إلى النواب؟..
أقول لبرلمان العسكر ونواب الحاكم والحكومة أن هذا الموضوع أولى بالنقاش، وأكثر علاقة وارتباطا وفاعلية بمصالح الشعب ومستقبل العباد والبلاد من تفخيخ السياسة

 واللعب بالدستور والرموز الوطنية، لا أقول المقدسة، ولكن المتعارف عليها عند الناس والمجمع عليها عندهم والمكلف تغيرها أمولا باهظة؟!
قال تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا } سورة النساء، الآية : 3
وقال:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، سورة النساء ، الآية: 65
لقد أباح الإسلام إكراما للمرأة وإنصافا للرجل تعدد الزوجات: فللرجل أن يعدد، فيتزوج بأكثر من واحدة فله أن يتزوج اثنتين، أو ثلاثاً، أو أربعاً، ولا يزيد عن أربع بشرط أن يحقق العدل بينهن في النفقة، والكسوة، والمبيت، وإن اقتصر الزوج على واحدة فله ذلك.
هذا وإن للإسلام في المجال الاجتماعي في التعدد إعجازا علميا وحكماً عظيمة، ومصالح كثيرة لا يدركها إلا الذين استسلموا للإسلام، وفقهو مقاصده وأدركوا الحكمة من تشريعاته، ومما يبرهن على صورة من ذلك الإعجاز في المجال الإنساني والاجتماعي والحكمة من مشروعية التعدد مايلي:
أن الإسلام حرم الزنا، وشدَّد في تحريمه؛ لما فيه من المفاسد العظيمة التي تفوق الحصر والعد، والتي منها: اختلاط الأنساب، وقتل الحياء، والذهاب بالشرف وكرامة الفتاة؛ إذ الزنا يكسوها عاراً لا يقف حده عندها، بل يتعداه إلى أهلها وأقاربها
ومن أضرار الزنا: أن فيه جناية على الجنين الذي يأتي من الزنا؛ حيث يعيش مقطوع النسب، محتقراً ذليلاً.
ومن أضراره: ما ينتج عنه من أمراض نفسية وجسدية يصعب علاجها، بل ربما أودت بحياة الزاني كالسيلان، والزهري، والهربس، والإيدز، وغيرها من الأمراض.
والإسلام حين حرَّم الزنا وشدَّد في تحريمه فتح باباً مشروعاً يجد فيه الإنسان الراحة، والسكن، والطمأنينة ألا وهو الزواج، حيث شرع الزواج، وأباح التعدد فيه وبالشروط والضوابط والالتزامات المعروفة والمحددة.
ولا ريب أن منع التعدد ظلم عظيم مشترك للرجل وللمرأة؛ فمنعه قد يدفع إلى الزنا؛ لأن عدد النساء يفوق عدد الرجال في كل زمان ومكان، ويتجلى ذلك في أيام الحروب؛ فَقَصْر الزواج على واحدة يؤدي إلى بقاء عدد كبير من النساء دون زواج، وذلك يسبب لهن الحرج، والضيق، والتشتت، وربما أدى بهن إلى بيع العرض، وانتشار الزنا، وضياع النسل، فشو أنواع زواج السر كبديل له وبما له من المساوئ والمشكلات التي تضج بها المجامع وساحات المحاكم.
أن الزواج ليس متعة جسدية فحسب: بل فيه الراحة، والسكن، وفيه-أيضاً- نعمة الولد، والولد في الإسلام ليس كغيره في النظم الأرضية؛ إذ لوالديه أعظم الحق عليه؛ فإذا رزقت المرأة أولاداً، وقامت على تربيتهم كانوا قرة عين لها؛ فأيهما أحسن للمرأة: أن تنعم في ظل رجل يحميها، ويحوطها، ويرعاها، وترزق بسببه الأولاد الذين إذا أحسنت تربيتهم وصلحوا كانوا قرة عين لها ؟ أو أن تعيش وحيدة طريدة ترتمي هنا وهناك؟!...
إن نظرة الإسلام عادلة متوازنة: فالإسلام ينظر إلى النساء جميعهن بعدل، والنظرة العادلة تقول بأنه لابد من النظر إلى جميع النساء بعين العدل.
إذا كان الأمر كذلك؛ فما ذنب العوانس اللاتي لا أزواج لهن؟ ولماذا لا يُنظر بعين العطف والشفقة إلى من مات زوجها وهي في مقتبل عمرها؟ ولماذا لا ينظر إلى النساء الكثيرات اللواتي قعدن بدون زواج ولأسباب عديدة؟...
أيهما أفضل للمرأة: أن تنعم في ظل زوج معه زوجة أخرى، فتطمئن نفسها، ويهدأ بالها، وتجد من يرعاها، وترزق بسببه الأولاد، أو أن تقعد بلا زواج البتة.
وأيهما أفضل للمجتمعات: أن يعدد بعض الرجال فيسلم المجتمع من تبعات العنوسة ؟ أو ألا يعدد أحد، فتصطلي المجتمعات بنيران الفساد وحرائق الغرائز؟...
وأيهما أفضل: أن يكون للرجل زوجتان أو ثلاث أو أربع؟ أو أن يكون له زوجة واحدة وعشر عشيقات، أو أكثر أو أقل، وهو ما يرضاه كثير من المجتمع، أو على الأقل يتقاضى عنه، ويقيم الدنيا ولا يقعدها إذا حصل زواج بالتعدد المشروع؟
أن التعدد ليس بالطبع واجباً عنيا في الشرع في أكثر الحالات العادية: فكثير من الأزواج المسلمين لا يعددون؛ فطالما أن المرأة تكفيه، أو أنه غير قادر على العدل فلا حاجة له في التعدد، ولاشيء في دنيا الإسلام يفرضه عليه؟.
أن طبيعة المرأة تختلف عن طبيعة الرجل: وذلك من حيث استعدادها للمعاشرة؛ فهي غير مستعدة للمعاشرة في كل وقت وحين، ففي الدورة الشهرية مانع قد يصل إلى عشرة أيام، أو أسبوعين كل شهر.
وفي النفاس مانع- أيضاً- والغالب فيه أنه أربعون يوماً، والمعاشرة في هاتين الفترتين محظورة شرعاً، لما فيها من الأضرار التي لا تخفى.
وفي حال الحمل قد يضعف استعداد المرأة في معاشرة الزوج، وقد تصاب بأمراض كثيرة تجعلها غير مستعدة وهكذا.
أما الرجل فاستعداده واحد طيلة الشهر، والعام، إذا لم يصب هو الآخر بأمراض؛ فبعض الرجال إذا منع من التعدد قد يؤول به الأمر إلى سلوك غير مشروع.
قد تكون الزوجة عقيماً لا تلد: فيُحْرَمُ الزوج من نعمة الولد، فبدلاً من تطليقها يبقي عليها، ويتزوج بأخرى ولود.
وقد يقال: وإذا كان الزوج عقيماً والزوجة ولوداً؛ فهل للمرأة الحق في الفراق؟.
والجواب: نعم فلها ذلك إن أرادت، قال تعالى:{ولهن مثل الذي عليهن}.
قد تمرض الزوجة مرضاً مزمناً: كالشلل وغيره، فلا تستطيع القيام على خدمة. الزوج؛ فبدلاً من تطليقها يبقي عليها، ويتزوج بأخرى.
قد يكون سلوك الزوجة سيئاً: فقد تكون شرسة، سيئة الخلق لا ترعى حق زوجها؛ فبدلاً من تطليقها يبقي الزوج عليها، ولا يبتلي بها غيره، ويتزوج بأخرى؛ وفاء للزوجة، وحفظاً لحق أهلها، وحرصاً على مصلحة الأولاد من الضياع إن كان له أولاد منها .
أن قدرة الرجل على الإنجاب أوسع بكثير من قدرة المرأة: فالرجل يستطيع الإنجاب إلى ما بعد الستين، بل ربما تعدى المائة وهو في نشاطه وقدرته على الإنجاب
أما المرأة فالغالب أنها تقف عن الإنجاب في حدود الأربعين، أو تزيد عليها قليلاً؛ فمنع التعدد حرمان للأمة من النسل، الذي هي في أمس الحاجة إليه.
أن في الزواج من ثانية راحة للأولى: فالزوجة الأولى ترتاح قليلاً أو كثيراً من أعباء الزوجية؛ إذ يوجد من يعينها ويأخذ عنها نصيباً من أعباء الزوج.
ولهذا، فإن بعض العائلات إذا كبرت في السن وعجزت عن القيام بحق الزوج أشارت عليه بالتعدد.
في التعدد التماس الأجر: فقد يتزوج الإنسان بامرأة مسكينة لا عائل لها، ولا راع، فيتزوجها بنيَّة إعفافها، ورعايتها، فينال الأجر من الله بذلك.
أن الذي أباح التعدد هو الله-عز وجل-: فهو أعلم بمصالح عباده، وأرحم بهم من أنفسهم، وطلب تكثير النسل هدف إسلامي ومطلب نبوي، وضرورة لعمارة الكون وخلق التنمية؟!.
في بعض الظروف، ولبعض الفئات يكون التعدد واجبا لغيره، من أجل خلق التوازن الاجتماعي، وضرورات البقاء والوجود، وهذا ما قصد الحديث النبوي بيانه، في قوله – صلى الله عليه وسلم-" تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم"، وأصحاب نظرية"خشية الإملاق": أي تحديد النسل أو تنظمه لا فرق، والذين ينطلقون من فلسفة: الندرة في الموارد، والانفجار في السكان، جاهلون واهمون كذابون غافلون فالموارد كافية، وتوظيف، نتائج التطورات العلمية، تجعلها أكثر من كافية، والله يقول وقوله الحق:{ وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها}، ومعركة الوجود والبقاء الحضاري، وتدافع في الزمان والمكان يفرضان على بعض فئات المجتمع فرض التعدد بالقانون وتكثير النسل ؟
وتهالك بروج فتاوي بيوت العنكبوت المشيدة من تحريف الغاليين وانتحال المبطلين، وبؤس فقه المقلدين والعاجزين للوقوف في وجه التعدد وبسم الوفاء بالعهود والالتزام بشرط "لا سابقة ولا لاحقة"، والناسخة المحرمة عندهم لما أباح الله في القرآن، قال تعالى"{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَىٰ فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَلَّا تَعُولُوا }. سورة النساء، الآية : 3 .
وهو شرط نسخو به القرآن أو عطلوه، تماما وكما عطلوا به لأمر وهدي النبي – صلى الله عليه وسلم- وسبيل المؤمنين بهدى الإسلام، وذلك بتنزيل النصوص في غير موردها الشرعي وتأويلها وحملها على غير محملها، كما فعلوا مع حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه الذي في الصحيحين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج".[1]، والحديث يتنزل ويؤول على أنها: الشروط المعلومة، الخارجة والمفارقة لتلك التي دلت عليها الآيات السابقة، وهي: ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وعليه حمل بعض أهل العلم الحديث الأول .
وهي التي لا تحرم حلالا، ولا تحلل حراما، ولا تعتدي على حق أصيل ثابت، مثل حق التعدد، وذلك هو الذي ينسجم مع أحكام الشرع ومقاصد الدين، وهدي نبيه –صلى الله عليه وسلم-.
وقد جاء في سنن الترمذي من حديث عمرو بن عوف المزني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:" المسلمون على شروطهم، إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً"[2]، وهذا هو مربط الفرس، في الرد على ذلك التأويل الفاسد لحديث:" أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج"، وتنزيله على إلزام الرجل بمقتضي شرط: لا سابقة ولا لاحقة.
وفي الصحيحين من حديث عائشة – رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-:" ما بال أناس يشترطون شروطاً ليس في كتاب الله، من اشترط شرطاً ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن اشترط مئة شرط، شرط الله أحق وأوثق"[3].
وفي صحيح مسلم عن عائشة- رضي الله عنها- قالت فال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-:" ما بال رجال يشترطون شروطا ليس في كتاب الله ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أو ثق الولاء لمن أعتق"[4].
وفي صحيح مسلم عن عائشة- رضي الله عنها- قالت فال رسول الله – صلى الله عليه وسلم-:"ما بال رجال منكم يشترطون شروطا ليست في كتاب الله فأيما شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط فقضاء الله أحق وشرط الله أو ثق ما بال رجال منكم الولاء لمن أعتق"[5].
وقال علي رضي الله عنه، في الجواب والرد على القول بإلزام شرط: لا سابقة ولا لاحقة قال:" شرط الله أولى وأحق".
قال الحافظ ابن حجرفي الفتح: وقال الخطابي: الشروط في النكاح مختلفة، فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقاً، وهو ما أمر الله به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، وعليه حمل بعضهم الحديث الأول . ومنها ما لا يوفى به اتفاقاً كسؤال طلاق أختها.
ومنها ما اختُلف فيه كاشتراط ألا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله...
وأما شرط ينافي مقتضى النكاح كأن لا يقسم لها أو لا ينفق أو نحو ذلك فلا يجب الوفاء به، بل إن وقع في صلب العقد كفى وصح النكاح بمهر المثل، وفي وجه يجب المسمى ولا أثر للشرط[6].اهـ
وهكذا يتبين لنا حكمة الإسلام، وشمول نظرته في إباحة التعدد، ويتبين لنا جهل من يتنطعون ويطعنون في تشريعاته، أو يحكمون أنانيتهم وأهوائهم وأمزجتهم في رفض بعض أحكامه وقيمه، كما يتبين لنا أهمية أن يجلس البرلمان لنقاش هذه القضية وسن القوانين الملزمة لها لما لها من أهمية في تحقيق أحكام الله ومصالح عباده.

[1] - إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام كتاب النكاح.
[2] - سنن الدارقطني عن عمر بن عوف، رقم : الحديث: 2536.
[3] - صحيح البخاري عن عائشة بنت عبد الله ، رقم : الحديث : 439 .
[4] - صحيح البخاري، عن عائشة- رضي الله عنها، الحديث رقم: 2541.
[5]  - صحيح البخاريـ عن عائشة – رضي الله عنها، الحديث رقم: 2388.
[6] - ابن حجر الفتح،ج 9ص: 123.

7. مارس 2017 - 8:21

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا