جمهورية الضباط الثالثة / بون ولد باهي

الجمهورية الثالثة، إن كان هذا الوصف دقيقا بمعنى العبارة الدارجة، فهذا بكل بساطة يعني أن حدثا ما تحقق من النوع الذي يسجله التاريخ، وهذا ما لا نعلمه إطلاقا ولا يعلمه أحد إذا ما استثنينا حدث اللحظة التاريخية في غفلة من تاريخ البشرية لانقلاب 2008.
بداية أمر "الجمهورية الثالثة" يستحيل أن يكون فضوليا أو عبثيا لا يضمر جديدا ما، فلا بد أن يكون بمعنى من المعاني يستهدف الطعن في شرعية الجمهوريتين

 الأولى والثانية أو التنكر لهما.
والحقيقة أنه لا أحد ينكر أن الجمهورية الأولى، كانت جمهورية ديكتاتورية الحزب الواحد، وأن الثانية وضعت الأساس للجمهوريات العسكرية الوراثية سواء مع البيانات (رقم 1) أو مع ديمقراطية الانتخابات محسومة النتائج. فما الذي يجعل من الجمهورية الثالثة شكلا مميزا ؟ هل حداثة جيل الجنرالات الماسكين بالسلطة ؟ أم أن عقدة الانقلابات العسكرية لم تعد موجودة ؟
في الشق الثاني من الجمهورية الثانية حدث أن تم الاعلان عن التعددية السياسية: ترخيص أحزاب للمعارضة إلى جانب حزب النظام، ونظمت انتخابات محلية وبرلمانية ورئاسية بانتظام، وبشكل عام مظاهر للحياة المدنية. لكن النتيجة هي نفسها في الجمهوريات العسكرية الوراثية التي تبدو من حيث الشكل على الأقل ثلاث جمهوريات فما فوق: جمهورية (1978 ـ 1991)، جمهورية (1991 ـ 2005)، جمهورية (2008 الثالثة والرابعة والخامسة إن صح التعبير).
سيلاحظ القارئ الكريم أن منطق الجمهورية هنا ليس منطق مؤسساتي، بمعنى استحداث دولة المؤسسات، كما أنه لا علاقة له اطلاقا بتحول اجتماعي قاد إلى تغيير جذري من جمهورية إلى أخرى، أو حدث اقتصادي بموجبة تم تحرير الاقتصاد الوطني من النهب الاجنبي، أو حتى حدوث تغير في طبيعة النظام وشكله كأن يترك العسكريون السلطة للمدنيين، بل إن المقصود هو: انتقال السلطة من شخص إلى شخص.
فتلخيص الحياة السياسية إذا أردنا في ثلاث نقاط منذ 1978 إلى اليوم:
 انتقال السلطة من الحكم المدني إلى الحكم العسكري
 حكم الحزب الجمهوري (نظام ولد الطايع)
 حكم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية (نظام الجنرالات)
إذن ما الذي يجعل من الجمهورية الثالثة والرابعة والخامسة بتعبير أدق شكلا مميزا عن سابقاتها ؟ هل انقلاب 2008 أم حزب الاتحاد من أجل الجمهورية المحسوب على جيل الشباب من جنرالات العسكر ؟. والجواب انقلاب 2008، لأن حزب "الاتحاد" مجرد واجهة مدنية تكرس النموذج التاريخي للأحزاب السياسية التي يؤسسها أصحاب النفوذ من الجنرالات أو التي تقبل بعضويتهم فيها، وعندنا كما بات معروف أحزاب الانقلابات العسكرية التي لم تكن موجودة قبلها.
يمكن القول بأن هذه المرحلة خلطت الأوراق بشكل معقد. فهي مرحلة موت أو حياة لأنها اختلقت في زمن الثورات والتمردات ومقاومة الشعوب للانقلابات العسكرية والديكتاتوريات والبيروقراطيات الوهمية الفاشلة. وهي في زمن تحرر الانسان وانعتاقه ووعيه بالحقوق والواجبات وهو الوعي الواعي بفضائح وأكاذيب الديكتاتوريات، وبنهاية الخرافة القديمة لأنا الدولة أو الإله أو الأب أو الأخ الأكبر، وأن مسألة الحقوق لا مساومة عليها.
جمهوريتكم الثالثة أو الرابعة أو الخامسة لا بد أن تكون عبارة عن شيء:
 نهاية الانقلابات العسكرية؛
 نهاية حكم الحزب الواحد؛
 رئيس مدني.
هذا إذا كان تحقق فعلا، هو ما يعرف بالانتقال الديمقراطي، أي تصحيح مسار النظام القديم اللاديمقراطي بنظام جديد ديمقراطي.
وهي كذلك لا بد أن تكون عبارة عن شيء:
 على المستوى السياسي في أن تكون محل اجماع، لا الاجماع الذي ينعقد على نقيضه؛
 وعلى المستوى الاقتصادي فإن الكارثة تكمن في استنزاف ثروة البلد مواد أولية بلا مردودية، من أجل استقرار النظام ماديا، والنتيجة نهب القوى الأجنبية بالشكل المتوحش الذي ينذر بمستقبل المخاطر، مستقبل أخطر من الوحش الذي بات يطارد الجميع "بلد غني وشعب فقير"؛
 وعلى المستوى الاجتماعي، أعتقد أن منظري والقائمين على فكرة الجمهورية الثالثة كان عليهم أن يخجلوا من هذا الادعاء، فأكثر من نصف سكان العاصمة لا يتوفرون على أبسط ضروريات الحياة من ماء صالح للشرب وكهرباء، وهذه أمور ينبغي أن تعمم على البوادي والأرياف كمواطنين في دولة عصرية فما بالك بسكان العاصمة!!
كان عليكم أن تخجلوا أكثر بالنسبة لواقع قطاعات أخرى مثل الطب، السكن، التعليم، الأمن، النقل، الصرف الصحي.
الحقيقة أن جمهوريتكم هي مجرد رقم يضاف إلى عدد جمهوريات الضباط السابقة لا أقل ولا أكثر، بل إنها ربما المميز فيها أنها تمثل الرقم الأصعب الذي يضيف من حيث الرمزية العددية، رمزية تغيير الرموز الوطنية: العلم، والنشيد الوطني، ومجلس الشيوخ، ورمزية عدم محاكمة رئيس الجمهورية.
تلكم جمهورية العبثية، لا من الأولى ولا الثانية ولا الثالثة ... والله يحكم بيننا يا سادة!


 

21. أبريل 2017 - 9:59

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا