ميثاق لحراطين: بين إعلان التوبة وغفران الحوبة / السيد ولد صمب أنجاي

لقد كانت لحظة ميلاد ميثاق لحراطين الذي نحن  بصدد تخليد ذكراه الرابعة ضمن موريتانيا الموحدة العادلة والمتصالحة مع ذاتها بما تحمله من تحديات جسام وطنيا وإقليميا ودوليا فرصة للتأمل و للمصالحة مع الذات’ مع الآخر’ فالميثاق يشكل وثيقة نداء وطني ولدت من رحم  معاناة وأناة شريحة أرهقها الجهل وأنهكها الفقر ’ فكان لزاما عليها البحث عن مخرج من هذه الوضعية المأساوية السوداوية

’إلي وضعية جديدة قوامها التأ قلم مع متطلبات المرحلة  بغية إحداث تغيير بين مراكز القوى من ناحية والقاعدة العريضة لمجتمعنا من ناحية أخرى ’ سعيا إلى تحاشى عملية وضع أصبح قاب قوسين أو أدنى من الانفجار لا قدر  الله والذي لا يمكن  بأي حال من الأحوال سبر أغواره إن الميثاق عقد تاريخي وتأسيس للقطيعة مع الفترات  الماضوية  وميلاد الحرطاني الذي ظل أحقابا مغيبا بفعل أنامل الأنظمة والحكام،إنها لحظة لتتبوأ شريحة لحراطين المكانة التي تليق بمقامها كآدميين،لحظة وضع العربة أمام الحصان وأية عربة وأي حصان؟ إنها عربة مسؤولية تهميش لحراطين وغبنهم أمام حصان السلطة ،فأنا أعتقد أن المشكل كل المشكل تتحمله الأنظمة  المتعاقبة على دفة الحكم في بلادنا ’ إننا في الميثاق  ندعو كافة الخيرين من أبناء شعبنا إلى الوقوف معنا جنبا إلى جنب بغية خلق مواطنة خالية من ثالوث المرض والجهل والتخلف وهذا لن يتأتى إلا بتضافر جهودنا جميعا من علماء وفقهاء  وقادة رأي وأحزاب سياسية ونقابات ومنظمات مجتمع مدني وتنظيمات شبابية  ’ لقد آن الأوان لإعطاء معنى منصف وحقيقي لمفهوم المواطنة وإعطاؤها مقصدها الحقيقي كي نصل إلى موريتانيا لافقط جديدة وإنما أيضا متجددة ’ ينعم في فيئها كافة المواطنين بحقوق وواجبات متساوية ’ فالميثاق عقد وطني ويد ممدودة ومبسوطة لكل الخيرين من أبناء وطننا العزيز ’بمعنى آخر أن قضية الميثاق ليست قضية لحراطين وحدهم لكنها في المقابل قضيتهم إن تقاعس عنها الآخرون ’ لأننا لم نعد نساوم عليها ’ فلا عدالة ولا مساواة ما دام نصف المجتمع مبتور الساق { يظلع} ’ ناهيك أخي القارئ أن قضية الميثاق نالت إجماعا وطنيا لم يسبق له نظير ’ فكل القوى الحية في البلد على الرغم من اختلاف توجهاتها ومشاربها السياسية اتفقت وتتفق على مدى الحيف والظلم الذي يتعرض له السواد الأعظم من شريحة  لحراطين أولا ومن الشرائح الأخرى ثانيا ’ فلا ينكر أحد اليوم أن لحراطين مقصون من التعليم والأعمال  ومن الوظيفة العمومية والقطاع الخاص والوصول إلى القروض والملكية العقارية وانتهاء مقصون من عالم المال والأعمال.....الخ ’زادهم في ذلك الحرمان والجهل والإقصاء’ فهم الوحيدون الذين يقبعون تحت نير عذابات البؤس والشقاء الفظيع والفقر المدقع ’ كما أن حضورهم في المواقع الإدارية السامية والقيادات العليا للجيش والأسلاك المهنية الكبيرة محدود جدا ’ بعد كل هذا وذاك أليس حريا بنا اليوم وبعد تشخيص الوضع الكارثى لهذه الشريحة التي خدمت الوطن أقول   أما كفى هذا من الاستغلال اللامشروع ؟’ أفلا نتجاسر هنا ولو هنيهة  لوقفة تأمل ومساءلة الذات ومحاسبتها ’ بعد عرضنا لهذه اللوحة القاتمة ’ وبعد أن شخصنا المرض واستأصلنا  الداء ’أفلا  نقدم الدواء الشافي والكافي لحل معضلة اللامساواة واللاعدالة التي رعتها وترعاها الأنظمة المتعاقبة على البلد؟أم أننا على قلوب أقفالها ’ أو أننا على حد لغة المتنبي { ما لجرح لميت ايلام } وقبل أن أنهي محاضرتي ليسعني  أن أطلب من السلطات القائمة وكذا قادة الرأي من علماء وفقهاء  وساسة ومنظمات مجتمع مدني وأندية شبابية  إلى  أن يساهموا في محاولة ومباشرة كل ما من شأنه أن يحل معضلة لحراطين وكذا الفئات المهمشة الأخرى مع دعوتي أيضا المستعجلة لمراجعة وهيكلة منظومتنا التربوية كي تستجيب لتطلعات وآفاق ما نحن بصدده لأن منظومتنا التربوية عملت ولا تزال تعمل على تكريس الظلم والحيف وسياسة الإقصاء والتهميش وليست مدارس الامتياز الا تكريسا لذلك ولا أخالها الا البديل الشرعي لمدارس أبناء الشيوخ
في الزمن الغابر ’ فنحن نعول كثيرا على التعليم الذي بواسطته يتم تذويب الفوارق الاجتماعية وأن نحاول تأسيس ومأسسة المدرسة الجمهورية والعودة إلى الأصول لا الفروع ’ أي المحضرة الموريتانية وجعلها تتناغم والتعليم العصري ’ فالتعليم والتعلم  يجب أن يرى فيه الجميع ذاته.  ان  الفشل القائم اليوم في مدارسنا نتج عنه فشل ذريع لمدرسة ذات معيارين : مدرسة خصوصية للطبقات الوسطى والعليا ومدرسة عمومية لأبناء الطبقات المحرومة والشعبية التي يشكل لحراطين غالبيتها العظمى ’ وبذا أضحت المدرسة الموريتانية المسكينة تترنح من ناحية وضع البرامج ’ بين إصلاحات قوامها خبط عشواء من تصب تمته من أبناء جلدتنا كما أنها غدت تؤدى رسالة ليست تلك التي من أجلها وجدت وإنما معاكسة تماما لرسالتها السامية ’ فبدل أن تكون رسالة للترقية الاجتماعية وإزالة الفوارق والوئام المدني والسلم أمست وسيلة لإعادة إنتاج الواقع الاجتماعي الظالم والظلوم وتكريس للطبقية وتعميمها ولقد حان الوقت لوضع العربة أمام الحصان كي نجري حوارا وطنيا شاملا حول مشكلة لحراطين ’ كما أننا ندعو النظام وجميع فرقائنا السياسيين إلى إعادة تأسيس الجمهورية انطلاقا من توزيع عادل للثروة الوطنية و العدالة الاجتماعية بين كافة المواطنين من أجل وطن للجميع  وليس ذلك بعزيز مع وجود الإرادة لشعبنا الأبي الطامح والطافح إلى نشدان العيش الكريم تحت راية الولاء للوطن وللدولة لا الولاء للقبيلة ولا الجهة يقول أبو القاسم الشابي : إذا الشعب يوما أراد الحياة :: فلا بد أن يستجيب القدر
ولا بد لليل أن ينجلي:: ولا بد للقيد أن ينكسر.
وفي النهاية أود القول بأن هذه المقاربة الميثاقية ليس لها من هدف سوى تحقيق مملكة العدالة والحقيقة لمفهوم المواطنة الحقة المبنية على إشاعة العدالة الاجتماعية وتجسيد الحرية والمساواة بين جميع المواطنين وتكريس الوحدة الوطنية على أسس سليمة  وراسخة ومستدامة ’ عملا بمبدأ المصارحة قبل المصالحة .
قال تعالى : { وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهيكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب}
صدق الله العظيم

1. مايو 2017 - 13:59

آخر الأخبار

تغطيات مصورة

أحدث المقالات

كتاب موريتانيا